ملهم أبوزامل – باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والإستراتيجية
كان العقد التاسع من القرن العشرين هو العقد الفاصل الذي حدد انتهاء حقبة وبداية حقبة جديدة من الصراع مع الدول العظمى واسرائيل والذي فيه تم وضع استراتيجيات جديدة لادارة الصراع مع الشعوب العربية وكسر صمودها وارادتها .
ولا اراني ابالغ في هذا الوصف لعظيم ماحمل هذا العقد من احداث وتطورات وتغيرات بدأت بمعاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل ثم قلب نظام الشاه في ايران وتولي آية الله الخميني الحكم في ايران بما يمثل هذا الحدث من ضربة استراتيجية لكل اعداء الامة والاسلام ، وانتقالا الى الحرب التي قادها الرئيس الراحل صدام حسين على الجمهورية الاسلامية الايرانية دون وجه حق ، مرورا بخروج الثقل الفلسطيني المسلح من لبنان ، ثم ماتلا ذلك الخروج من مجازر وماسمي فيما بعد بحرب المخيمات ، ونشاط الاخوان المسلمين في سوريا والمنطقة ومحاولة تدمير الدولة السورية ، الى الحصار الاقتصادي الرهيب على الجمهورية العربية السورية ومحاولة اخضاعها ، الى الثورة الرقمية في العام 1988 ضمن مفهوم العولمة .
هذا العقد كان المؤسس لما وصلنا اليه اليوم وهو الذي افتتح عهد ماسمي بحروب الجيل الرابع او حرب الوكالة.
بعجالة سريعة وتبيان لاهم النتائج لكل حدث من الاحداث السابقة التي تخص موضوع بحثي هذا استطيع ان اركز على التأثير الذي تركه كل حدث في عقل الشارع العربي وبنيته الفكرية ولحمته الاجتماعية ومعتقداته ومبادئه .
حيث كانت معاهدة كامب ديفيد اول من شق الصف العربي وجعل القوتين السياسيتين الكبريين في المنطقة العربية على طرفي نقيض ومع هذا التباين والاختلاف انشق الصف العربي بين مصر وسوريا فتم نسف الوحدة العربية وأعلن موت القومية العربية لتحل محلها الوطنية ومصطلح التضامن العربي ، وبسبب هذا الحدث انقسم الشارع العربي بين مؤيد ومعارض للمعاهدة ولم يعد مفهوم العروبة هو المفهوم الجامع وصار العربي في اي قطر من الاقطار العربية يفتخر بوطنه الصغير الذي انتجه سايكس وبيكو ، وصار المواطن مهتما بما يخص قطره وحده دون اهتمام كبير وتعاطف مع مجريات الاحداث في اي قطر اخر . بل ان اكثر من ذلك حدث عندما انقسمت الحكومات العربية بين الطرفين المصري والسوري وبدأت الاحلاف بالظهور بمساعدة التجييش الاعلامي الذي كان مقتصرا على التلفاز الوطني لكل دولة واذاعتها وصحفها ومجلاتها .
وكان انتصار الثورة الاسلامية في ايران بمثابة رد الهي على كامب ديفيد وخسارة الامة العربية لمصر وأدرك الحكام المخلصون ان هذا الانتصار يعوض النقص ويرمم الجسد العربي من التلف الذي حل به وخاصة بعد ان رفعت اعلام فلسطين في سفارتها في ايران مقابل العلم الاسرائيلي الذي رفع لاسرائيل في سفارتها في القاهرة ..فكيف تعوض هذه الضربة ؟
على الفور دفع صدام حسين بتحريض رجعي خليجي غربي الى مهاجمة الجمهورية الاسلامية في ايران وأدار رحى حرب بجهل سياسي لمدة ثماني سنوات كانت كفيلة بزيادة مساحة الشرخ في المجتمع العربي وتوسعته الى حد لا يمكن ان يلتئم بل زادت عليه صيغة جديدة عنوانها الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة الذي روجت له رجعيات الامة العربية ومشيخات الخليج فاعادوا احياء ماض أليم وحروب طواها الزمان ، فوجد هذا الانقسام طريقا ميسرة له ضمن العقل العربي ذي الغالبية السنية.
هنا كان لابد للغرب والصهيونية العالمية ان تستحضر ادواتها لانها الفرصة المواتية التي لن تتكرر ، من اجل زج هذه الادوات داخل الاقطار العربية التي ما زالت تؤمن بالاعتدال ومازالت تعرف بوصلتها وعدوها ، وتعرف ان قضيتها قضية وجودية مع عدو سبب كل هذه الازمات ولابد ان يهزم . ووقع الاختيار على سورية التي كان شعبها يحمل فكرا متنورا وثقافة قومية وعروبية ، وتحكمها قيادة وطنية كانت اول من قاد الرفض العربي لمعاهدات الذل مع العدو الصهيوني وكيانه .
واختيرت مدينة حماة واريافها المتصلة مع ادلب وحلب لتكون الوجهة التي ينشط فيها الاخوان المسلمون لاسباب متعددة منها ثقافي ومنها اقتصادي واخر ديني وآخرها تكتيكي وجغرافي. وبذلك بدأ الفكر الطائفي الذي كان ميتا يعود الى الحياة وينتشر بين فئات الشعب السوري .
وكان لابد للدولة السورية ان تحفظ هيبتها وكرامة مواطنيها وان تؤدي واجبها نحوهم لجهة حمايتهم والدفاع عنهم ضد العمليات الارهابية التي شرع الاخوان المسلمون بتنفيذها في اماكن عديدة من سورية ، وتم القضاء على الدويلة الاخوانية لكنها كانت قد انشبت اظافرها داخل الادمغة السنية الفقيرة الجاهلة وتركت اخاديد عميقة لم تمحها السنون.
هنا يجب ان ألفت انتباهكم الى ان الانقسام بدأ بين الاقطار العربية ثم انتقل الى داخل الشعب الواحد في القطر الواحد .
يتبع في الجزء التاسع .