وجهة نظر في استعادة الشعوب التي دمرتها العولمة ، وسلب الفساد فكرها المنطقي . مراجعة تاريخية 7
ملهم ابو زامل – باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والإستراتيجية
كان الخروج الفلسطيني المسلح من لبنان عام 1982 ، بمثابة نعي الفكر الثوري بموت اخر فرسانه في ذلك الوقت ، ولأن الشاة المقتولة او المذبوحة لايهمها السلخ بعد الذبح ، شهدت مخيمات الفلسطينيين في لبنان مجازر دموية على ايدي بنات آوى اللاتي تقتات على جثث الاسود الميتة او الجريحة .
واندلعت بعدها في العقد ذاته حرب المخيمات مع المكونات المختلفة للتركيبة الطائفية اللبنانية ، وبات القتل في الفلسطيني لا يحرك مشاعر الامة ولا شعوبها التي أُجبِر فكرها وعقلها الباطن على القبول بإسرائيل كقوة لا تهزم ، والتي أُقنِعت كرهاً بأن السلام مع الجارة اسرائيل هو الحل المناسب لهدوء المنطقة العربية.
في هذا العقد ايضا وُضِعَت سوريا تحت حصار اقتصادي خانق حيث لا اخ عربي يدعمها ، ولا حليف يستند الظهر اليه ، بل على العكس فإن دول الخليج ساهمت في هذا الحصار وقطعت المعونات المالية التي كانت تقدمها لسوريا نتيجة موقفها المؤيد لايران . فيما كان الاتحاد السوفييتي يعاني من خطر التفكك والانهيار ، ومشغولا بقضاياه الداخلية التي ادت الى ان تفرض الولايات المتحدة الامريكية نفسها على العالم كشرطي وقاض ، وخصم وحكم . ذلك ان الدولة السورية ممثلة بقيادتها كانت الفارس الاخير الذي لم يغمد سيفه ولم يستسلم ، ذلك الفارس الذي ساند وحالف الايرانيين الذين قضوا على وجود اسرائيل داخل ايران وطردوا امريكا منها ، وظل رافضا الاعتراف باسرائيل كدولة ومحتضنا لبقايا اشلاء منظمة التحرير الفلسطينية محاولا ترميم جسدها وانهاضها على قدميها من جديد .فكانت حرب الاقتصاد عليها حرب تركيع وكسر ارادة ، لكنها ظلت صامدة تقاتل بشعبها وقيادتها ضد حرب التجويع وحرب الاخوة العرب وحرب الاخوان المسلمين في الداخل وحرب الفساد الذي انشب مخالبه في الدولة السورية حتى صار كروموزوماً في جيناتها الوراثية ، بالاضافة الى قتالها ضد حرب التجار وحرب العملاء .
كل ذلك خلق قبضة امنية قوية جدا تفرغت لمجابهة خطر تفكك المجتمع السوري في ظل المتغيرات الحاصلة ، فرضتها الحروب التي قمت بذكرها على الدولة السورية ، ومن باب المصداقية فإن السياسة الداخلية التي قامت بها الحكومة السورية لمعالجة هذا الحصار وهذه الحروب وهذه التحديات الكبيرة ، وبرغم هذه المشهدية المأساوية كانت سبب خلاص الامة والدولة ونقلها الى بر الامان ، هذا الامان الذي دفع الشعب والحكومة والقيادة معا ثمن فاتورته الباهظة ، وان كانت قد تركت ندوبا وجروحا استغلها الاعداء في خطط الربيع العربي المشؤوم .
اما في فلسطين وخاصة بعد اغتيال خليل الوزير وبعد انتفاضة الحجارة الاولى التي دفع فيها الفلسطينيون آلاف الشهداء من أبنائهم دون ان يرف للعرب جفن ، ونتيجة لاعتقاد الفلسطيني ووصوله الى شبه قناعة بانتهاء فترة الكفاح المسلح مع العدو بعد ترجل اخر فرسانه(منظمة التحرير) ، وشعوره بالهزيمة وخسارة كل شيء ولجوئه الى الله للاستعانة به على البلوى وجد في حركة حماس التي ترفع شعار الله والوطن والتحرير من النهر الى البحر ، والتي تزامن نشوؤها مع انتفاضة الحجارة ، وجد ضالته وبارقة الامل التي ساقها الله اليه .
فأيدها وانخرط فيها وبات يراها المنقذ والمخلص والاستجابة الالهية لدعائه بعد كفره بفكرة القومية والافكار اليسارية واليمينية ،
وكانت حماس التي تتبع للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين اول حالة ثورية دينية في وجه العدو الصهيوني تختلف في الهدف القريب عن تنظيم الاخوان المسلمين في مصر وسوريا بينما تتطابق معه في الاهداف البعيدة والاستراتيجية ، وهو مالم يكن الشعب الفلسطيني المحبَط ملماً به ، وثالث حالة تدخل الدين في السياسة والحكم بعد اخوان مصر واخوان سوريا ، وهذا ماسينعكس فيما بعد سلبا على وحدة الامة العربية التي لم تكن ترى للدين مكانا مناسبا افضل من القلب والمسجد ، فاذا بها تراه يخرج من مسجده ليفرض نفسه على شعوب المنطقة متعددة المذاهب والطوائف والاديان ، ويطالب بحكمها وقيادتها مسترجعا صيغة حكم لم تكن تصلح الا قبل 1400 سنة مغفلا التطور الحضاري والفكري والسياسي والاجتماعي للشعوب والدول ، وغير مدرك للتغيرات والظروف الجديدة وموازين القوى .
مما زاد في شرذمة الامة وفكرها المنقسم اصلا بعد حرب العراق وايران .
تدخلات اجنبية كبيرة وحروب خارجية ، وفساد مستشر متفاوت الدرجة من دولة الى اخرى ، وبداية عولمة وانفتاح اعلامي .
يتبع في الجزء العاشر