ملهم ابو زامل – باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والإستراتيجية
بعد حرب اكتوبر 1973 دخل المجتمع العربي بكامله في حالة من الركود الثوري ، وبدأ الحكام العرب في غالبيتهم يتوجهون الى شعوبهم بخطابات جديدة تكاد تكون اقرب الى زرع حالة من قبول اسرائيل ككيان قائم لا يمكن التخلص منه ، وبدأ اعلامهم التلفزيوني والاذاعي يوجه الوعي العربي بهذا الاتجاه مستفيدين من توقف القتال مع العدو الصهيوني على جميع الجبهات ، ولم يتبق في تلك المرحلة الا منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تخوض كفاحا مسلحا متواصلا مع العدو من خلال العمليات الفدائية الناجحة التي كانت تقوم بها ضد جنود الاحتلال في فلسطين وخارجها وهذا ما اعاد الألق الى منظمة التحرير وجمع حولها الامة العربية بكاملها .
لكن الاتجاه الجديد الذي قاده العديد من الزعماء العرب عبر وسائل اعلامهم كان ينذر بانقسام شعبي قادم ، ولذلك بعد ان تهيأت الارضية المناسبة صار بامكان البعض من القيادات العربية ان تجاهر بطرح السلام مع العدو من خلال اتفاقيات سوقوا لها على انها انتصارات وتحقيق اقصى مايمكن تحقيقه فكان انور السادات اول من فتح الباب لهذا الامر بزيارته للكنيست الاسرائيلي في فلسطين المحتلة وطرحه لاتفاقية سلام مع الصهاينة سميت فيما بعد اتفاقية كامب ديفيد التي اخرجت مصر وهي الثقل العربي الاضخم من معادلة الصراع مع العدو وشجعت الكثيرين من زعماء العرب الذين كانوا يخشون من شعوبهم فيما لو طرحوا مثل هذه الاتفاقيات ان يطرحوها ويعقدوا مصالحات مع العدو واتفاقيات مشابهة منها ما ظهر للشعوب ومنها مابقي بشكل خفي الى وقت قريب من اليوم كاتفاقية وادي عربة والتبادل التجاري والامني والعسكري بين دول الخليج والكيان الصهيوني .
وهنا بدأنا نرى ونسمع الكثير من المنظرين لفكرة السلام مع اسرائيل وقبولها على انها واقع مفروض ، ولاول مرة بتنا نرى الاعلام الصهيونية ترفرف في بعض العواصم العربية كما في مصر والاردن .
اذن انقسمت الشعوب بين ثوري يرى ان هزيمة اسرائيل ممكنة عن طريق الاتحاد والتضامن العربي والكفاح المسلح وان اسرائيل كيان دخيل يجب اجتثاثه من الارض العربية بالقوة وانها ليست واقعا لايمكن تغييره وبين انهزامي استسلامي يرى ان اسرائيل واقع مفروض مدعوم من اقوى دول العالم ولايمكن هزيمته او اجتثاثه وينبغي القبول به والسلام معه لان السلام معه يوجه طاقات الدول العربية الى الداخل ويفضي الى استقرار المنطقة ، ناهيك عن القوى العميلة التي تروج لانسانية اسرائيل وضرورة السلام والتطبيع معها واعتبارها جزءا لا يتجزأ من الامة بل يروج الى ان الدولة التي تتعامل معها ستنتقل من دولة متخلفة الى دولة متطورة ومدعومة منها لكن هذين الاتجاهين الاخيرين المناقضين للاتجاه الثوري ظلت اصواتا نشازا امام المزاج الثوري العربي الذي يعتبر اسرائيل عدوا توسعيا لايمكن القبول او الوثوق به وان الشعب الفلسطيني شعب مظلوم يجب ان يعود الى ارضه .
واذا انتقلنا الى عام 1982هذا العام الذي اجتاحت فيه اسرائيل لبنان وحاصرت منظمة التحرير في العاصمة بيروت نجد ان الامة بحاجة الى مثل هذه التطورات التي توقظها من سباتها وتعيد اليها الحس الثوري الفطري ..وبالرغم من الخسارة الاستراتيجية التي منيت بها منظمة التحرير حين خرجت من لبنان وهنا لا اقصد الخسارة العسكرية او البشرية ولا اقصد انكار الصمود التاريخي والبطولي في هذه المعركة لكنني اقصد ابعاد منظمة التحرير التي تؤمن بالكفاح المسلح كضرورة وحيدة وحتمية لهزيمة الكيان الصهيوني عن حدود فلسطين الى تونس واليمن ، لان هذا الابعاد في الحقيقة كان اعلان وفاة الكفاح المسلح وانتهاء عصر الثورية المسلحة والقضاء على اخر الفرسان الذين لم يضعوا سيوفهم في اغمادها .
كان هذا الحدث هو الهزيمة النفسية والمعنوية الثالثة او الرابعة للامة العربية التي كلما عاد اليها الامل بالخلاص تجدها تصاب بنكسة تفقدها الامل بالحياة .
لكن العام 1983 كان العام الفاصل ونقطة الارتكاز لظهور بارقة جديدة من الامل تمثلت بظهور المقاومة في لبنان من خلال عمليتين كبيرتين جدا ضد قوات المارينز الامريكي والدراكار الفرنسي وسبقتهما عملية اخرى ضد مقر الحاكم الاسرائيلي في جنوب لبنان .هذه المقاومة التي سوف تشكل فيما بعد محورا ممتدا من غزة الى طهران مرورا بسوريا والعراق وتعريجا على اليمن رغم انف الارادة الامريكية والصهيونية التي استشعرت الخطر على وجودها منذ ذلك الحين فشجعت الرئيس العراقي صدام حسين عبر الرجعيات العربية على خوض حرب مدمرة مع ايران ، ايران هذه التي كانت القيادات العربية لاتخشى على شعوبها منها ومن نشر التشيع عندما كان الشاه الموالي لامريكا والصديق لاسرائيل يحكمها .
وهنا بدأ الغرب يخطط لايقاظ الفكر الطائفي النائم فبدأ يدعم حركة الاخوان المسلمين البريطانية الولادة في كل منطقة الشرق الاوسط وبدأ نشاطها الارهابي بالظهور من خلال عمليات التفجير في سوريا واغتيال الضباط والسياسيين ثم اعلان دولتهم في حماة .
يتبع في الجزء الثامن.