شركات الاحتكار تتقدّم على دولة الرعاية وتفشّلها
لماذا غابت منشآت النفط ومكتب الدواء وصناديق ضامنة؟
كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
منذ مرحلة ما بعد اتفاق الطائف واستعادة وحدة الدولة ومؤسساتها بوشرت سياسة تهديم القطاع العام تحت ذريعة «البيروقراطية». وعدم انتاج الموظفين وفساد بعضهم بالرشوة واستغلال النفوذ وتسيير المعاملات مقابل «برطيل» وهي كلمة عثمانية، استمرت كثقافة في ادارة الشأن العام ولم تجر عملية اجتثاث لهذا المرض الخبيث، وبناء ثقافة جديدة باحترام القانون والمؤسسات.
فتقدمت «الخصخصة» كنموذج بدأ اعتماده في لبنان بديلا عن الدولة وهذا ما اوصلها الى ان تتجه نحو ان تكون فاشلة لحساب الشركات الخاصة ومستثمريها من رجال سياسة ومال فبدأ بيع القطاع العام مترافقا مع مشروع «العولمة» ونظرية «الشركات المتعددة الجنسيات» التي لها وظيفة الغاء الدولة الوطنية والهوية القومية وفرض السيطرة على الاسواق وادارة الاحتكار وفق توصيف خبير في الشأن الاقتصادي الذي يؤكد بأن لبنان تحول الى دولة فاشلة لعدة اسباب لكن ابرزها ان الدولة ومؤسساتها فيه، استقالت من مهامها، وهذا يخدم مشاريع اخرى يتيح لها ان تفسح المجال لطروحات «الفدرالية» وغيرها من المسميات بما يخدم اهداف طائفية غالبا في بلد مركب كلبنان.
وفي ظل الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها لبنان معطوفة على اخرى مالية ومصرفية ومستظلة الفساد والسرقة والنهب والهدر فإن السؤال الذي يطرح اين هي المؤسسات التي انشئت كإدارات ومكاتب تشرف على قطاعات حياتية وخدماتية ولا يعرف احد ماذا عملت او ماذا تعمل الآن في ظل ازمات كالمحروقات والقمح والدواء والاسواق الشعبية، والتعاونيات، اضافة الى صناديق الاسكان والضمان الاجتماعي. يقول الخبير الاقتصادي متسائلا عن دور دولة الرعاية التي جرى تهديمها لصالح شركات تأمين ولحساب المصارف الخاصة بعد ان تنازلت الدولة عن مصارف كانت تعنى بالاقتصاد المنتج كمصرف التسليف الزراعي ومصرف الصناعة والعمل ومصرف الاسكان الخ…
ومع بروز ازمة المحروقات فإن منشآت النفط تعطلت لصالح شركات استيراد النفط التي استولت على الشاطئ اللبناني وبات النفط في يد سياسيين ورجال اعمال ومال ولم تعد المنشآت هي صاحبة الحق في الاستيراد، وقد لجأت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني الى ادارة المنشآت لاستيراد النفط لتبين مدى التقصير اللاحق بالمواطنين من وراء تخاذل الحكومات المتعاقبة وسكوت مجالس النواب المتلاحقة عن متابعة هذا الملف الحيوي الذي بدأت تظهر اهميته لو ان الدولة عززت مؤسساتها، اذ بات المواطنون تحت رحمة الشركات واحتكارها، مضاف اليها تدني قيمة الليرة شرائيا امام سعر الدولار، وهذا ما ينطبق على المكتب الوطني للدواء، الذي لا يعرف اين هو وماذا يعمل وهو من صلاحياته استيراد الدواء لمواجهة احتكار الشركات التي هي اقوى من القانون وبعضها محسوب على السلطة التي يتشارك مسؤولون فيها بما فيهم ابناؤهم واقاربهم في شركات استيراد الادوية التي هي الاغلى في العالم بسبب الارباح التي تجنيها كما في مواد اخرى غذائية وطبية وصحية واستشفائية.
فهذا النهج هو الذي دمّر الدولة ووضعها في مصاف الدول الفاشلة وان المعركة مع الشركات الاحتكارية ليست جديدة او مستجدة وان سياسة تعطيل المرافق العامة هي التي فرضت نفسها مثل تغييب النقل المشترك، وتدمير سكك الحديد، اذ بدأ السؤال، اين هو النقل العام مع ارتفاع سعر المحروقات ثلاثة اضعاف السعر الاساسي وقد يصل الى مبلغ 200 الف ليرة وربما اكثر كما اعلن وزير الطاقة ريمون غجر، وهذا ما هو حاصل في الكهرباء حيث حلّت المولدات مكان كهرباء لبنان التي لم تعد تقدم سوى ما بين ساعتين الى اربع ساعات وقد تتوقف عن التغذية.
ان الاصلاح المالي والاقتصادي، يستند الى استعادة الدولة لدورها الرعائي الذي سلبته منها الشركات الخاصة التي اعطاها نظام الاقتصاد الحر المتبع في لبنان وما يسمى المبادرة الفردية صلاحية الاستغلال وجرت محاولات لإجراء تغيير في سلوك هذا النظام لكنها باءت بالفشل بسبب تركيبة النظام السياسي الطائفي، التي توزع السلطات ومعها المكاسب والمغانم ومن ضمنها الشركات الاحتكارية، التي وضعت المواطنين امام المجاعة والفقر والذل دون رقيب او حسيب، اذ من هم في السلطة هم في الشركات والمصارف فكيف يحاسبون انفسهم؟