عن مصر وأدائها في أزمة “سد الهيمنة” .. فضيحةٍ كبرى بنكهة العويل والهستيريا
علي كوثراني | كاتب وباحث لبناني
شهدنا مؤخرًا هياجًا مصريًّا حول أزمة سد النهضة، واستقبله المتابعون بآراءٍ شتى تتراوح بين الحماس والمرارة. أما الثابت والذي لا بد من الإشارة إليه بدايةً هو أن هذا التصعيد الإعلامي والدبلوماسي لا يختلف بشيء عما سبق، سواءً في عهد السيسي أو عهد مرسي من قبله.
صحيحٌ أننا لم نشهد بعد اجتماعًا بالغ السرية ومنقولاً في الوقت نفسه مباشرةً على الهواء، مثل الذي أقامه مرسي لمناقشة أزمة سد النهضة مع أعيان السياسة في مصر، واقترح فيه بعضهم خططهم الخطيرة والسرية للغاية مباشرةً أمام أعين وأسماع مصر والعالم، كالتأثير على المجتمع الأثيوبي عبر كرة القدم، أو تسريب معلوماتٍ استخباراتيةٍ مضللةٍ عن اقتناء مصر لأسلحةٍ فتاكةٍ بهدف إخافة أثيوبيا، أو إرسال رجال المخابرات العامة لنسف السد من أساساته، أو حتى إرسالهم لقلب نظام الحكم هناك بحيث أن تلك البلاد متخلفة غير مستقرة – بعكس مصر؟! – ودليل ذلك أن “أول واحد يصحى الصبح هناك يستلم الحكم” بحسب تعبير أحد المجتمعين، إلخ… من هذه الأفكار العجائبية.
ولكن آخر المواكبات التهليلية التحليلية اللولبية الزبهللية للتصعيد الإعلامي هذا فعلاً تُبشِّر بالخير لجهة استكمال نفس السياق القديم وربما التفوق فيه، وقد زاد في الطنبور نغمًا الربط بين فعاليات تعاونٍ عسكريٍّ بسيطةٍ بين أثيوبيا وروسيا تتراوح طبيعتها بين الروتينية وشبه الروتينية، وذلك لمهاجمة روسيا أيضًا عدا عن تظهير أثيوبيا على أنها خائفة ومرتعدة من مصر السيسي التي “لا تلعب السياسة العادية بل شطرنج المحترفين”، و”صفعت روسيا على وجهها” ردًا على سلوكها السلبي تجاه مصر، وزار وزيرها مقر حلف الناتو مما سيتسبب “بسكتة قلبية” أكيدة لروسيا، وكان “صانع القرار فيها بارعًا لأقصى درجةٍ” “ويلاعب أكبر الدول بطريقةٍ لم يسبق لها مثيلٌ” بحيث تشعر أنت أن مصر “لا ذراع لها ليُلوى” وأن “لا فواتير عليها لأحد”، وأنها تسوق “سياسةً احترافيةً” بيد ويدها الأخرى قابضةٌ على السلاح و”جاهزةٌ للضغط على الزناد” إن اقتضت الحاجة، إلخ…
أما الحقيقة فأن السد ليس إلا وجهًا من أوجه الهيمنة الغربية على مصر والمنطقة، وأن مصر سيء الذكر، السادات، وورثته – مبارك ومرسي والسيسي ۔، المسلوبة الماضي والحاضر والمستقبل، المسلوبة التاريخ والجغرافيا، المسلوبة القرار والكرامة والسيادة والمعاش والدور، لم تُقدِّم في الموضوع بعد غير فضيحةٍ عربيةٍ كبرى بنكهة العويل والهستيريا وكوميديا البطولات الوهمية الهابطة… والحقيقة أيضًا أنها لن تقدم شيئًا فيه ولا في غيره، إلا بعد أن تنفض عنها كل هذا الوسخ وتتحرر.