كانت الحرب الخاطفة للجنرالات الإسرائيليين حجر الزاوية في خططهم للغزو الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، غير أن بطولة المقاتلين العرب كانت أقوى من الحرب الخاطفة وأقوى من الدروع الإسرائيلية. وإن معركة تل السقي وناب برهان واضح على تحطيم أسطورة الحرب الخاطفة، والقوة العسكرية الإسرائيلية التي لا تقهر.
في الساعة 17,30 من يوم 6 تشرين الأول عام 1973، تحرك اللواء 132 مشاة ميكانيكي الذي يقودهالمقدم الركن ممدوح جعلوك من الفرقة الخامسة مشاة باتجاه الخندق المعادي المضاد للدبابات. وأثناء عبور هذا الخندق، فتحت نقطة استناد العدو في رسم أبي رجم نيراناً قوية على قوات اللواء، فتم إسكاتها بقوى الكتيبة 328.
بعد العبور، أمر قائد اللواء بأن تهاجم الكتيبة 199 على يمين الطريق العام الرفيد العال، والكتيبة 328 على يساره وفي الساعة 23,00 اصطدمت الكتيبة اليسارية بمقاومة كبيرة من تل السقي وانقطع الاتصال بقائد الكتيبة المذكورة. فما كان من قائد اللواء إلا أن أمر قائد المدفعية بإبطال المقاومة في تل السقي مع استخدام الإنارة، وقد نفذت المدفعية صبيباً نارياً كثيفاً.
طلب قائد اللواء من قائد الكتيبة 199 الإسراع بالتقدم، غير أن الكتيبة بعد أن تابعت التقدم، اضطرت للتوقف أمام حقل ألغام إلى يمين الطريق العام. حينئذ قرر قائد اللواء أن تتمسك الكتيبة بالخط الذي وصلته أمام تل السقي، وأمر في الوقت نفسه بتنفيذ رمايات مدفعيته على التل لمنعه من التأثير عليها ومع أول ضوء من نهار 7 تشرين الأول مهاجمة الكتيبة 199 تل السقي واحتلته. حينئذ قرر قائد اللواء زج النسق الثاني للواء وهو الكتيبة 262 ميكانيكية من الخط: رسم هدهد ـ عين حديد، بمهمة احتلال البجورية خارجاً ـ خسفين خارجاً، ومتابعة التقدم على يمين الطريق العام.
تقدمت الكتيبة 262 حتى وصلت إلى ارتفاع تل السقي، وتوقفت تحت تأثير نيران القواعد الصاروخية المعادية. وفي هذه الأثناء تقدم قائد اللواء إلى منطقة تل السقي، وأعطى أوامره إلى قائد الكتيبة 199 وقائد الكتيبة 262 بضرورة الإسراع بالتقدم والوصول بأية طريقة إلى عقدة العال ـ جبين، على أن تتقدم الكتيبة 262 على يمين الطريق العام والكتيبة 199 على يساره.
قدر قائد اللواء أن حقل الألغام الذي كان على يمين الطريق لا يعدو أن يكون حقلا كاذباً مسيجاً للرعي، فما كان منه إلا أن اجتازه بناقلته ليكون قدوة حسنة لرجاله. وهكذا تابعت الكتيبة 262 تقدمها خلف الدبابات، وأسرعت ملتفة حول الجانب الأيمن من مستوطنة خسفين، التي احتلتها قرابة الساعة العاشرة.
تعرضت الكتيبة 199 للقصف الجوي المعادي بالنابالم، فأخرها ذلك عن اللحاق بالكتيبة 262 وسبب انقطاع الاتصال بها. كما تعرض مرصد قائد اللواء للقصف بالنابالم. ولكنه ناور عدة مرات، ولم تتعرض إلا فصيلة الحراسة لبعض الخسائر. وهنا وجه قائد اللواء ضابط الاستطلاع إلى تل السقي لتأكده من وجود من يوجه الطيران المعادي، وفعلاً تم إلقاء القبض على موجه جوي مع جهازه اللاسلكي وعسكري ثان وضابط معادي برتبة النقيب اعترف أنه قائد سرية الدبابات التي قاومت في تل السقي. واقتيد هؤلاء الأسرى الثلاثة إلى مؤخرة اللواء.
وفي الساعة العاشرة: أعلم قائد الفرقة أن اللواء 47 دبابات سيزج في المعركة في الساعة 13,30 من الخط: البجورية خارجاً ـ خسفين خارجاً.
طلب قائد اللواء من قائد الكتيبة 328 متابعة التقدم، كما أمر قطعاته الأخرى بالتقدم لاحتلال الخط: ناب ـ كفر ألما، وذلك لضمان التمسك بمحوري العال وكفر الما معاً.
وقرابة الساعة 16,30، تم احتلال الخط: ناب ـ كفر ألما. وفي هذا الوقت أصبحت قوات اللواء 47 دبابات على ارتفاع اللواء 132. وهنا فتح العدو نيراناً غزيرة على اللواء 47 دبابات، فأُصيب له أربع دبابات، وجرح أحد قادة السرايا.
وفي الساعة 19,00 أصبح وضع اللواء 47 دبابات غامضاً، فاضطر قائد اللواء 132 إلى إصدار تعليماته بتنظيم الدفاع الدائري، والتمسك بمحوري: العال ـ خسفين، وجبين ـ كفر ألما.
وعند إشراقة أول ضوء يوم 8 تشرين الأول، بدأت وحدات اللواء 132 تأخذ أماكنها حسب تعليمات قائد اللواء. وقريباً من الساعة 5,30 أعلمت الوحدات كافة، عن احتلال الأماكن المحددة، وعن جاهزيتها.
وفي الساعة 6,00 يوم 8 تشرين الأول، بدأ العدو برمايات غزيرة من القواعد الصاروخية، وبدأ يحرك أرتاله على المحورين العال ـ خسفين، وجبين ـ كفر ألما. وقدرت قوة العدو على كل محور بكتيبة دبابات تعززها قواعد صاروخية. كان مرصد قائد اللواء في تل ناب، أما مقر القيادة ففي مستوطنة خسفين. كان للمدفعية الصديقة دور هام في صد هجوم العدو على المحورين، فقد تم تركيز جميع كتائب المدفعية على القوات المعادية المتقدمة، كما ركزت رمايات المدفعية على القواعد الصاروخية. وبلغت من التأثير والفعالية ما أسكتتها مرات عدة. استمرت المعركة حتى الساعة 9,30. كانت معركة مستميتة، حارب فيها الرجال ببسالة وإقدام.. كانوا يوجهون الضربات إلى العدو، ويلحقون به الخسائر في الأرواح والمعدات.. وانتشرت في أرض المعركة شظايا وحطام الدبابات المدمرة والمحترقة.
وأثناء سير الأعمال القتالية، أُصيبت ناقلة قائد اللواء 132 المقدم ممدوح جعلوك بصاروخ تبعه عدة صواريخ، ونتج عن ذلك إصابته بجراح، كما أصيب كل من كان معه من الضباط في الناقلة المدرعة واستشهد ضابط إشارة المرصد. نقل قائد اللواء بعربة جيب، تعرضت أثناء تحركها لكمين معاد في بصة الجوخدار، أصيب خلاله قائد اللواء للمرة الثانية. لقد انطبعت في أذهان جميع المقاتلين المأثرة البطولية لقائد اللواء الذي نجح في قيادة قطعاته بمهارة خلال سير الأعمال القتالية.