وطن بوظيفة محطة قطار
روني الفا | كاتب وباحث سياسي لبناني
آخر بلد سيصل اليه قطار التسوية الدولية والإقليمية هو لبنان. طبيعة نظامِه الهجينة تجعله أعجز من أن يجلس على مقعد أي مقصورة. قدرُه ان يراقب مُسَمَّرَا مِن على كرسيه المُدَولَب أمام المحطة توقف القطار وتحميل وإنزال ركّاب من كل الدول. لبنان بلد فِرجِة يتفرَّج. هو المكان المعتمد لتصوير الأفلام. الكاميرا والمخرج والممثل والمنتج خارج حدوده. هو يقدم الإطار والمنظر والمنصَّة ليس إلا.
بدأنا نسمع عن سين سين من جديد. مظلة سورية سعودية تعطي عشرين سنة استقرار للبنان. بات واضحاً وجلياً ان نظامنا لا يمكن ان يمشي بعد اليوم. أصيب في عموده الفقري ومحكوم عليه ان يبقى مقعداً طوال تاريخه. نظام مقعد ومشلول الأطراف ليس ضرورة لأحد. هذا سبب تذمر حتى أفراد عائلته اللَّزم منهم والأقارب.
يعيش لبنان على مواقيت مفاوضات لا علاقة له بها. غير دقيق ان نتائج المفاوضات مع إيران ستحدد المسار اللبناني. لا وجود لمسار لبناني بالأساس. نحن دولة تنتظر دائماً من يرعاها. نجحت مفاوضات فيينا او فشلت لا فرق عندنا في لبنان. نحن اختبرنا كل أنواع الوصايات والإنتدابات والإحتلالات والرعايات. خرّجنا طبقة سياسيَّة تنتظر مصّاصَة الحليب من ضِرع أجنبي. لهذا السبب كل ما يُحكَى عن تحصيل مكتسبات طائفيَّة لهذا أو لِذاك هو من فصيلَة التفاهات. عجلات لبنان منفوخة بريح دولية وإقليميَّة. نحن بإختِصار دولة سكرابل. المتنصر في اللعبة خارجيّاً يركّب جملة النظام. نحن كرتونة المربَّعات.
بالطبع السنة المقبلة وحسب التوقعات المعقولة والمبررة ستكون سنة التسوية بين إيران وأميركا، بين إيران وبين السعودية، بين السعودية وسوريا. سيتقرر مصيرنا في طائف آخَر ستتم مراجعته وتصحيحه. لا تغييرات مهمة في النظام. من جزمة إلى جزمة. الفرق الوحيد هو أن التسوية ستفاوض الأقوى. المسيحيون سيكونون أبرز الخاسرين. حتى جوائز الترضية ممنوعة عليهم. الإعتداد بقوَّتِهِم الذاتيَّة حقن معنويّات بفيتامينات بلاسبو. اللامركزية الإداريَّة لن تعطيهم المن والسلوى. أقصى إنجازاتها عليهم إنارة على الطاقة الشمسيَّة في بعض الأزقَّة بتمويل البنك الدولي وحاويات قمامة شغل الإتحاد الأوروبي مكتوب عليها ” تدوير الزبالة البلاستيكيّة هنا من فضلِك”. بمعنى أكثَر صلافة. من قمامة السياسيين ستُصنَع حاويات جديدة. الفكرة المسبقة أنَّ المسيحيين هم رواد نهضَة وإنماء غير صحيحة. الشيعة والسنة والدروز سبقوهم إلى اللامركزيّة.
خلال فترة الإستقرار المنتظرة سيبقى الإنشطار عموديّاً. أحقاد طائفية دفينة. مشاريع تعتري هذا وذاك على خلفية شرق أوسط إسرائيلي أو خلفيّة قومية عربيَّة ماتت وشبعت موتاَ. الفرق هذه النقلة هو أننا سنكون تحت الفصل السابع دون أن يُسَمّى الرقم. الجميع سيكونون تحت رحمة البطاقة التمويليَّة لعشر سنوات على أقل تعديل. مع البؤس والجوع والعَوَز ستتبدَّل الأولويّات. الأقوى سيعزز حضوره والأضعف سيزداد غيابه. إنها مسيرة العشرين سنة القادمة. عندما نقول أن لبنان كنظام ودولة غير قابل للحياة نعني بكل بساطة أنَ لا شعب في لبنان ولا ثورة ولا إصلاح ولا إستقرار صُنِعَ في لبنان.
بعد انقضاء هذه المدّة التي سيعيش فيها لبنان على أنابيب الأوكسجين سنذهب إما إلى حرب جديدة إما إلى طائف ثالث. من طائف إلى طائِف سينتهي دور المارونيَّة السياسيَّة. سيتولّى بعض الموتورين القضاء على ما تبقّى من المسيحية المشرقية الحقيقية. المسيحيَّة القيمة والدور والوظيفة. لن يبقى منها سوى مواد للدكتوراه في كليات العلوم الإنسانيَّة. هذا إذا بقيت جامعات لا تبيع الشهادات بالعملة الصّعبة. دياسبورا في جيلها الرابع أو الخامس ستدحض مقولة باعة المعنويات الطائفية التي تشجّع المسيحيين على التغيير من دول الإنتشار. مغتربون سيكونون وليس منتشرين كما يُصَوَّرون على ألسنة الكذَبَة.
بعد عشرين سنة إستقرار سكرابل سنكون على موعد مع وطن منسي على محطات قِطار. ربَّما يُحرَم أيضاً من كرسيه النقّال!