بقلم علي خيرالله شريف- هو يومٌ ليس كَكُلِّ يوم، هو أكبر من الاحتفالات، وأبلغُ من الخطابات. هو أكبر من مُجَرَّدِ ذكرى، بل هو الحدث، الذي يحيا ويتجدَّدُ ويحملُ إلينا البُشرى؛ يتجدد كلَّ لحظةٍ من حياةِ أي لبناني بار، فيبعثُ نوراً من كُلِّ كلمةِ انتصار. هو اليوم الذي قَلَبَ التاريخَ وأوقَدَ الهِمَم، فأعاد الكرامةَ إلى عرشها في أعلى القِمَم.
هو جلسةُ سكينةٍ على شُرفةِ منزلٍ جنوبيٍّ، يتناولُ أصحابُه قهوتَهُم على مشارفِ فلسطين، فلا يجرؤُ على تعكيرِ صفوِهِم، عابثٌ بأمنِهِم ورزقِهِم وصَفوِهِم، يطربون لزقزقة البلبل والحسُّون بين أغصان الربيع، أو يتحلَّقون حول موقِدٍ شَتويٍّ لا يُدَغدِغُ مزاجهم سوى هزيمُ المطر وقصف الرعد وزَخَّاتُ الخير. هو يومُ هيبة القوَّةِ وتوازن الرعب وردعِ الـمُعتدين.
25 أيار 2000؛ هو يومُ مكارِمِ الأخلاقِ التي سُطِّرَت في فتحِ مَكَّةَ بعبارةِ “إذهبوا فأنتم الطُلَقاء”، وذُيِّلَت بخطابِ “من دخل بيتَهُ فهو آمن، ومن كفَّ أذاهُ فهو آمِن، ومن تابَ عن خيانة وطنه فهو آمِن”.
فطوبى لِمَن تاب وعاد إلى وطنِه فأَمِنَ الناسُ من شرِّه، وبئس الشَقِيِّ الذي استَغَلَّ العفوَ فعادَ إلى سيرتِه الأولى فعربدَ ونهبَ وسرقَ وائتمرَ بالخارج. وطوبى لِمَن عَلِمَ أن الأوطان لا تُحمى بغير قُوَّتها الذاتية، وبئس الشقيِّ الذي أدار أُذنَه للعِدا فلا تاب ولا اهتدى.
هو اليومُ الذي ارتفعَ فيه سِياجُنا واشتدَّ عودُنا، فتهيأنا حتى انتصرنا في معركة الجرود والحدود ودحرِ العِدا، وحمينا الوطن من كل جهاته ومن كل المتربصين به من مشارق الأرض ومغاربها، بقوتنا ورجالنا، دون مِنَّةٍ من أحد.
25 أيار، هو م ق ا و م ةٌ فانتصاراتٌ فتحرير، فعيدٌ ليس كمثله عيد؛ فاتحةُ عهدٍ لا هزائم فيه، مُرَصَّعٍ بسلسلةٍ ذهبيةٍ ثلاثيةِ الأبعادِ والمعنى، تُحَصِّنُ البلادَ والعباد، وتُوَحِّدُنا على حُبِّ الوطن وصَونِ عِزَّتِه والكرامة، شرط أن نُقَدِّرَ نحن اللبنانيين النعمةَ، فلا يكونُ طُموحُنا بَدَلَ العزِّ التذلُّل على أعتاب الآخرين وتسوُّل الاستقلال المغشوش والاقتصادِ الـمُرتَهَن على أعتاب القصور والسفارات.
في 25 أيار، نعوذ بالله من قِلَّةِ الوفاء، ونتبرّأُ من الجُحود والجاحدين، الناكرين لفضلِ الله وفضلِ مَن ضَحَّى بنفسه وماله ودَمِهِ من أجل أن يكون لنا وطنٌ، ومن أجل أن يكون للوطن سيادة واستقلال وحصانة، بلا مِنَّةٍ من أحد ولا شروطٍ من دولةٍ تريدنا لها خدماً وحديقةً خلفيَّة.
في 25 أيار نَتَزيَّنُ بأثمنِ قلائدِ العرفان بالجميل، لكلِّ نقطة دمٍ نَزَفَت من شهيدٍ أو جريح، فَرَوَت طهارةَ الأرض وزادتها طهارةً وعزةً وكرامة؛ ولكلِّ حبَّةِ عَرَقٍ تدحرجت من وجنةِ مقاتلٍ بطل، كان وما زال يفري الجبالَ والبِحارَ ليحمي الثغور، لا يكترثُ لنبرةِ حاقدٍ أو شتيمةِ أجيرٍ قد اكتراه أولياءُ السوءِ من خلف الحدود.
في 25 أيار، نرفعُ القُبَّعَةَ وشاراتِ النصر، لعمامةٍ يرتعدُ لهُا جبابرةُ الأرض كلما أشارت بالبنانِ إلى الاتجاه الصحيح، وركعت أمامها جحافلُ الشرِّ كُلَّما صَوَّبَت إليها إشارةَ التحذير.
في 25 أيار 2000، غَرَسَ الرجالُ الرجال قرناً جديداً من التاريخ، خلعوا به كلَّ قرون الشياطين المتبجحة والمتغطرسة، فصدحت في الآفاق صرخةٌ كُبرى هزَّت فرائصَهم تقول: “إن زمن الهزائم قد ولى، وجاء زمن الانتصارات”.
نباركُ لرجال الله قادة الانتصارات ما أنجزوا، من أرض الجنوب إلى ربوع فلسطين وإلى كل ربوع الصادقين، وكلُّ انتصارٍ وأنتم بألف خير.