ايلي الفرزلي | كاتب لبناني
أربعة أشهر مرّت على إقرار قانون رفع السرية المصرفية من دون أن يسلك التدقيق في مصرف لبنان طريقه نحو التنفيذ. عقبات بالجملة تواجه الانطلاقة، أبرزها: المراسلات التي لا تنتهي والتي تدور في حلقة مفرغة يبدو أن لا وظيفة لها سوى كسب الوقت. كل ذلك يجري في ظل تأكيد جميع الأطراف التعاون مع شركة التدقيق! لكن أمس صار «النقاش» علنياً. رياض سلامة أكد أنه سلّم كل حسابات مصرف لبنان إلى شركة التدقيق، وغازي وزني كذّبه معتبراً أن كلامه يجافي الواقع لأن ما سُلّم ليس سوى 42 في المئة من المعلومات المطلوبة، مقابل الامتناع عن تسليم أغلب المستندات، ومن بينها معلومات خاصة بالمصرف، كهيكليته والأنظمة المحاسبية وقواعد الحوكمة لديه…
الخلاف العلني بين وزارة المالية وحاكم مصرف لبنان بشأن التدقيق الجنائي لا يعني سوى المزيد من العرقلة لملف كلما تقدم الوقت ازداد تعقيداً. يخرج رياض سلامة ببيان يؤكد فيه قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان التعاون مع شركة التدقيق، ثم يُمرّر إشارة إلى أنه سلّم كل حسابات المصرف المركزي في 13 تشرين الأول الماضي. وفيما تفترض مصادر متابعة أن بيان سلامة كان بمثابة رد على موقف رئيس الجمهورية الذي تحدّث أول من أمس (في مقابلة مع الزميل آدم شمس الدين نُشرت على موقع «الجديد») عن مماطلة تحول دون انطلاق التدقيق الجنائي، إلا أن ذلك لم يمنع أن يُستفز وزير المالية غازي وزني، الذي يدرك أن مضمون البيان لا يختلف عن مضمون الكتاب الأخير الذي وصله من مصرف لبنان. ولذلك، أصدر وزني بياناً، عبر «تويتر»، يُكذّب فيه كلام سلامة، جازماً أن ما سلّمه في ذلك التاريخ لم يكن سوى جزء يسير من المعلومات التي طلبتها شركة «ألفاريز أند مارسال» المكلّفة التدقيق في حسابات المصرف المركزي.
معركة التدقيق الجنائي، التي وصفها رئيس الجمهورية بمعركة تحرّر، «رح تصير»، كما قال للزميل شمس الدين. لكن ذلك لا يحجب حقيقة أن «شغل كان بينعمل بأسبوع، صرلهم 4 أشهر مراسلات ومكاتيب، وبعدها الناس بتسأل مين ما بدّو التدقيق الجنائي؟».
الذين يريدون التدقيق الجنائي هم حكماً قلّة. والأربعة أشهر التي مرّت منذ إقرار القانون الرقم 200 حفلت بمراسلات لا وظيفة لها سوى تضييع الوقت. أما التأكيد المستمر لمصرف لبنان على التعاون مع التدقيق، فلم يُتَرجم بتلبية طلبات شركة «ألفاريز أند مارسال» لمعاودة عملها. والشركة سبق أن أوردت هذه الطلبات في كتابين منفصلين إلى وزارة المالية (6/1/2021 و28/2/2021). وطلبت الشركة أن يقدّم مصرف لبنان دليلاً ملموساً على التعاون معها، من خلال إرساله المعلومات التي كان قد رفض تسليمها سابقاً إلى وزارة المالية، على أن تقوم الأخيرة بمطابقتها، ومن ثم إرسالها إلى الشركة لتقييمها. فإذا كانت كافية لبدء التدقيق، تبلّغ قرارها النهائي إلى الحكومة اللبنانية بالتعاقد من جديد أو لا.
كل ما سبق يعني ببساطة أن فترة الانتظار الطويلة قد تنتهي برفض الشركة استكمال عملها، ما يحتّم بالتالي البحث عن شركة جديدة تتولى المهمة، وبالتالي الحاجة إلى أشهر إضافية.
بالنتيجة، لم يكن البيان الذي أصدره حاكم مصرف لبنان، والرد الذي أصدره وزير المالية، سوى استكمال للخلاف «الرسمي» الذي كان قد انطلق عقب الكتاب الذي أرسله حاكم مصرف لبنان إلى وزير المالية، وكتاب الرد الذي أرسله غازي وزني إلى رياض سلامة.
ففي 24 آذار الماضي، وعقب جلسة المجلس المركزي للمصرف، راسل سلامة وزير المالية، ليبلغه أن المجلس المركزي اتخذ قراراً ثانياً بشأن التعاون مع شركة التدقيق الجنائي «ألفاريز أند مارسال» (القرار الأول صدر في 10 شباط الماضي)، يؤكد فيه التزام المصرف التعاون مع الشركة ووضع الحسابات التي لها علاقة بكامل حسابات الدولة وحسابات المصارف بتصرف وزير المالية.
وأشار المصرف في كتابه إلى أنه سلّم كلّ الحسابات العائدة له، بتاريخ 13 تشرين الأول 2020 إلى وزير المالية، بواسطة مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان. وأكد أنه «على أتمّ الاستعداد لتأمين كل التسهيلات التي تؤمن للشركة المعنية البدء بعملية التدقيق». ولهذه الغاية، «يرى المجلس المركزي أن من الأنسب وضع حاسوب مستقل تحت تصرف الشركة تنزّل عليه المعلومات كافة المطلوبة من الأخيرة».
وكما في كل الكتب التي سبقت، أعاد المصرف التشديد على ضرورة عدم استعمال هذه المعلومات إلا ممن له الصفة بذلك وضمن الشروط وللغايات التي أعطيت من أجلها، وعدم مشاركة هذه البيانات مع أي جهة داخلية أو خارجية باستثناء الجهة التي تعاقد معها حصراً.
كتاب مصرف لبنان وصل إلى وزارة المالية بعد خمسة أيام من إصداره، أي في 29 آذار، وقد ردّ وزير المالية عليه، أمس، مؤكداً ما جاء في بيانه عبر «تويتر»، لناحية رفضه إشارة المصرف إلى أنه سلّم حساباته كاملة. فقد أوضح وزني أن ما سلّمه مصرف لبنان ورقياً إلى وزارة المالية «هو ليس حسابات عائدة لمصرف لبنان، وإنما هي عبارة عن مستندات ومعلومات مطلوبة من شركة «ألفاريز أند مارسال» في قائمة المعلومات (Information Request List)». وذكّر بأن هذه المعلومات «لم تكن وفقاً لتقييم الشركة كافية حتى للبدء بعملية التدقيق الجنائي، كما أن عدم كفاية المستندات دفعها إلى إنهاء العقد الموقّع مع الوزارة بتاريخ 20 تشرين الثاني 2020». وعليه، فقد أكد وزني أن ما سُلّم لوزارة المالية من معلومات لا يشكل إلا جزءاً متواضعاً من المعلومات المطلوبة بموجب قائمة المعلومات التي تضمّنت طلب معلومات حول: الحسابات، المعلومات والأنظمة المحاسبية، هيكلة المصرف وعمله التنظيمي، قواعد الحوكمة والمراقبة المعتمدة لديه، البنية التحتية لتكنولوجيا جمع المعلومات، وكذلك المعدات الإلكترونية لدى المصرف.
وذكّر وزني بكتاب أرسله سلامة إلى الوزارة في 14 تشرين الأول 2020 يؤكد فيه صراحة أنه تم إيداع 42 في المئة من المستندات المطلوبة وأن الباقي يتعارض تسليمه أو إفشاء المعلومات المتعلقة به مع القوانين المرعية الإجراء، وأنه لا يمكن الإجابة عن البعض منها لارتباطها بطلب الشركة الوجود في حرم المصرف، وهو ما كان قد رفضه المصرف رفضاًَ قاطعاً.
وسأل وزني: هل يمكن في ضوء التعاون المنشود، وفي ضوء أحكام قانون رفع السرية المصرفية لضرورات التدقيق، أن تتوقع المالية تسلّم الـ 58 في المئة الباقية من المستندات لتقوم بمطابقة المعلومات المقدمة من مصرف لبنان مع قائمة المعلومات المطلوبة من «ألفاريز»؟ إذا تحقق ذلك، فإن الخطوة الثانية يُفترض أن تكون إعلام الشركة بنتائج هذه المطابقة وفقاً لما اقترحته لإعادة بناء الثقة التي انعدمت من خلال تعاملها مع مصرف لبنان ولكي تقوم بعد تقييمها باتخاذ قرارها النهائي؟
وعليه، أعاد وزني التأكيد أن «ما اعتبره المجلس المركزي تسليماً للحسابات هو واقعة غير صحيحة ومناقضة للواقع».
ورداً على اقتراح المجلس المركزي وضع حاسوب مستقل بتصرف الشركة، قال وزني إن ما تطلبه الأخيرة منذ بدء عملها هو التمكن من الولوج إلى نظام المحاسبة الخاص بالمصرف المركزي والوجود في مبنى المصرف لعدم توجّب إخراج المستندات إلى خارج المبنى للتمكن من القيام بمهامها، وليس حاسوباً مستقلاً يوضع تحت تصرفها.
حتى إشارة المصرف إلى وجوب احترام سرية المعلومات وضرورة عدم استعمالها إلا ممن له صفة وعدم مشاركتها مع أي جهة خارجية أو داخلية، لم يمررها وزني، فأشار إلى أن ذلك «ليس إلا تخوّفاً في غير محله».
ماذا بعد هذا النقاش الحادّ بين وزارة المالية ومصرف لبنان؟ الجولة المقبلة ستكون في الاجتماع الافتراضي الذي سيعقده الطرفان مع شركة «ألفاريز أند مارسال»، والذي أكّدا أهميته. فهل يكون الانطلاقة الفعلية للتدقيق الجنائي أم يكون جولة جديدة نحو مزيد من التعطيل؟
الأخبار