أقليّة الأويغور في الصين: بين الواقع والاستثمار الغربي
حسن صعب | كاتب وباحث لبناني
منذ سنوات، تتبادل الصين والدول الغربية الاتهامات حول أقليّة الأويغور، التي تعيش في أقصى شمال غرب الصين، في إقليم يُسمّى شينغيانغ ، والتي يُزعم بأنها تتعرض لعمليات «إبادة ممنهجة»، بحسب مواقف قادة أميركيين وأوروبيين ووسائل إعلام غربية، فيما يؤكد المسؤولون الصينيون على كذب هذه الادعاءات، وعلى “اندماج طوعي وكامل لمسلمي الأويغور في المجتمع الصيني”، ما عدا بعض «المجموعات المتطرفة» التي تعمل الدولة الصينية على مكافحتها لحماية الأمن القومي للبلاد.
أهمية شينغيانغ
تبرز القيمة الاستراتيجية لمنطقة شينغيانغ في كونها تمتّعت قديماً بأهمية كبيرة في التجارة العالمية، حيث كان «طريق الحرير» المشهور يمرّ بها ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.
أما في الوقت الحاضر، فإن أهمية هذا الموقع تتأتّى من كونه معبراً لمرور نفط الصين بواسطة الأنابيب؛ وعن طريقه أيضاً تستطيع الصين استيراد الثروات النفطية من جمهوريات آسيا الوسطى المجاورة للإقليم . ومن ثمّ فإن سيادة الصين على هذا الإقليم تمثّل بعداً استراتيجياً خطيراً؛ فمن المؤكد أن تتعرض القوة الصناعية الصينية للشلل إذا ما تعرضت تلك الأنابيب للخطر.
كما يمثّل إقليم شينغيانغ المنطقة العازلة بين الصين من جهة، وروسيا والدول التي استقلّت عن الاتحاد السوفييتي السابق (كازاخستان، قيرغيزستان، طاجكستان)، بحدود يبلغ طولها نحو 2683 كيلومتراً ؛ فضلاً عن ذلك، فإن لموقع الإقليم أهمية استراتيجية كبرى من الناحية العسكرية؛ فالصين تنشر فيه إحدى الفرق العسكرية الكبرى، بما في ذلك الصواريخ النووية البالستية.
أقليّة الأويغور : بين الإرهاب والاستغلال الغربي
على الرغم من مضيّ عقود على سيادة الدولة الصينية على إقليم شينغيانغ ، ووجود المسلمين في الإقليم ومناطق أخرى من الصين، إلا أن وسائل الإعلام الغربية، والموجّهة من جهات أو مؤسسات رسمية غالباً، بدأت بإثارة قضية الأويغور فقط منذ سنوات عدة، ولغايات سياسية بالدرجة الأولى.
وقد تكررت المزاعم الغربية منذ العام 2009 وحتى اليوم. ففي 5 يوليو 2009 اشتعلت اضطرابات عرقية في أورومتشي، عاصمة إقليم شينغيانغ ، بين الأويغور وقومية الهان، وأسفرت عن سقوط أكثر من 150 قتيلاً و816 جريحاً. وعلى خلفية هذه الأحداث، تشكو فئات من الأويغور من تدفق المهاجرين من عرقية الهان إلى الإقليم،ما من شأنه طمس ثقافة الأويغور ، إضافة إلى تقليل فرصهم في العمل والتعليم. ويدّعي بعض ممثّلي الأويغور أن إتنية الهان الصينية تهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية في الإقليم.
وفي السياق ،انخرط بعض الأويغور في حركات انفصالية متطرفة، والتي قامت بتنفيذ عمليات إرهابية ضد مدنيين في الصين عموماً، وفي شينغيانغ خصوصاً. وقد شهد عام 2012 تنفيذ أكثر من 190 هجوماً إرهابياً في شينغيانغ ، وفق ما ذكرت وسائل الإعلام.
في السنوات الأخيرة، وبعد سلسلة من الاعتداءات الدامية، اتخذت السلطات تدابير جذرية ونشرت كاميرات وحواجز أمنية وأجهزة كشف المعادن وأخذت بيانات بيومترية. ووضعت الصين آلاف الأشخاص من الأويغور في مراكز للتدريب المهني للتصدي للتطرف الإسلامي.
وقد أعلن نائب رئيس شينغيانغ ، وهو من الأويغور، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن أي هجوم إرهابي لم يُسجّل في المنطقة منذ ثلاث سنوات، في ما يُعدّ نجاحاً لسياسة الحكومة الصينية في دمج وتأهيل السكان المسلمين.
في المقابل ، تحدث العديد من السياسيين ووسائل الإعلام المؤثّرة في الدول الغربية عن القضايا المتعلقة بمسلمي شينغيانغ ، مستخدمين وسائل مختلفة لتوجيه اتهامات زائفة، مثل الزعم بـ”إنشاء الصين معسكرات إعادة التعليم واحتجاز الملايين من مسلمي الأويغور”، وفرض”العمل القسري” عليهم،وحتى شنّ “الإبادة الثقافية” ضدّهم!
لقد أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في بداية مارس/آذار الماضي، وثيقة «التوجيه الاستراتيجي المؤقت لاستراتيجية الأمن القومي»، والتي تتضمن توجهات الإدارة الجديدة لوكالات الأمن القومي حتى تتمكن من العمل على مواجهة التحديات العالمية. وأشارت الوثيقة، في ضوء تفصيلها للتحديات الصينية، أن الولايات المتحدة ينبغي أن “تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، بما في ذلك في هونغ كونغ وشينجيانغ والتبت”.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي اتهم الصين بقمع وإبادة المسلمين في شينغيانغ ،وفرض عقوبات على كيانات ومسؤولين صينيين، هو من حرّض أتباعه على الهجوم على الكونغرس واحتلاله في سياق رفضه لنتائج الانتخابات الرئاسية التي هُزم فيها، وفي فضيحة جديدة للديمقراطية الأميركية التي لم يحترمها الرئيس نفسه؛ فيما تقوم الشرطة الأميركية على الدوام بقمع وقتل مواطنين من السود، فقط بسبب بشرتهم، في تمييز عنصري يذكّر بقرون من العبودية التي عرفها أجداد هؤلاء المواطنين الذين خُطفوا من أفريقيا ونُقلوا إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وقد رفض المسؤولون الصينيون الاتهامات الغربية بوجود معسكرات اعتقال أو حملات إبادة جماعية منظّمة للأويغور المسلمين، أو عمليات اغتصاب وقتل خارج القانون، أو احتجاز لحرية الأفراد الأويغور، أو تنفيذ خطط قسرية لإلغاء هوية الأويغور وتذويبهم في المجتمع الصيني.
وأكد هؤلاء المسؤولون على أن كل تلك الاتهامات مسيّسة، وأنها تهدف لكبح جماح تقدم الصين عالمياً في مواجهة النفوذ الغربي الآخذ في الأفول.
خلاصة
إن عدد وحجم الحوادث العنيفة الأخيرة في شينغيانغ كان الأعلى بين كل الأقاليم الصينية . وقد استغلّت جماعات متطرفة الأوضاع لتجنيد انفصاليين إرهابيين وتحريضهم على تنفيذ عمليات إرهابية في الصين وخارجها، و”الهجرة” إلى أفغانستان وسوريا والعراق للالتحاق بتنظيمي القاعدة وداعش والحزب الإسلامي التركستاني، والتدرّب والقتال هناك، على أمل العودة إلى الصين للقتال ضد الدولة الصينية.
وقد ساعد ازدهار المدارس الإسلامية السرية في السنوات الماضية الجماعات الدينية المتطرفة على حشد المقاتلين لتنفيذ عمليات إرهابية عنيفة ضد الدولة والمواطنين في الصين.
وفي هذا الإطار، يمكن التوقف عند مقالة مهمة للباحث التشيكي أندريه فلتشيك، وهو مؤرّخ وصحافي استقصائي وروائي، حول قضية الأويغور، والتي يكشف فيها عن الأهداف الحقيقية وراء الحملة الغربية ضد الصين بشأن مسلمي الأويغور في شينغيانغ ، والتي تُختصر بتخريب مشروع طريق الحرير (الصيني)، بواسطة المقاتلين الأويغور الذين قد يعودون (أو تتم إعادتهم) إلى شينجيانغ بعد هزيمة الجماعات الإرهابية في سوريا، تحت يافطة الكفاح من أجل نيل «بلدهم» الاستقلال الكامل عن الصين!
ويؤكد كاتب المقالة أن واشنطن، من خلال محاولة تفجير تمرّد أقلية الأويغور في الصين، تُلحق ضرراً كبيراً بالأويغوريين أنفسهم قبل غيرهم، وبجميع سكان شمال غرب الصين.
ويدافع فلتشيك عن المراكز التي أقامتها الحكومة الصينية، موضحاً أنها «مراكز للإعداد المهني»، حيث يمكن لـ«المتدرّبين» تعلّم اللغة الصينية، واكتساب مهارات العمل للانخراط في الاقتصاد الصيني، وتجنبيهم الوقوع ضحايا لدعوات «الإرهاب والتطرف الديني».
إن الغرض الحقيقي من العبث الغربي بموضوع الأويغور هو سعي الولايات المتحدة الشرس للاحتفاظ بالهيمنة العالمية، وتجنّب تقاسم النفوذ مع بلدان أخرى أكثر إنسانية، مثل الصين.
المصدر :صحيفة الأخبار