الحزب ما بعد فيينا
نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي
بلهجة اليائس أم بلهجة الغاضب يذهب الجنرال آفيف كوخافي الى واشنطن ؟ «لن نتردد لحظة، في شن الحرب بمفردنا اذا ما لاحظنا اننا بتنا على حد السكين».
كلنا ندرك مدى قدرة «اسرائيل» على القيام بمثل تلك الحرب دون المشاركة الميدانية، واللوجيستية، للولايات المتحدة التي طالما أبدت خشيتها من السقوط في المستنقع الايراني بعدما أخفقت، وعلى مدى عقدين، في احتواء حركة راديكالية تولت هي تصنيعها داخل الحالة الأفغانية الأقل تعقيداً، والأقل هولاً، من الحالة الايرانية.
كوخافي يريد تذكير البيت الأبيض بأن باستطاعة «الرؤوس النووية الاسرائيلية» تدمير طهران خلال دقائق، كما لو أنه لا يعرف أن الولايات المتحدة وضعت، منذ أيام ريتشارد نيكسون، خطاً أحمر أمام أي محاولة للجوء الى «الهولوكوست النووي» في الشرق الأوسط.
في حقيبة «رئيس الاركان الاسرائيلي» اسئلة محددة لعل من أبرزها: أين حزب الله في فيينا، وما بعد ما بعد فيينا؟
منذ حرب تموز 2006 ، و «القيادة الاسرائيلية» تتوجس من ترسانة الحزب التي تطورت، على مدى 15 عاماً، بوتيرة تفوق التصور، لتشكل تهديداً وجودياً، وليس فقط تهديداً عسكرياً، لـ «اسرائيل» التي رأى فيها ليندون جونسون ودونالد ترامب «الوديعة الالهية».
التوجس ليس فقط لأن مقاتلي حزب الله يرابطون عند «الخاصرة الرخوة» التي تمتد من الجليل الى ضفاف المتوسط، المنطقة الأكثر اكتظاظاً. وليس فقط بسب تلك المنظومات الصاروخية الفائقة الدقة، والفائقة الفاعلية، اضافة الى أسطول الطائرات المسيّرة، بالتأثير الكارثي على أداء القاذفات التي قد لا تجد مكاناً تعود اليه كون القواعد الجوية بمثابة الهدف الذهبي للصواريخ…
«القيادة الاسرائيلية» ترى الخطر في كون الحزب الذي لم يتوقف، يوماً، عن تطوير ترسانته البشرية، وترسانته الصاروخية، تحول الى نموذج تحتذي به الفصائل الفلسطينية، وحتى القواعد الفلسطينية. صحافيون «اسرائيليون» لاحظوا أن العرب في اللد، وعسقلان، والناصرة،وحيفا ويافا يُعلّقون صور السيد حسن نصرالله في منازلهم.
«اسرائيل» لاتعوّل قطعاً على البنية البيروقراطية المترهلة للسلطة الوطنية الفلسطينية، كنتاج لاتفاق أوسلو، الفضيحة الكبرى التي تورط فيها ياسر عرفات، كما لو أنه كان بعيداً عن «النظرة الاسرائيلية» الى الفلسطينيين كنسخة عن الهنود الحمر ما يستدعي اجتثاثهم من جذورهم!
آرون ميللر، الديبلوماسي الأميركي البارز (وهو يهودي)، يرى أن على «القيادة الاسرائيلية» أن تقرأ المشهد الشرق أوسطي بصورة بانورامية لا بعيني الذبابة.
في رأيه أن البنتاغون هو صاحب الرأي الأول في تحديد الأولويات الاستراتيجية. لم يعد ينظر الى الشرق الأوسط كنقطة مركزية في ادارة العالم. العيون الى الباسيفيك. هناك الصين التي لم يتوقع أي من علماء المستقبل في الولايات المتحدة أن تظهر على ذلك النحو الذي قد يفضي بها الى قيادة الكرة الأرضية…
بالتأكيد ثمة «قلق اسرائيلي» (وهذا ما ينقله كوخافي الى كبار المسؤولين في ادارة جو بايدن) من الخفض الدراماتيكي للوجود العسكري الأميركي في المنطقة. الانسحاب من أفغانستان اقترن أو تزامن مع تقليص حجم القوات، وحتى الحد من بطاريات الباتريوت، في البلدان الحليفة.
هذا يعني، جدلياً، تراجع الدور الاستراتيجي، وحتى التكتيكي لـ «اسرائيل». بالتالي التفعيل التلقائي للأدوار الأخرى، وفي مقدمها الدور الايراني، خصوصاً عقب رفع العقوبات، واستثمار الموارد البشرية، والطبيعية، من خلال منظومة ايديولوجية تنظر الى «اسرائيل» لا كـ «وديعة من الله» وانما كـ «وديعة من الشيطان»!
الوقائع تؤكد أن ادارة جو بايدن ماضية في طريق العودة الى الاتفاق النووي. الأجوبة جاهزة على اسئلة كوخافي : «الاسرائيليون» هم من يهددون وجود «اسرائيل». شاركونا في اخماد الحرائق لا في اضرامها…