العروبة في خطاب القسم الرئاسيّ ( الانتماء والهوية في فكر الرئيس بشار الأسد )
نبيهة ابراهيم | كاتبة سورية
إن استهداف أمريكا والغرب الاستعماري للدول العربية الكبرى الحاضنة تاريخياً للفكر القومي العروبي وإن كل على طريقته ، ( العراق – ليبيا – سورية – اليمن ) والعمل على تفكيك هذه الدول على المستوى الداخلي ، أعاد للشعوب السؤال المصيري سؤال الانتماء والهوية والحقيقة التي تقول أن الانتماء القومي أو العروبة ، هي الحصن الحصين الجامع لكل أبناء الأمة ، ليس فقط لما تختزنه من عمق وجداني وعاطفي ، وعمق تاريخي وفكري ، كونته اللغة العربية و العيش المشترك والتجارب الثقافية المشتركة لأبناء الوطن العربي ، وإنما لما تكتسبه الهوية القومية العربية اليوم من أهمية وموقع في أنها الوعاء الحاضن والضروري لمشاريع نهوض الانسان العربي وتحريره وتمكينه من ملكية ثرواته الوطنية والعيش بحرية وكرامة ، في وقت ثبت أن الدولة القطرية لم تستطع أن تشكل هوية لكل قطر لوحده بسبب أصالة الهوية القومية العربية في نفوس أبناء الوطن العربي وهي مشكلة المناوئين للقومية العربية _ ، ما يعني أيضاً عدم قدرة الدولة القطرية على القيام بمشاريع تنموية كبر ى تمكن الإنسان العربي من استثمار ثرواته الوطنية بعيداً عن نهب القوى الاستعمارية .
في خطاب القسم الرئاسي تحدث السيد الرئيس بشار الأسد عن الانتماء العربي وعدّه حاجة وضرورة للعرب ، ودعا إلى ترسيخه في عقول المواطنين والمجتمعات العربية من أجل مستقبل الإنسان العربي ، وقدرته على مقارعة أعدائه وهزيمتهم ، وربط مصير سورية ومصير المنطقة العربية بهذا مشيراً إلى أن كل ما حدث ويحدث في المنطقة العربية يهدف إلى نسف هذا المفهوم من عقول المواطنين والمجتمعات العربية الغنية بتنوعها الثقافي . ”
الحديث عن العروبة ليس قضية رأي لكي نتفق معه أو نختلف معه وليست القضية قضية ذوق لكي نحب العروبة أو لا نحبها، تعجبنا أو لا تعجبنا، هي قضية مصير، ليس مصير سورية، مصير المنطقة العربية يتوقف على هذا المصطلح وكل ما تم خلال العقود الماضية كان يهدف لنسف هذا المصطلح كمفهوم في عقول المواطنين العرب وفي عقول المجتمعات العربية بكل ما تحويه من مكونات غنية “.
كما أكد سيادته أن الانتماء العربي ، أو العروبة ، هوية حضارية عابرة للمذاهب والطوائف والأعراق ، هوية جامعة غنية تقوم على التنوع والتعددية وهذا التنوع يعطيها غنى وقوة ويرفع عنها صفة التعصب ، ”
الانتماء أوسع من أن يحصر بعرق أو دين أو مذهب أو لغة أو مصلحة مشتركة أو إرادة مشتركة أو تاريخ أو جغرافيا لأن الانتماء هو حالة حضارية إنسانية يجتمع فيها كل ما سبق وهذا هو حال عروبتنا بمعناها ومضمونها الحضاري الجامع الذي يزداد غنى بازدياد أطياف المجتمع وهي التي تجسد امتداد المكونات الحضارية في الماضي وامتزاجها مع المكونات الاجتماعية في الحاضر لتكون مزيجاً متجانساً متناغماً يحقق الاندماج بينها من دون ذوبان، من دون ذوبان المكونات، ويوحد الانتماء مع الحفاظ على هويتها،” و” الانتماء ليس خياراً يحدده الإنسان بإرادته ولا نظريات يتبناها وإنما هو حقيقة مكتسبة بالولادة بداية وبالتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه لاحقاً … ” .
ما من شك أن الهوية العربية مرت بانتكاسات كبرى ، لكن هذا لا يعني أنها انتهت ولو كان الأمر كذلك لما استمر أعداء الأمة في استهدافها إلى اليوم ، مشروع القوى الاستعمارية الحالي في تفكيك الدولة القطرية وإعادة بنائها على أساس المذاهب والطوائف والأعراق هو بذات الوقت استهداف للانتماء القومي لأنه إذا أغفلنا الانتماء العربي فما الذي يجمع ويربط الناس داخل الدولة القطرية ، الجماعات الموجودة لا يعود بينها أية رابط وبالتالي تعود لانتماءاتها الأولية و تعود الدولة إلى حالة الفوضى والتجزئة والتقسيم .
في لقائه مع وفد من “المؤتمر القومي الإسلامي” منتصف حزيران الماضي أكد الرئيس بشار الأسد على أن الشعب العربي في كل أقطاره ما زال متمسكاً بعقيدته وبهويته وانتمائه على الرغم من كل المخططات التي تم تحضيرها وتسويقها للمنطقة العربية وبمختلف المسميات مستشهداً بالانتصار الذي تحقق مؤخراً في غزة وكيف تحرك وتفاعل الشعب العربي مع الحدث وساند الشعب العربي الفلسطيني الذي وقف صفاً واحداً ضد عدوان الكيان الإسرائيلي .
” إن ما حصل مؤخراً في غزة، والانتصار الذي تحقق هناك وتحرّك الشعب الفلسطيني في جميع المناطق، وتحرّك الشعب العربي وتفاعله مع هذا الحدث أثبت أنه وعلى الرغم من كل المخططات التي تم تحضيرها وتسويقها للمنطقة العربية وبمختلف المسميات، فإن الشعب العربي في كل أقطاره ما زال متمسكاً بعقيدته وبهويته وانتمائه .”
كما دعا سيادته إلى تقديم فكرة القومية إلى الأجيال الشابة كمشروع حضاري قادر على النهوض بواقع الأمة وتطويره ، معتبراً هذا تحدي أمام النخب الفكرية العربية ،
“…. التوجه إلى الشباب، وضرورة التجديد في اللغة التي يتم تقديم فكرة القومية بها للأجيال الشابة، …… يجب أن تكون هذه الفكرة مبنية على الحقائق، وأن يتم الربط بين الأفكار المبدئية والعقائدية وبين مصالح الشعوب ……….. وأن الحالات التقسيمية أو الانعزالية أو الطائفية إذا حصلت في دولة عربية، فإنها ستنتقل إلى الدول الأخرى، وبالتالي لا يمكن أن ننظر إلى الدول العربية إلا كساحة قومية واحدة.
جميع أمم الارض تحررت من القوى الاستعمارية وبنت دولها القومية ، وقد تكون أمتنا العربية أكثر تلك الأمم التي تمتلك عوامل اجتماعها وأعتقد أن تلك العوامل هي التي تشكل مصدر بقاءها واستمرارها .