لن نعتذر من السوريين
نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
هذا لندرك ما الفارق بيننا وبين الانسان (بالبعد الالهي) الذي أغوى الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا، فلاحقه «الحاخامات»، بالسكاكين، من مسقط رأسه هولندا الى البرتغال.
امرأة ايرلندية تدعى جين كرست حياتها لخدمة اللاجئين في مخيم جنين، ولتكون شاهدة على التراجيديا اليومية للفلسطينيين. ذات يوم، اقتحمت دبابات آرييل شارون المخيم (بعد دقائق من انتهاء قمة بيروت عام 2002 والتي أقرت المبادرة الديبلوماسية العربية). بترت ساق المرأة دون أن يرف جفن لأصحاب الدم البارد في القارة العجوز.
بالصدفة تابعتُ حديثاً لوالد جين على اذاعة RFI قال «انتدبت من الأمم المتحدة الى روديسيا (زيمبابوي حالياً) للاشراف على المرحلة الانتقالية من نظام الأقلية البيضاء الى الأكثرية السوداء. للتو ألحقت طفلتي باحدى المدارس هناك. مساء اليوم الأول قلت لها «ماذا حدث معك هذا النهار ؟». أجابت «أصبح لدي صديق». سألتها «أبيض أم أسود» ؟. فكرت ملياً قبل أن ترد «لم أنتبه، غداً أخبرك».
هل ثمة من مثيل لهذا النموذج في مجتمعاتنا ؟ رجل دين في احدى قرى البقاع كان يصنّف «الفئات الضالة». بقينا لسنوات نظن أن أهل قريته فقط، وربما أهل بيته فقط، يذهبون الى الجنة. الآخرون، وبينهم أنا، الى جهنم وبئس المصير !
هكذا ترعرع الكثيرون منا على هذه الأدبيات التوراتية. كراهية الآخر. من هم المسيحيون الذي على خطى، الخطى الحافية، والمدوية، للسيد المسيح ؟ ومن هم المسلمون الذين على نهج النبي محمد في الانتقال من البداوة الفظة الى المفهوم الكوني للكائن البشري ؟
لا أدري لماذا رأى فينا سعيد عقل، أستاذنا سعيد عقل، التائه بين هنيبعل واليسا، وبين قدموس وبنت يفتاح، مخلوقات نيتشوية، لا نتاج تلك اللحظة السحرية، الخطيئة السحرية، بين آدم وحواء…
حتى أن هناك أحزاباً لبنانية قامت على تلك الشوفينية القبلية. حين رأينا العصي تنهال على رؤوس، وظهور، النازحين السوريين وهم في طريقهم الى صناديق الاقتراع، هالنا المشهد. هل نحن برابرة الى هذا الحد ؟ برابرة وأكثر اذا ما استعدنا لقطات من الحرب الأهلية حين كانت الرؤوس تقطع بالفؤوس، وحين كانت الجماجم تعرض على عربات الخضار.
ما حدث ليس بالطارئ. قد يكون مدخلاً الى شيء ما يجري الاعداد له وراء الستار، دون أن نغفل ذلك الركام من الفوقية في النظر الى السوريين على أنهم «الحوارنة» ولو كانوا من طراز أدونيس، ونزار قباني، ومحمد الماغوط، وبدوي الجبل، وحنا مينا، ولو كانوا من طراز منى واصف، وسلاف فواخرجي، وسلاف معمار وكريس بشار، ناهيك عن دريد لحام، ورشيد عساف، وسلوم حداد، وبسام كوسى…
كنا قد تحدثنا عن حوران، اهراءات روما، وأرض الشخصيات البارزة. بين هؤلاء الأب الفذ أيوب فلوح الذي ترأس لسنوات الكلية الشرقية في زحلة، وكان قطباً من أقطاب الفكر والادارة.
يا جماعة، هذه سوريا التي أعطت روما سبعة أباطرة، والتي ثلاثة أرباع العائلات اللبنانية، من كل الطوائف ومن كل الطبقات، وفدت منها ولا تزال لها جذور هناك.
لا ننفي أن ثمة سوريين كانوا، وما زالوا، ينظرون الى لبنان كدولة مصطنعة وقابلة للعطب. أديب الشيشكلي هدد الرئيس كميل شمعون بتدمير قصر بيت الدين فوق رأسه اذا لم يأمر باطلاق معتقلين سوريين بتهمة الاغتيال.
لن ننسى مآثر رستم باشا غزالي الذي تعامل مع اللبنانيين على طريقة الوالي العثماني، وهو المثقل بالبداوة ان لم نقل. .. بالضحالة !
يحق لأي لبناني أن يكون ضد اي نظام، أياً كانت خلفية هذا الموقف. ولكن ما خطيئة الناس العاديين، نحن الذين ارتضينا أن يكون جلً حكامنا بمواصفات حفاري القبور. ..
كانت لحظة للعار حين فعل بعضنا بالنازحين ما فعله. لكننا لن نعتذر لأننا نرى في لبنان وسوريا وحدة التراب، ووحدة الدم، ووحدة التاريخ. ولتكن. .. وحدة القلب !!