ملهم ابو زامل – باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والإستراتيجية
الجزء الرابع
عام ١٩٦٨ خاض الفلسطينيون معركة سميت معركة الكرامة مع العدو الصهيوني فيها التقط العرب جميعا نفسا جديدا من انفاس العزة وبدؤوا يدركون ان هذا العدو الذي اشاع عن نفسه وجيشه بانه لايقهر بعد عام ١٩٦٧ قابل للهزيمة والتحطم ويجب ان لا ننكر في هذه المعركة دور الجيش الاردني في المواجهة بالرغم من تلقيه تعليمات سرية من قيادته وملكه بان يخوض معركة محدودة في القوة والخسائر لان هذه المشاركة كانت تحت الضغط الشعبي الاردني الذي كان من الممكن ان يسقط العروش لو ظل متفرجا على مايحدث وهذا ما اشار اليه بعض الضباط الكبار في الجيش الاردني قبيل بضعة سنوات عند استحضار ذكرى معركة الكرامة.
لكن الكثير من الضباط الاردنيين الشرفاء والجنود لم يتقيدوا بالتعليمات وخاضوا حربا ضروسا مع العدو الصهيوني واستشهدوا في ساحة المعركة لتكتب اسماؤهم في ذاكرة الوفاء وفي ذاكرة العقول والقلوب التي لا تعرف الانهزام ولا تقبل به.
في هذه المعركة بالذات ظهر التلاحم الفصائلي الفلسطيني باروع صوره وطرحت الخلافات الفصائلية جانبا امام لقاء العدو ..
معركة الكرامة في المقياس العسكري تشبه الى حد بعيد معركة بدر التي تواجه فيها طرفان غير متكافئين على الاطلاق من جميع الجوانب التسليحية والعددية والقوة النارية وبالرغم من عدم التكافؤ هذا او الاقتراب من حدوده الدنيا فأنها تعتبر انتصارا كبيرا للفلسطينيين على عدو الامة العربية لانها منعته من تحقيق اهدافه ، بل كبدته فوق ذلك خسائر كبيرة في العدة والعتاد والجنود لم تستطع تحقيقه الجيوش العربية النظامية عام ١٩٦٧ واللافت وشاهد القصة هو الالتفاف الجماهيري العربي اللامحدود حول منظمة التحرير والفلسطينيين من المحيط الى الخليج ..فلم نسمع اقوالا كالتي نسمعها اليوم عن مسرحيات ، ولم نسمع اصواتا مشككة او اصواتا لائمة او محبطة او منكرة ، ولم نر تأييدا للعدو ومساندة له كما نرى اليوم .
والاهم من ذلك لم نر الدين يتدخل لتحويل القضية من قضية تحررية وجودية الى قضية بين مسلمين ويهود بل كان تدخله تشجيعيا محمسا شادا للهمم جامعا للقلوب.
توفي الكبير عبد الناصر عام ١٩٧٠وظلت الجماهير العربية بعده مؤمنة بالفكر الثوري وموقنة ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ، لكن هذا العام هو المؤسس لبداية انفراط العقد العربي عندما تسلم محمد انور السادات زمام الحكم في مصر ، مصر التي كانت قلب العروبة وامها واباها .اما في سوريا فتولى الحكم حافظ الاسد الذي اخذ على عاتقه حمل راية العروبة وراية النصر على الاعداء وبدأ يعد العدة للمعركة الفاصلة مع العدو الصهيوني فسارع الى بناء جيش قوي قادر مجهز بالاسلحةالحديثة في ذلك الوقت ،عقيدته النصر وعدوه الامبريالية العالمية و(اسرائيل) .ثبت حافظ الاسد دعائم الجبهة الداخلية التي تاقت للخلاص من العدو الاول ألا وهو العدو الصهيوني ، فتلاحمت الجبهة الداخلية السورية بشكل لم نشهده من قبل وتمتنت الروابط بين جميع فئات الشعب التي لم تكن تعرف المسميات الطائفية والعرقية برغم الحرية الدينية التي كانت تلك الطوائف تمارسها دون رادع او حسيب ، مع المحافظة على عدم السماح بتدوال تلك المسميات والنعوت الطائفية بشكل حازم بين ابناء الشعب السوري ..وقبل ان نصل الى حرب اكتوبر تشرين الاول عام ١٩٧٣ لابد لنا ان نذكر حدثا بارزا في سنة ١٩٧٠ كان له بالغ الاثر في بداية عصر التفرق العربي وضياع البوصلة العربية مضافا اليه تولي انور السادات الحكم في مصر بعد وفاة عبد الناصر.
هذا الحدث هو ماسمي فيما بعد بمجازر ايلول الاسود في الاردن .
هناك حيث هاجم الجيش الاردني في سبتمبر من ذلك العام فصائل منظمة التحرير محاولا انهاء وجودها في الاردن تحت ذريعة انها مجموعات مسلحة غير منضبطة باتت تشكل دولة داخل المملكة الاردنية وتنغص حياتها وتهدد العرش الملكي بالزوال ..
ولا اعتقد انني اكون متطرفا في فكري اذا قلت ان سبتمبر عام ١٩٧٠ كان الشهر الذي تم اقراره في دوائر الغرب الامبريالية واسرائيل لانهاء وتحطيم ماتبقى من امل وأنفة في نفوس الشعوب العربية بتحرير فلسطين واقتلاع الكيان الدخيل للتوصل الى اعلان استسلامهم النهائي وبالتالي ان تبدأ القيادات العربية العميلة بالتطبيع مع اسرائيل وعقد المعاهدات معها على انه امر واقع يتقبله الشعب المقتنع باستحالة التغلب على دولة الكيان الدخيل ، لكن وجود حافظ الاسد في الحكم في العام نفسه عطل هذا المشروع وربما تكون الارادة الالهية هي من اوصل حافظ الاسد لسدة الحكم لافشال مشاريعهم ومخططاتهم ولانفاذ الارادة الالهية واثبات حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس واكناف بيت المقدس،
لان الحالة الشعبية في ذلك الوقت كانت مهيئة لقبول الهزيمة والتسليم بالواقع الجديد ، اما الرؤساء والزعماء والملوك فكلنا يدرك عمالتهم وتبعيتهم وانبطاحهم وانهم ليسوا اكثر من ادوات في يد الامبريالية العالمية .وحين يجتمع الحاكم والمحكوم على قناعة واحدة فالاستسلام واقع لا محالة.