كتاب الموقع

كتب عمر معربوني | هل يندفع الجيش الروسي إلى كييف من بيلاروسيا مجددًا؟

عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

مع انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في 24 شباط/ فبراير 2022 كانت مقاطعات كييف وتشيرنيغوف وسومي وخاركوف من ضمن اتجاهات الهجوم الشامل.
في 31 آذار/مارس 2022 قرّرت القيادة الروسية سحب القوات على الاتجاهات المذكورة أعلاه مبرّرة ذلك بأنها بادرة حسن نيّة بسبب تقديم الجانب الأوكراني ورقة تضمنت موافقة أوكرانية على الشروط الروسية.

جاء ذلك بعد المفاوضات التي جرت في تركيا بحضور الوفدين الروسي والأوكراني وكان يمكن حينها وقف الحرب لولا التدخل الأميركي بمنع زيلنسكي والقيادة الأوكرانية من المضي قدمًا بالمفاوضات نتيجة فهم خاطئ لنتائج الانسحاب الروسي الطوعي من مقاطعات كييف وتشيرنيغوف وخاركوف وسومي حيث تمّ تفسير ذلك بأنه هزيمة روسية.
في حقيقة الأمر إن الجيش الروسي كان ينفّذ مناورة تثبيت لقوات كييف هدفها تجميد القوات الأوكرانية المتمركزة في المقاطعات الشمالية والشمالية الشرقية ومنعها من تقديم الدعم للقوات الأوكرانية على محاور الدونباس وزاباروجيا وخيرسون وهو ما حصل قسم كبير منه، وكان يمكن أن يصل إلى المبتغى المخطط له لولا وجود ثغرات في تقدير الموقف استخباراتيًا وعسكريًا بالنسبة للجيش الروسي.

بكل الأحوال مع انسحاب الجيش الروسي من المقاطعات الشمالية انحصرت المعارك في الجبهتين الشرقية والجنوبية وأخذت مسارات مختلفة تخللها أيضًا انسحابان كبيران للجيش الروسي في مقاطعتي خاركوف وخيرسون.

بعد الانسحابين الروسيين بات الجيش الروسي يعتمد أكثر على نمط الدفاع النشط وتنفيذ عمليات هجوم تكتيكية منتظرًا جهوزية وحدات التعبئة الجزئية والتي على ما يبدو قد تجاوزت مجموعة كبيرة من المشاكل بدليل تحسن الأداء الهجومي لوحدات الجيش الروسي والبدء بمرحلة أساسية من مراحل العملية والتي تأخرت شهورًا طويلة وهي تحطيم خط الدفاع الأوكراني الأقوى والأصلب والذي يمتد من مدينة سيفرسك وينتهي في مارينكا مرورًا بسوليدار وارتيوموفسك (باخموت) وافدييفكا بما يتعلق بجبهة الدونباس، والبدء بتنشيط العمليات الهجومية على خط الجبهة العرضي جنوب وجنوب شرق زاباروجيا. فقد بدأنا نلاحظ تقدمًا نشطًا في قطاعي فوغليدار واوريخوف لجهة سيطرة الوحدات الروسية على مفاصل هامّة، يبدو من خلالها محاولة تأسيس نقاط ارتكاز تحضيرًا لهجوم شامل نحو مدينة زاباروجيا التي بدأ الجيش الأوكراني ينظم فيها وحولها تحصينات وحقول ألغام وموانع من ضمن توقعات القيادة الأوكرانية أن تكون زاباروجيا الهدف القادم الأكثر ثقلاً بعد مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك عقب الانتهاء من السيطرة على مدينة ارتيوموفسك (باخموت). الوحدات الروسية أنجزت خلال اليوم الفائت سيطرتها على بلدة كليشيفكا غرب ارتيوموفسك وبذلك لم يبق للقوات الأوكرانية طريق امداد سوى طريق الشمال، فمن خلال السيطرة على كليشيفكا وبالتوازي التقدم نحو مدينة كوستيانتينيفكا بات الطريق H-32 تحت مرمى الوحدات الروسية.

بمتابعة مسار تقدم الوحدات الروسية يمكن التأكيد أن وصول الجيش الروسي إلى كوستيانتينيفكا يعني تثبيت نقطة ارتكاز إضافية بعد سوليدار وارتيوموفسك التي بات وضعها صعباً واعتقد أن القوات الأوكرانية لن تصمد فيها كثيرًا.

بالسيطرة على كوستيانتينيفكا يصبح بإمكان الجيش الروسي تفعيل عملياته الهجومية غربًا بالتوازي مع تقدم وحداته على الخط العرضي جنوب وجنوب شرق زاباروجيا.
وبالنظر إلى الدعم الغربي غير المسبوق والذي تجاوز كل التوقعات ونظرًا لاستمرار المناورات الروسية – البلاروسية بعد تموضع أكثر من 10 الآف جندي روسي إضافة إلى عشرات الطائرات والحوامات والدبابات والمدرعات في بيلاروسيا أصبح من البديهي التوقع أن تعمد القيادة الروسية إلى دفع وحدات قتالية من بيلاروسيا في الحد الأدنى لإرباك القيادة الأوكرانية والغرب توازيًا مع تفعيل العمليات على الجبهتين الشرقية والجنوبية.

فكما انطلقت القوات الروسية لتنفيذ العملية العسكرية الخاصة من خلال المناورات التي سبقت العملية ليس مستبعدًا أن نشهد الأمر نفسه هذه المرّة لكن بأهداف مختلفة عن الاندفاع الذي رافق العملية منذ انطلاقها، وهذا الأمر إن حصل سيكون بمثابة تطور كبير من المؤكد أن القيادة الروسية أجرت لتنفيذه تقدير موقف أكثر دقّة وواقعية عما حصل سابقًا.

 

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى