كتاب الموقع

سجون “قسد” ورقة ابتزاز لدول العالم.. هل تنجح؟ الجزء الأول .


رضا الباشا | كاتب واعلامي سوري

مطلع أيار/ مايو 2019، وبعد إنهاء تواجد مسلحي “داعش” في منطقة الباغوز السورية بأقل من شهرين، من قبل مسلحي “قسد” المدعومين بقوات التحالف الأميركي، أنجزت صفقة سرية، أفضت بتسليم “قسد” عدد ناهز الـ100 من مسلحي التنظيم بينهم نحو 10 من قيادات “داعش”، يحملون جميعهم الجنسية الصينية المعروفين “بالإيغور” إلى بكين عبر وسطاء.

سعت قوات “سوريا الديمقراطية” حينها، لإنجاز الصفقة بعيداً عن الوسطاء، في محاولة لتوقيع اتفاق مباشر بينها وبين الصين في محاولة لكسب اعتراف رسمي صيني بـ”قسد” كإدارة رسمية معترف بها من قبل حلفاء دمشق، وهذا ما لم يحدث. حرصت الصين على عدم التوقيع مع “قسد” وأن تكون الصفقة من خلال وسطاء، وهذا ما تم فعلاً. حادثة تظهر أهمية الأسرى من مسلحي “داعش” والمعتقلين في سجون “قسد” للإدارة الذاتية المتحكمة بمنطقة شرق الفرات بفضل الدعم والرعاية الأميركية لها، لما لهم من دور كورقة ضغط على دول مختلفة لكسب اعتراف هذه الدول بـ”قسد” كقوة شرعية تتحكم بشرق الفرات.

12 ألف مسلح يتبعون لـ”داعش” يتوزعون على مجموعة من السجون في منطقة شرق الفرات، من بينهم قرابة الـ3 آلاف مسلح يحملون جنسيات أجنبية من 54 دولة. يشكل التونسيون العدد الأكبر منهم، كما يتجاوز عدد الفرنسيين الـ200 بعد أن كان العدد قبل حسم معركة الباغوز لا يتجاوز الـ100، بحسب مسؤولين فرنسين أكدوا أن سجون “قسد” تضم قرابة 80 مسلحاً من “داعش” يحملون الجنسية الفرنسية. أما باقي المعتقلين فهم 4 آلاف سوري و5 آلاف عراقي. السوريون يتوزعون على سجون في محافظات حلب، الرقة، الحسكة، ودير الزور. من أهمها:

سجن “غويران” في مدينة الحسكة: يقع في الجهة الجنوبية لحي غويران في مدينة الحسكة، يعتبر السجن الأكبر لمسلحي “داعش”، ويشتهر أن معظم قيادات التنظيم المعتقلين يتواجدون في هذا السجن والمؤلف من 3 مبان هي مبنى السجن المركزي الحكومي سابقاً الذي سيطر عليه مسلحو “قسد” مطلع عام 2016، يوجد فيه ما يقارب 5000 معتقل من مسلحي “داعش”، يحملون جنسيات من 40 دولة حول العالم. أهمها تونس ومصر وفرنسا وهولندا ودول أخرى.

سجن الصناعة: مضى على إنشائه 3 سنوات، ويعود اسمه نسبة إلى الثانوية الصناعية والمعهد الفني اللذان حولتهما “قسد” والقوات الأميركية إلى معتقل لمسلحي “داعش” ومن يخالف “قسد” في الحسكة ويتسع لقرابة ألف شخص، قبل شهر، أعلن التحالف الأميركي أنه يتجه لتوسيع السجن ليتسع لـ5 آلاف سجين أسوة بسجن غويران.

سجن “كامبا البلغار” يقع شرق مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، يضم نحو 5 آلاف مسلح من تنظيم “داعش” ويعتبر السجن الأقرب إلى القاعدة الأميركية المتواجدة في المنطقة. وشكل هذا السجن نقطة هامة لنقل أعداد متتالية من مسلحي “داعش” إلى جهات غير معروفة، فمطلع آذار/مارس 2021 نقلت القوات الأميركية المتواجدة في الحسكة قرابة 100 مسلح من أسرى “داعش” في سجن غويران إلى سجن كامبا قبل نقلهم عبر الطائرات المروحية إلى جهة مجهولة. وسبق هذه الحادثة نقل أكثر من 200 مسلح من “داعش” إلى هذا السجن أيضاً، ليسجل بعدها نشاط لخلايا “داعش” في البادية السورية خاصة ضد الجيش السوري وحلفائهم من بادية حمص إلى دير الزور، ما أثار شكوكاً كثيرة وتساؤلات عن مصير أسرى التنظيم الذين تنقلهم القوات الأميركية إلى جهات غير معروفة، وإن كان نشاط خلايا “داعش” مرتبط بهذا الأمر.

سجن الكسرة الذي يقع في ريف دير الزور الغربي وسط كتلة أمنية وعسكرية من المراكز التابعة لـ”قسد” وقرب 3 قواعد عسكرية أميركية هي قاعدة الكونيكو، وقاعدة حقل العمر، وقاعدة المدينة الصناعية في دير الزور. يوجد في السجن 500 معتقل فقط وجميعهم من مسلحي “داعش”، يعتقد أنه يضم الأسرى من أهم قيادات تنظيم “داعش”.

سجن الصور: يقع في ريف دير الزور الشمالي، من أسوء أنواع السجون التابعة لـ”قسد”، وفيه يتعرض السجناء لشتى أنواع التعذيب والحرمان، وتمارس بحقهم كل أشكال العنف النفسية والجسدية، كما يتعرضون فيه لكل أنواع الابتزاز بما فيها الابتزاز المادي. السجن يوجد في مركز قديم للأعلاف قرب بلدة الصور الواقعة في ريف دير الزور الشمالي. من حيث الشكل، يضم السجن 4 غرف مجهزة على شكل هنكارات، تتسع لقرابة 300 سجين وتفتقر لأدنى المقومات الصحية والإنسانية. غالبية من في هذا السجن هم من أبناء العشائر العربية السورية المعتقلين عند “قسد”. ويعتبر سجن صور من السجون المؤقتة، وتتم فيه عمليات التحقيق مع المتهمين بشكل كامل قبل أن ينقلوا إلى سجن آخر دائم.

سجون أخرى أقل أهمية من سابقاتها: أهمها سجن الشدادية يقع في مدينة الشدادي جنوب الحسكة، والسجن المركزي في الرقة الذي يقع في مطاحن الرقة ويضم مساجين من تنظيم “داعش” غالبيتهم من السوريين، وسجن رميلان في ريف القامشلي، وهناك سجن يدعى “بمكافحة الإرهاب” في مدينة عين العرب الواقعة في ريف حلب الشرقي، إضافة إلى سجن المالكية في ريف الحسكة الشمالي الذي يطلق عليه ساكنو القرية “دارك” أي الكنيسة الصغيرة بالكردية، يقع تحت الأرض بأمتار قليلة في قبو محكمة قديمة. سيطرت عليه وحدات حماية الشعب الكردية الجناح العسكري لحزب “البي كي كي”، بعد طرد “داعش” من المنطقة مطلع نهاية 2015، يشتهر سجن دارك بأنه من أسوأ معتقلات “داعش” خلال سيطرته على المنطقة، وكان يعتقل فيه الأسرى من السوريين والعراقيين، ويقع قرب الحدود السورية العراقية.

بالنظر إلى توزع خارطة السجون وتعدادها في منطقة شرق الفرات الخاضعة لسيطرة مسلحي “قسد”، وإدارة التحالف الدولي، ويتواجد فيها ما يقارب مليون نسمة، سيتبادر إلى الأذهان فوراً سؤال واحد عن الحاجة إلى هذا العدد الكبير من السجون، ولماذا تعمل “قسد” على توسيع السجون وعن حقيقة رفض الدول الأوروبية وغيرها استلام أسرى “داعش” ممن يحملون جنسيات أجنبية، وكيف تتعامل “قسد” مع هذه الورقة في ظل عدم شرعية وجودها وعدم امتلاكها لنظام قضائي معترف به عالمياً لمحاكمة مسلحي التنظيم.

في كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية نيتها تشكيل محاكم خاصة بها لمقاضاة مسلحي “داعش”، السوريين والعراقيين وممن يحملون جنسيات أجنبية. القرار لاقى رفضاً من العديد في العديد من دول العالم خاصة الأوروبية منها. فبرغم التأييد الغربي لـ”قسد” إلا أن دول الاتحاد الأوروبي إلى الآن لم تعترف بـ”قسد” كقوة حاكمة حقيقية لمنطقة شرق الفرات، ولهذا نلاحظ أن هذه الدول ترفض التعامل المباشر مع “قسد” كجهة رسمية مقابلة لها فيما يخص أسرى “داعش” ممن يحملون الجنسيات الأوروبية.

ينتمي أسرى “داعش” الحاملين لجنسيات أوروبية إلى 13 دولة، وبحسب دراسة صادرة عن “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات”، فإن مسلحي “داعش” ينتمون إلى الدول الأوروبية على النحو الآتي:

الدنمارك: أحدث بيانات صدرت عن جهاز الأمن والمخابرات الدنماركي تعود إلى كانون الثاني/يناير 2018، وفقاً لـ”يورونيوز” فى 20 شباط/فبراير 2019، تعتقد بأن 150 شخصاً على الأقل غادروا الدنمارك متوجهين إلى سوريا أو العراق منذ صيف عام 2012. وعاد أكثر من ثلث هذا العدد إلى الدنمارك ويُعتقد بوفاة 25% منهم على الأقل. وتقريباً لا يوجد حالياً سوى 20% من هذا العدد في منطقة الصراع.

هولندا: تقول وكالة المخابرات الهولندية (إيه.آي.في.دي) إن نحو 315 شخصاً غادروا هولندا متجهين إلى سوريا أو العراق بغرض الانضمام للمتشددين وإن نحو ثلثي هذا العدد من الرجال والثلث من النساء. ويُعتقد بأن نحو 55 منهم عادوا إلى هولندا بينما لقي 85 حتفهم وظل 135 في منطقة الصراع. وقالت مصادر العام الماضي إن ما يصل إلى 175 طفلاً، ممن لهم الحق في الحصول على الجنسية الهولندية، يعتقد بوجودهم في منطقة الصراع.

وتناولت “فرانس 24 ” تقريراً، فى 18 شباط/فبراير 2019، بعنوان: “الجهاديون الأجانب في سوريا: الكرد يحذرون من قنابل موقوتة والأوروبيون منقسمون حول عودتهم” يتضمن إحصائيات بمقاتلى “داعش” الأوروبيين كالتالى:

فرنسا: أكدت من خلاله احتجاز التحالف العربي الكردي “قوات سوريا الديمقراطية” 130 رجلاً وامرأة وطفلاً فرنسياً.

بريطانيا: عاد إليها نحو 400 من أصل نحو 900 “جهادي” يحملون جنسيتها في حزيران/يونيو 2018.

ألمانيا: عاد ثلث “الجهاديين” الذين سافروا إلى سوريا أو العراق ويبلغ عددهم أكثر من 1050 “جهادياً” إلى ألمانيا.

بلجيكا: من أصل أكثر من 400 مقاتل بلجيكي توجهوا إلى سوريا منذ 2012، نشط حوالي 150 في المنطقة السورية-العراقية في نهاية 2018. يضاف إلى هؤلاء 160 طفلاً وفتى ولدوا لزوجين أحدهما على الأقل بلجيكي.

السويد: وفقاً لشرطة الأمن السويدية لعام 2017، التحق نحو 300 شخص من هذه الدولة الاسكندنافية إلى سوريا للمشاركة بجانب “داعش”. وفي تقريرها السنوي لعام 2018، حددت المخابرات السويسرية 93 حالة غادر فيها متشددون البلاد إلى مناطق الصراع. ولقي عشرات منهم حتفهم بينما عاد 16 إلى سويسرا.

بنظرة سريعة إلى هذه الدول نلاحظ أنها بغالبيتها العظمى تشارك في التحالف الأميركي لمحاربة “داعش”، وجميعها من حيث المبدأ تدافع عن “قسد” وتعتبر مسلحي “قسد” شركاء لها في محاربة “داعش”، ولكن في الواقع نرى أن هذه الدول هي ذاتها التي رفضت طلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 17 شباط/فبراير 2019 “بعد شهر من رفض الدول الأوروبية قرار تشكيل محاكم خاصة بقسد لمحاكمة مسلحي التنظيم” طلب ترامب من هذه الدول أن تتحمل مسؤوليتها وتعيد مسلحي “داعش” إليها، طلب ترامب لاقى رفضاً أوروبياً رغم تهديده باطلاق سراح مسلحي التنظيم ليعودوا الى بلدانهم.

بالنظر إلى طلب ترامب وما سبقه من إعلان “قسد” نلاحظ أن ترامب رفع سقف التهديد لإرغام هذه الدول إلى الاعتراف بـ”قسد” رسمياً وإقامة علاقات رسمية معها إما بقبول محاكمها أو بعقد صفقات رسمية معها لتسلم أسرى “داعش” ممن يحملون جنسيات هذه الدول. وفي الحالتين لاقى القرار رفضاً أوروبياً وإلى الآن ترفض هذه الدول التعامل مع “قسد” كند وكقوة حاكمة قانونية لشرق الفرات، وإن كانت تتعامل معها لتثبيت واقع في سوريا يشكل ورقة ضغط على دمشق لإرغامها على القبول بحل سياسي تكون لدول الاتحاد وأميركا نصيباً منه.

وللمقال تتمة عن استخدام “قسد” أسرى “داعش” والسجون لتهديد دمشق وأنقرة ولابتزاز العالم.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى