ملهم ابو زامل – باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والإستراتيجية
استطاع حافظ الاسد خلال ثلاث سنوات من تولي قيادة الحكم في سوريا ان يطور الجيش السوري ويرفده بأسلحة حديثة ومتطورة من خلال نسج علاقات متينة مع الاتحاد السوفييتي ودول عدم الانحياز ، واستطاع ان يبني جيشا عقائديا عقيدته الوطن وعدوه الامبريالية العالمية والكيان الصهيوني ، لكنه بدأ بتحصين الدولة من الداخل فوأد مرحلة الانقلابات التي كانت تشهدها سوريا وطور القطاع الزراعي والصناعي والخدمي ، وكان على رأس اولوياته ان يشعر المواطن في سوريا انه بمأمن من كل شيء ، كما اعاد هيكلة مؤسسات الدولة وحاول ان يجعل النظام الاشتراكي نظام الدولة وقائدها ، وبات الشعب في سوريا مهيئا لخوض حرب التحرير المنتظرة ..
بدأت حرب تشرين ضد العدو الصهيوني في السادس من تشرين الاول عام 1973 بتنسيق تام مع الجيش المصري الذي يقوده انور السادات واستطاعت القوات السورية والمصرية ان تحقق انجازات هائلة في غضون الايام الاولى من الحرب فوصلت طلائع الجيش السوري الى بحيرة طبرية مدعومة بقوات جيش التحرير الفلسطيني الذي كان يشكل مع الوحدات الخاصة السورية رأس حربة في المعركة ، واستطاع الجيش المصري ان يحرر صحراء سيناء بالكامل ويصل الى حدود فلسطين المحتلة .
كانت الجبهة الداخلية الصهيونية شبه محطمة ومنهارة في حين ان الجبهة الداخلية السورية والمصرية كانت في اوج فخارها ومجدها وحماسها . وكانت الجماهير العربية من المحيط الى الخليج تهلل للنصر الذي بدأت بشائره تلوح لها في الافق ..وكان الضغط الجماهيري على تلك الحكومات قويا جدا لدرجة ان الدول العربية التي كانت تصنف ضمن الدول الرجعية مضطرة ان تساهم في هذه الحرب وان تساند الجيشين السوري والمصري في معركة التحرير فأوقفت السعودية على سبيل المثال تصدير النفط الى العالم مماشكل ضغطا هائلا على الدول الغربية المؤيدة للكيان الصهيوني .
وفي تلخيص للمشهد نجد جيشين قويين يخوضان معركة فاصلة مع العدو الصهيوني مدعومين بالتفاف جماهيري عربي واضح وكبير جدا وقيادة في سوريا ارادتها وهدفها التحرير فلم يفلح اي تدخل خارجي لايقاف الحرب في ايامها الاولى وكان الجواب مباشرا ان سوريا تخوض حرب تحرير لارض اغتصبها العدو بقوة السلاح ولم يستجب لقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن .
على الجبهة المصرية المتقدمة كانت القيادة المصرية تصيب العالم كله بالذهول وتنقل المواطن العربي من حالة الزهو بالنصر الى حالة جديدة من اليأس والخذلان حين اتخذ انور السادات قرارا بوقف اطلاق النار وبالرغم من جميع التبريرات التي ساقها انور السادات لتبرير قراره هذا لم تكن هذه التبريرات لتقنع القيادة السورية المطلعة على وضع الجبهة المصرية لكنها انطلت على الشعب المصري الى ان فضحت فيما بعد في شهادات الضباط الكبار في الجيش المصري قبل سنوات وكان اهمها شهادة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس اركان الجيش المصري في ذلك الوقت في مذكراته ..وكان لافتا ان انور السادات في مصر يريد من الحرب تحريك عملية سلام مع اسرائيل خطط لها منذ وصوله الى حكم مصر بعد وفاة عبد الناصر ، وجاءت حساباته متوافقة مع التوجه الامريكي والاسرائيلي لبدء عملية سلام وعقد اتفاقية كامب ديفيد ، حيث كان انور السادات مقتنعا ان اسرائيل كيان يريده العالم كله في منطقتنا وان العمل على انهاء هذا الكيان محض اوهام وضرب من الجنون ، وبالتالي ومن وجهة نظره فإن افضل الحلول يكون بعقد اتفاقية سلام معه لا تخسر فيها مصر اي جزء من ارضها . من هنا بدأت المرحلة التي يمكن ان اسميها المرحلة الانهزامية التي انعكست تأثيراتها على العالم العربي برمته واصابت المواطن العربي في مقتل ادى لتناقضات كبيرة استمرت الى يومنا الحالي .
ومن هنا بدأ شق الصف العربي والرأي العربي والقرار العربي على مستوى الشعوب والحكام وبدأت طلائع الاصوات التي تحمل فكرة السلام مع العدو بالظهور ومن هنا بدأت المرحلة الاعلامية التجييشية لتساند التدخلات الخارجية التي لم تتوقف وانما كانت تجابه بتوحد الصف الشعبي العربي مع قرارات القيادات الوطنية والعروبية الرافضة لوجود الكيان الدخيل بالمطلق.
على الجبهة السورية وبعد تحول كامل القدرات الصهيونية الى مواجهة الجبهة السورية ومساندة اميريكا لاسرائيل بكافة مايلزمها لصد الهجوم السوري بدأت القوات السورية بالتراجع والانسحاب الى القنيطرة ومنها الى ريف دمشق حتى تم عقد اتفاق وقف اطلاق النار وخسرت سوريا بموجب الحرب مساحات جديدة من ارضها بعد ان وصلت وحداتها المقاتلة الى حدود بحيرة طبريا في فلسطين المحتلة .
بعد حرب استنزاف خاضها الجيش السوري مع العدو الصهيوني اعلن اتفاق جديد تعود بموجبه مدينة القنيطرة الى الدولة السورية .فعادت لكنها كانت شاهدا الى اليوم على وحشية هذا العدو وارهابه الذي تركها ركاما وأثرا بعد عين ..
فهل كانت التدخلات الخارجية منتفية في هذا التوقيت وماسبقه ؟
وهل كان الفساد موجودا داخل الحكومات العربية ومؤسساتها الرسمية ؟
نعم كل ذلك كان موجودا ولابد من ان نذكر ان فترة حكم حافظ الاسد لم تستطع برغم محاولاتها ان تقضي على البيروقراطية داخل الحكومات المتلاحقة ومؤسسات الدولة لكن هذه البيروقراطية والتفاوت الطبقي الذي سببته البيروقراطية لم تستطع ان تقتل الروح الوطنية والعروبية والقومية في نفوس المواطنين الذين ظلت بوصلتهم الجولان وفلسطين وجنوب لبنان.
اما السؤال الاهم فهو هل كانت هذه الثورة الرقمية التكنولوجية موجودة داخل مجتمعاتنا ؟ والجواب الاكيد انها لم تكن موجودة ولا وجود لتأثيرها ابدا.
يتبع في الجزء السادس.