واشنطن نحو احتضان “الجولاني”: المخابرات البريطانية تتكفل بالترتيبات
خليل نصرالله | صحافي متخصص بالشؤون الإقليمية
تأخذ الاوضاع في سوريا مساحة كبيرة من الاهتمام بين مختلف اللاعبين. ومع كل مرحلة، ونتيجة التقييمات، يعاد ترتيب الاوراق، وهو ما يترجم بخطوات ميدانية أو سياسية.
مؤخرا، كشف مصدر دبلوماسي روسي عن لقاء جمع زعيم “هيئة تحرير الشام” – جبهة النصرة – الإرهابية أبو محمد الجولاني، بممثل عن الاستخبارات البريطانية “MI-6” هو المبعوث الخاص البريطاني الأسبق إلى ليبيا “جوناثان باويل”. وفيما رفضت الخارجية البريطانية التعليق دون نفي أو تأكيد، حاولت مصادر “النصرة” نفيه عبر تسريبات لم تلق رواجا لدى مختلف وكالات الأنباء العالمية.
وبحسب المصدر الروسي، فإن اللقاء الذي جرى عند معبر باب الهوى بالقرب من الحدود التركية، قدم خلاله البريطانيون عرضا للجولاني يقضي بشطب “الهيئة” عن قائمة التنظيمات الارهابية مقابل إعلانها التخلي عن مواصلة عمليات التقويض ضد الدول الغربية وإقامة تعاون وثيق معها، لم يكشف المصدر طبيعته.
ووفق معطيات، حصل عليها موقع “الناشر”، فإن اللقاء رتب له مسبقا، ما يعني أن لقاءات جرت قبله ومهدت له، وأن الهدف أبعد من شطب “هيئة تحرير الشام” عن قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو يصل إلى حد استخدام النصرة في تسخين الميدان السوري، وتهيئة مقعد لها على طاولة أي مباحثات سياسية قد تجري في المستقبل.
ووفق المعطيات أيضا، فإن الخطوة التي أقدمت عليها المخابرات البريطانية، حصلت بدفع أميركي خالص، باعتبار أن واشنطن تعزز من ترتيب أوراقها على الساحة السورية، سواء في شمال شرق البلاد أو جنوبها “منطقة التنف” أو غربها. وهو ما يطرح أسئلة حول ما يحضره الأميركيون في المرحلة المقبلة.
هذه الخطوة الاميركية، التي تنفذها المخابرات البريطانية بشكل تكاملي – لخبرة الأخيرة في إدارة وتهيئة وإنشاء تلك الجماعات ومعرفة طرق عملها ونشاطها – تفتح الباب أمام قراءة في مواقف دول إقليمية وبطبيعة الحال روسيا، وكيفية التعاطي معها.
لا يخفى أن أنقرة حاولت في البداية عرقلة الجهود الاميركية في هذا الصدد، لكن محادثات جرت بين مسؤولين أتراك وأميركيين مطلع العام، لينت من حدة الموقف التركي. وبحسب المعطيات، فإن واشطن قدمت مكتسبات للأتراك، وتطمينات حول هواجسهم من وحدات حماية الشعب الكردي، في شمال شرق سوريا، مقابل تعزيز واشنطن ورقتها في إدلب، المتمثلة بالقوة الضاربة هناك “هيئة تحرير الشام”.
التراجع التركي، قرأته موسكو بغضب ورأت فيه انقلابا على تفاهمات 5 مارس 2020 التي جرت بين الرئيسين الروسي والتركي في موسكو، والتي بموجبه تم التوصل إلى وقف اطلاق نار بعد إنهاء المرحلة الأولى من العمليات العسكرية في ادلب وتحرير طريق الـM5 الرابط بين حلب ودمشق. وقد ردت موسكو عبر ثلاث خطوات، أولها لقاءات بين الطرفين، ثم تسريب خبر اللقاء البريطاني بالجولاني عبر وكالة “تاس”، لتأتي غارة جبل الزاوية التي أدت إلى مقتل متحدث عسكري باسم “الهيئة” يدعى “أبو خالد الشامي” ومسؤول التنسيق في الإعلام العسكري ويدعى “أبو مصعب”، وهي رسالة ميدانية، تعني ان موسكو ستعمل على عدة مستويات لتعطيل ما يسعى إليه الأميركيون.
ومن الواضح أن الهدف الأساس الذي تعمل عليه واشنطن هو إبقاء يد طولى في غرب البلاد، وتعزيز أوراق أخرى في الوسط. فامتلاكها لادارة جماعات ارهابية كالنصرة يعطيها مساحة لترتيب أوضاعها وإطالة أمد البقاء في منطقتين أساسيتن واستراتيجيتين بالنسبة لها هما شمال شرق البلاد، تحيدا منطقة الجزيرة ومناطق الحدود مع العراق، ومنطقة “التنف” عند مثلث الحدود السوري العراقي الأردني. ولتعزز من حماية تواجدها وإطالة أمدها فهي بحاجة إلى إبقاء بؤر إرهابية في غرب البلاد تعمل من خلالها وفق اسلوب المشاغلة. وبالتالي فإن القاعدة التي يعمل وفقها الأميركيون: لا إراحة لسوريا وحلفائها غربا، يعني راحة لـ”واشنطن” شرقا.
وعليه بدأ يتضح أن الخطوات التي تقوم بها واشنطن دفعت مختلف الأطراف المعنية على الساحة السورية إلى إعادة تقييم بعض التفاهمات التي أبرمت على مدى الأعوام الماضية.
إن الخطوات الأميركية على مختلف الساحة السورية، خاصة مع الخطوة المستجدة في غربها، قد تدفع باتجاه تسخين ميداني، قد تراه أطراف عدة أنه بات ضرورة لمنع المس بموازين القوى المثبتة حاليا، ولمنع الأميركيين من الراحة في شمال شرق البلاد.
موقع الناشر