الجوع الأعظم وخبز العقل…
يامن أحمد- الأمعاء الجائعة لن تتحول إلى مسرى يسبح فيه الفكر ومهما عملت الأقلام في جني الضوء من سمو الفكر فلن تمتلئ الأمعاء الجائعة فإن من ينادي صبر الجائع وفكره لن يفلح في إطعامه أولجم فحيح أمعائه ولكن عندما يكون بين يديك حقيقة لاتدركها فهذا يدعوني إلى القول إنني سأحزن على جوعى الخبز كما احزن على جوعى الفكر ممن تضيق بهم أنفسهم فيصرخون بالشتائم لأنه ما من محق تضيق به العبارة بل تناصره الأبجدية كلها فتنقذه من الغضب إنني أدرك بأننا في صراع مع جوعى الفكر على كافة الجبهات صراعا اوصلنا إلى مواجهة مباشرة مع الجوع ونحن لم نحيا بعد كمجاعة حقيقية لأن الجوع هو أن لاتملك أي شيء لكننا في سوريا نملك الكثير مما تريده الحياة. وإن الكلمات يقرؤها الجائع اشباح تفر من الحقائق هكذا يخال للجائع وأنا هنا لا أنعي الكلمة ولكنني أستحضر الحقيقة التي يجب أن نمسها في حال من يكابد الويلات لكي يحصل على قوت يومه .
وسوف أحاول أن أتكلم نيابة عن كل من يعشق لغة العقل والغضب الرزين الذي يتفجر نورا في خيبات المتعبين فشرف الكلمة ليس كصلوات المنافقين ودعاء كهنة المال حتى نخشى التحدث بما ينعي الفجور الفكري ويؤسس لمشهد أكثر وضوحا ولهذا وكما كل مرة سوف نطلق سراح ماتوارى خلف المجهول ..
لسنا في أمة تختفي فيها شرائع الأنانية وتورم الطائفية في أنفس كبار الموظفين وصغارهم فإن الحديث عن اللصوص فقط لايخيف من يظن بأن طائفته تحميه فكم من لص ظن بأنه توارى خلف حماية طائفته له وهو أول سارق لطائفته إن من يريد بقاء طائفته عليه أن يحارب الطائفية وليس الوطن فهل نحن على يقين بأن الإخوانية الخفية والتعصب الطائفي الآخر قد اختفيا تماما من منظومة الدولة؟؟ لايمكن للحديث عن الفساد ان ينفصل عن الواقع فما ضرب سوريا اليوم من غلاء في الاسعار لم يكن صدفة فنحن من تناسى توقف كل شيء في العالم وسوريا لأشهر بسبب كورونا وانهيار لبنان المتعمد اقتصاديا لاجل ضرب سوريا وكذلك سطوة قانون قيصر كل هذا أدى لتسارع تفاقم الغلاء مع رخص مهول في أنفس وضمائر التجار إننا في الأيام الأولى من المواجهة مع التجويع الأمريكي ولن نحقق مالم يستطع تحقيقه العالم القذر في سوريا بسبب مواجهة مرحلة وهذه المرحلة تحتاج لعمل اجتماعي مع بقاء النقد الملتهب عقلا للحكومة لأن من يحيك أجزاء سوريا المفككة بعامل جرائم بعض المكونات السورية الضائعة فإنه يحتاج إلى مجتمع يقف معه لا أن يحاكمه وهو في قلب معركة يحاكمه بها لقطاء التاريخ من الأمريكان وأتباعهم لأنه ماترك شعبه يوما متوسلا .أليس من المريب أن نجد اليوم من يحاكم الأسد ملمحا إلى فشله في قيادة المرحلة في ذات الوقت الذي يقوم فيه الامريكان عبر جيوشهم القذرة بمحاكمة الأسد لأنه لم يفشل مع شعبه في كل أمر وقضية .
وأما عن رأس الفساد وبدئه فإنني وبكل تأكيد أريد محاربة الفساد من الرأس وهذا مانريده جميعا إلا أنه دائما مايكون مفهوم رأس الفساد ممثلا في رأس” الحكم” مع أنه لا رأس للحكم الحقيقي إلا المجتمع ولا رأس للفساد سوى البيئة التي يعشعش فيها الفساد وتعتاده كواقع وهي بهذا تحارب الحاكم الذي يريد أن يعمل من حيث لاتدري ومن يظن إن في سوريا رأسا للفساد ممثل بفشل أو ضعف الأسد فهو يؤكد بأنه لا يرى ولايقرأ إلا كما قراءة فطاحل ثوار الأظافر االمقتلعة لأطفال وهميين .. فماذا تقول لغة العقل والوضوح بلا أية ميول عاطفية وإنني لن أدافع عن الأسد فقط بل عن لغة العقل .كانت الأنبياء تقتل وتعذب من أقوامها أكثر من الأعداء الحقيقيين الذين يوصي الانبياء الحذر منهم فما قوم لوط من لوط بشيء ولا يهوذا الإسخريوطي من يسوع بشيء ولا قتلة الحسين من محمد بشيء حتى النص القرأني عرف خلاص الأمم وقال :
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).
إنه لولا قوة البيئة الأخلاقية والفطرة السليمة لتلك الأنفس التي احتضنت الجيش ما كانت سوريا لتبقى ولولا صلاح نفس الحاكم وعقله في الشام العظيمة ما كان ليحاربه مفسدون وأرباب الفساد في الأرض ..كل من يظن بأن كل تغيير أساسه تغيير طاقم حكومي فقط فإنه يمنح الحكومة صلاحيات فوق قرار المجتمع ..لو طلب اليوم ممن حصلوا على وظائفهم عبرالفاسدين وسماسرة الوظائف لما تبقى في الدولة السورية سوى المئات من الموظفين ولذلك اذكر هنا كيف تغلب القائد الاسد على هذه الازمة الإجتماعية والحكومية إذ جعل خمسين بالمئة من الوظائف الحكومية لذوي الشهداء والجرحى وقد وظف المسرحين دفعة واحدة من خارج القرارات الحكومية المعتادة لكي يمنع استغلالهم من قبل سماسرة (الوظيفة مقابل دفع المال) هنا يكون الحاكم مع رأس الحكم من اشراف سوريا الذين استحقوا الافضلية في كل شيء يخص الدولة ..أما من ينفي دور المجتمع في التحولات الوجودية فهو من يطالب بزيادة تصلب عمل الدولة فما من معالج لأمراض اللدولة إلا قوة اتحاد المجتمع .يقول افلاطون : (العدالة هي ليست القوة المجردة وهي ليست حق القوي إنما هي تعاون كل اجزاء المجتمع تعاونا متوازنا فيه الخير للكل ).
ويقول سقراط: (إن الدولة تشبه أبناءها فلا نطمع بترقية الدولة إلا بترقية أبنائها).
هناك من خرج وحمل السلاح ونادى بالشعارات الطائفية وذبح ونكل بالسوريين الموالين للدولة وهناك الإنفصاليون الاكراد الذين اصطفوا مباشرة مع الأمريكيين وهناك من أقنعوا أنفسهم بأن المصالحات ليست لصالح سوريا وحاربها الكثير بين موالين وغيرموالين ثم تبين أنه لولا سياسة المصالحات لكنا اليوم مازلنا نبحث عن سوريا في الخارطة وأذكر كيف كانت تسبى كلماتي المدافعة عن المصالحات وكنت أول من دافع عن ملاحم المصالحات التي قادها الجيش العربي السوري والتي كان يفرضها اجتماعيا قبل أن تكون حلا عسكريا فكان ينتصر للجميع وليس لطرف وكان جيش أمة وليس جيش أطراف وعند هذه الحقيقة تمكنت الدولة من بسط حضورها .
إن كل من ذكرتهم لكم هم من المجتمع السوري وليسوا من جنوب أفريقيا واقول هذا لكي نذكر بأن المجتمع السوري كان ومازال يصارع أزمة وجود عميقة وأن الأمر ماكان ثمة مشكلة عابرة فقط إن ما أريد إيصاله لكم هو أن التصويب الدائم خارج الوقائع الإجتماعية نحو الدولة فقط هو تصويب منقوص وهزيل كما أن التصويب نحو المجتمع فقط هو كذلك .أي عندما نتناول تقصير مؤسسات الدولة يجب ألا نحارب من يتناول معالجة الوعي الإجتماعي في الحروب فنحن لانتحدث عن أمة خاوية .فما كان لتلك الحرب أن تقوم بهذا الحجم لولا جهالة جزء من المجتمع السوري من انفصاليين ومتطرفين اسلامويين .حتى لغة المواطنة والتراب أصبحت في ذلك الوقت في بعض الأمكنة تشترط الخدمة العسكرية ضمن مدينة محددة وليس خارجها ؟؟ حتى السوري الحامل للجنسية التركية والموالي اجتماعيا للدولة السورية في لواء اسكندرون وداخل تركيا لم يكن موجودا بينما كنا نشاهد الأكراد الإنفصاليين الذين كانوا بلا أية قضية وجدناهم يتظاهرون لقضيتهم الوهمية في سوريا و في جميع العواصم الاوربية مع أن الأكراد لم يتعرضوا لواحد بالمئة مما تعرض له السوريون من مجازر على يد عصابات الإخوان ..ضمن هذه الأجواء الإجتماعية السورية كان الأسد وحيدا مع فرسان جيشه وكأنه يخوض الحرب منفردا فما كنا نقرأ حينها إلا عن الوقوف مع الجيش والأسد بلا فكر عميق وكذلك نشاهد من يريد النقد ولكنه ينتقد بأسلوب لايرقى للفكر والملحمة التي يخوضها الأسد والسوريون ضد الفناء ..
نحن نريد أن يسقط رأس الحكم الحقيقي الذي يسعى لتحقيق ضعف سوريا والذي عمل الأسد ويعمل على اسقاطه مع جيشه وبعض الوطنيين من قادة الوعي الإجتماعي فما يفعله الانفصاليون اليوم من خيانة وغباء وايجاد حضور للإحتلال الأمريكي هو الأخطر وهو الذي يضعف قوة الدولة ثم إن الذي ينادي به مجاميع التطرف الخفي والمعلن في الداخل هو من عمل ويعمل الاسد على اسقاطه وتلك الحقائق هي التي حكمت سوريا لتسع سنين فمن خلالها أرغم السوريون على مواجهة لم يواجهها شعب من قبل إذ من خلال هذا الجزء من المجتمع انشغل السوري المقاوم بالدفاع عن وطنه وليس بتأسيس وطنه وهذا ما أدى إلى ما مانراه اليوم من تأخير في علاج أمراض هذه الامة إننا حقيقة لسنا في مواجهة فساد وظيفي فقط بل نحن في مواجهة أمراض اجتماعية تتحكم في بعض مفاصل الدولة وهي نفسها تحكم بعض المجتمع..نعم إننا اسقطنا أسوأ حكم في تاريخ سوريا ومازلنا نسعى في سقوطه حيث حكم هؤلاء لتسع سنين معظم مناطق سوريا ورأينا كيف أنهم سقطوا أخلاقيا قبل أن نسقطهم ومنهم من عاد إلى سوريا لأنه أدرك حقيقة أنه مامن حاكم في سوريا يدعى بشار الأسد بل أن فيها قائدا بعقل كحجم أمة لأن من ينتصر على سقوط أمته ليس برئيس ولا موظف بل هو حالة بشرية متفوقة عقليا وأخلاقيا ولهذا فنحن ننتصر اليوم رغم كل العوائق وجهل حقيقة تأثير الحرب من قبل المسؤول والمواطن ..
إن أمهات الفكر السوري وطرق مواجهة الحرب لا تنصب في الحكومة حصرا ولاهي بيد وزير ولا رئيس وزراء حصرا إنما هي تعبر من خلية أمن قومي لا تشبه غالبا الحكومات بكل شيء .كل دولة لها عمق وهو المسؤول عن قوة الدولة فقد سقط النظام السوري الممثل بخدام وحجاب وكثر من امثالهم في بدايات الحرب على سوريا ولكن سوريا القوية بقيت لأنها ليست مجرد حكومة ولو كانت القضية مستقرة في حكومة لسقطت سوريا مع سقوط خدام و رياض حجاب ..
اود أن أخبركم جميعا رماديين ومتألمين وطنيين وغير وطنيين إن الأمريكي لايحارب في سوريا حاكما إذ ليس فيها ثمة حاكم ولوكان هناك حاكم لسقط منذ الساعات الأولى أمام مظاهرات السفير الامريكي روبرت فورد في حماة كما سقط الرئيس الاوكراني (يانوكوفيتش) الحليف المدعوم مباشرة من روسيا فالقضايا أعمق بكثير من مواقف الحلفاء ففي سوريا ظاهرة وجودية تدعى بشار الأسد ملتحمة مع الأكثرية الشريفة في الفكر وهي من كل سوريا ومنها نهض فرسان الجيش العربي السوري وهي بيئته وهي من يحق لها مالايحق للآخر في الوطن لأنها من أبقت الوطن على قيد الحياة و هي من قدمت مالايستطيع تقديمه الآخر.. أما لمن يلمح إلى فشل الاسد بعد قلة أيام من تفعيل “قانون “قيصر فإننا نوضح إن الأمريكي لايحارب الفاشلين بهكذا حرب وإلا لصح القول بأن استخبارات تل ابيب وامريكا والغرب هي أقل تفوق من المخابرات السعودية ؟؟ وهذا محال لذلك فإن احترام الواقعية أمر عظيم لكي نعلم قيادة المشكلة نحو الحل وإلا اصططدمنا جميعا بالمشكلة .نحن مع ان يكون هناك أمةمن النقد وليس أمة من حجب الحقائق كليا .نحن مع من يخسف برموز الفساد وضربهم في معاقلهم ولكن بقلم عبقري دقيق فالجراحة لاتحتاج إلى جزار بل جراح.