خطاب بيت العنكبوت
د علي عزالدين
كاتب وباحث سياسي
خطاب اوتار السلام الذي ألقاه ونستون تشرشل عام 1946 امام حشد من اربعين الف شخص حضروا في مدينة ميسوري بعد طلب كُلية ( وستمنستر )،آنذاك كان تعداد سكان المدينة لا يتجاوز العشرة آلاف على ابعد تقدير..
هذا الخطاب الذي سُمّي لاحقاً بخطاب الستار الحديدي،لغة ما بعد الحرب،لغة تعريفية للحرب الباردة،لغة الرؤية التشرشلية للتربع الأميركي على قمة سلطة العالم مادحاً الديموقراطية الاميركية التي بُنِيَتْ على اشلاء السكان الأصليين والذين أسماهم الإعلام المتوحش بأنهم متوحشون ايضاً بخطابات وانتاجات هوليودية مضللة.
في العصر الحديث برز الكثير من الزعماء السياسيين في مجال الخطابة،فيدال كاسترو وخطاباته الطويلة والتي تحتاج الى قوة ذهنية وبدنية ومعارفية مذهلة وسعة ثقافة مهولة في العلوم السياسية والعسكرية والإجتماعية..
اما في العصر الاميركي ،بعد بروز نجم باراك اوباما كخطيب بارع ،قلب معايير الجودة والمنهجية الخطابية في ذهن الشارع والناخب الاميركي،حيث تتحكم لغة الجسد ومسارات المحتوى الكلامي،نبرة الصوت في إبراز المهارات اللغوية الخطابية،حيث كان التأثير السابق ترويجي اعلامي اكثر منه اكاديمي ،جون كينيدي روج له على انه الاكثر وسامة واناقة ممّا اثّر على عقلية المُتلقي الاميركي بالرغم من ذكاء وحنكة جون كينيدي و وفائه للكثير من الوعود التي قطعها والتي كانت شبه مستحيلة وقتها…
( خطاب بيت العنكبوت) :
ألقى السيد حسن نصرالله خطابه الشهير في بنت جبيل عام 2000 ،من عاصمة المقاومة والتحرير ،على بعد امتار من الحدود حيث يختبئ الجند الصهيوني مرعوباً مدحوراً..
هذا الخطاب احدث شرخاً كبيراً بين القادة السياسيين والعسكريين من جهة والجمهور الصهيوني من جهة أخرى،بمعنى آخر هزّ الخطاب المذكور وعي الشارع الإسرائيلي،باطن التفكير عندهم انهم قوة تقدمية لا تُهزم وبدأ التفكير ينحصر بمدى صلاحية الكيان الغاصب بعدها،وما زالت تداعيات خطاب بيت العنكبوت الكبيرة تؤرق كل ساسة العدو،قادة الجيش،المستوطنين،أروقة مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية الصهيونية والعالمية أيضاً..
ماذا يعني اسم الخطاب؟ في التفسير القرآني ،يضرب الله مثلاً للذّين إتخذوا إلها ً غير الله ويطلبون منه النصر والتوفيق والرزق،كمن اتخذ من بيت العنكبوت مثلاً،هذا البيت الضعيف الواهن لا يرُد عن نفسه شيئاً،بخِلاف المؤمن بالله والمتمسك بقوله وسبيله..
التفسير العلمي،إنّ خيط بيت العنكبوت الهش،لو جُمِع مع باقي الخيوط لَشكّلَ تجمُعاً بروتينياً صلباً اقوى من الكثير من المعادن،لكن ضعف هذا البيت هو بالتكوين الأُسَري،آُنثى العنكبوت تأكل الذكر بعد إتمام واجباته الطبيعية اتجاهها،ومن ثم يأكل الأبناء بعضهم البعض والأم ايضاً ينالها حصة من أكل أبنائها..
التفرقة الطبقية المجتمعية في الكيان الصهيوني تعرّت بالكامل بين اشكيناو وسفارديم ،بين مستوطنين متحكمين بكل مفاصل الكيان وبين مستوطنين من درجات دُنيا ،لا يُقبل منهم حتى التبرع بالدم ويُستخدمون فقط بالقطع العسكرية والزراعية احياناً..
ما ساهم في كي الوعي الصهيوني و زرع شعور الإنكسار بينهم ،هو الكاريزما الخطابية ،الحضور،اللغة وتحكمه بها ،لسيد المقاومة،حين يُعلّق احد المستوطنين ( بأنّه يُصدّق نصرالله اكثر من القادة الصهاينة).
جيشكم يكذب عليكم …
بعد الانتهاء من مفاعيل عدوان تمّوز وهزيمة الجيش الإسرائيلي وانكساره على اعتاب القرى الحدودية للجنوب اللبناني،وكان هناك عقدة عند الجيش بأنّه لو خسر المئات من جنوده يُريد الوصول الى ساحة بنت جبيل فقط ليُظهر للداخل الصهيوني بأنه كَسَر مقولة اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت،وهذا ما لم يحصل بفضل قوة المقاومة وصمودها،إذاً خطاب واحد فعل الافاعيل في الباطن النفسي للجيش المهزوم والذي ترك اشلاءً بشرية لجنوده دون الإفصاح عن ذلك لأهالي الجنود.
تجديد الخطاب السياسي،فبعد ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الإنتصارات،وبعد سنصلّي في القدس ،نتجه الى خطاب نوعي آخر بإنتظارنا،ممّا يعني انّ الامة الممانعة الممتدة من اقصى محورها الصامد الى اعلى محورها المنتصر مقبلة على مزيد من الانتصارات الإلهية في ظل تراجع الادوات المزروعة في ارضنا من ممالك وكيانات هشّة آيلةٌ الى الإستبدال بنبض الشعوب الحرة،بعد سيف القدس ونهضة الشعب المقاوم نتجه الى مزيد من هذه الفورة والهبّة الشعبية مع تعاظم قوة المقاومات في دول محور المقاومة ،متلازمة مع سطوة الخطاب المنتصر للقادة الإستثنائيين في زمن معدن الدماء والشهداء والجرحى الانتصارات الحقّة والمنتظَرة..