تحسين الحلبي | كاتب وباحث مختص بالشؤون الإسرائيلية .
تعتقد نسبة لا بأس بها من العرب ومن المحللين السياسيين في البلدان العربية أن الإدارات الأميركية والكونغرس ليس في مقدورها رفض أي طلب تتقدم به المنظمات الصهيونية واليهودية الأميركية في الولايات المتحدة للمسؤولين الأميركيين ويبالغ البعض بالإعلان عن اعتقادهم بأن الحركة الصهيونية هي التي تحدد للإدارات الأميركية سياساتها وبعض أسماء الشخصيات التي يتوجب عليها تعيينها في هذا المنصب أو ذاك فهل هذا ما يحدث حقاً؟
في 24 آذار الجاري كشفت مجلة الأنباء اليهودية الأميركية (جي إن إس) أن المنظمة الصهيونية الأميركية وهي أكبر المنظمات الصهيونية في العالم طلبت هي ومنظمة تدعى “المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل” من إدارة بايدين الامتناع عن تعيين (كولين كاهل) في منصب مساعد وزير الدفاع الأميركي لأنه كان من المسؤولين الأميركيين الذين شاركوا مع الرئيس أوباما في عقد اتفاق فيينا حول الموضوع النووي الإيراني المعروف باسم اتفاق (خمسة زائد واحد) وفي النهاية تم تعيينه وفشلت هذه المنظمات الصهيونية الأميركية وحلفاؤها من منظمات أميركية تابعة لها بمنع تعيينه واتهمته بالتساهل مع إيران والارتباط بعلاقات معها علماً أن كاهل كان مساعداً في وزارة الدفاع الأميركية عام 2000 في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش وعمل مع إدارة أوباما بعد ذلك في عام 2014– 2017.
واعترف رئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن التابعة للكونغرس بتعرضه لضغوط لكنه صوت في اللجنة لصالح تعيينه ولذلك ترى كل إدارة أميركية أنها هي المخولة بتحديد مصالح الولايات المتحدة وتوظيف من تشاء في تنفيذها أو التخطيط لها فالكيان الصهيوني لا أحد ينكر أنه أسس منظمات مثل منظمة إيباك ( لجنة الشؤون العامة الأمريكية- الإسرائيلية) والمنظمة الصهيونية الأميركية و(منظمة المؤتمر اليهودي العالمي) لابتزاز الإدارات ومؤسسات الحكم الأميركية لكن هذه المنظمات لم تستطع تخفيض الحكم عن الجاسوس اليهودي الأميركي جوناثان بولارد الذي عمل من موقعه كضابط في البحرية الأميركية لصالح الموساد (منظمة التجسس والعمليات الخاصة الإسرائيلية) منذ بداية الثمانينيات واعتقلته المخابرات الأميركية عام 1985 من داخل مبنى السفارة “الإسرائيلية” في واشنطن العاصمة حين شك بأنه كشف فلجأ إلى السفارة للاحتماء بمسؤول محطة (الموساد) عن الساحة الأميركية رافي إيتان الذي كان موجوداً داخل السفارة ولم يقدم له أي مساعدة فسلمه السفير الأميركي واعترف بموجب الأدلة عن تجسسه وحين قضت محكمة أميركية عليه بالحبس المؤبد في عهد الرئيس ريغان بذلت تل أبيب وكل رؤساء حكوماتها وكذلك كل المنظمات الصهيونية العالمية جهودها مع جميع رؤساء الولايات المتحدة للعفو عنه طوال ثلاثة عقود ولم يقبل أحد بالعفو عنه برغم أن رؤساء حكومات الكيان الصهيوني منحوه الجنسية “الإسرائيلية” بحجة أنه يمكن أن يقضي بقية عقوبته في سجن “إسرائيلي” لكن من دون جدوى إلى أن خول القانون الأميركي بعد مرور ثلاثين عاماً على حبسه منحه العفو لكن شريطة أن لا يغادر الولايات المتحدة إلا بعد خمس سنوات وفي عام 2020 سمح له بالسفر إلى تل أبيب والبقاء فيها.
وإذا كان الموساد وبمعرفة رؤساء حكومات الكيان الصهيوني -لأن رئيس الموساد يخضع فقط لمسؤولية رئيس الحكومة وليس غيره- قد جند ضابطاً أميركياً يهودياً في صفوفه وللعمل معه في دولة تعد نفسها المتبني للكيان الصهيوني ناهيك عن أن تل أبيب تعد الولايات المتحدة أهم حلفائها فإن هذا يعني أن الموساد لا يتردد في محاولة تجنيد العملاء أو زرع عملائه اليهود في أي دولة في المنطقة أو العالم وغالباً ما يعول قادة الموساد على ابتزاز الذي يعمل معهم من غير اليهود بكل أشكال معدة سابقاً للضغط عليه بل قد يصفونه بعد استخدامه خشية من أن يصحو ضميره ويقرر تضليلهم انتقاماً، أما اليهودي فيعدونه يقوم بما تمليه عليه الصهيونية وكأنه جندي في صفوفها ولذلك كان اختيارهم لجوناثان بولارد اليهودي الأميركي وضابط التحليل في البحرية الأميركية.
وفي النهاية لن تتردد تل أبيب بممارسة كل ما تراه مناسباً لتحقيق أهدافها بالتنسيق مع الإدارات الأميركية ونيل موافقتها ودعمها وليس بإخضاعها لسياساتها.