نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني .
«يا الهي، الى اين يمضي بنا هذا الشراع الذي بمائة سارية؟».
هذا السؤال للشاعر التركي ناظم حكمت نطرحه على أنفسنا. ما معنى ان ينص الدستور على أن «لبنان عربي الانتماء» حين تتقطع أوصالنا، وحين تتقطع بنا السبل؟ نصفنا في الشرق ونصفنا في الغرب. أما من نصف ثالث؟
هنا مقاربة عبثية للجدل حول الطريق الذي يفترض بلبنان أن يسلكه. لندع المعترضين على الطروحات الأخيرة يقولون «تريدون من لبنان أن يذهب شرقاً؟ نأخذ سوريا، شقيقتكم العزيزة، مثالاً. منذ الخمسينات، اختارت الشرق واعتمدت الاشتراكية كنظام اقتصادي، بالرغم من الضبابية بل ومن الالتباس الايديولوجي، والتطبيقي، لذلك النظام. ما كانت النتيجية؟».
«روسيا، أمبراطورية النفط والغاز، بالقاعدة الاستراتيجية في سوريا التي حققت فيها حلم بطرس الأكبر بالوصول الى المياه الدافئة، لم تتجرأ على أن تبعث ببرميل نفط، أو بقارورة غاز، الى السوريين الذي كان عليهم أن يعيشوا أهوال الصقيع، بعدما استولى دونالد ترامب على حقول النفط في بلادهم».
يتجاهلون أن موسكو قدمت لدمشق، منذ عام 2020، مائة ألف طن من القمح، ويسألون ماذا تفعل روسيا حين ترى السوريين يلهثون وراء رغيف الخبز، بعدما كان الرئيس حافظ الأسد قد اقتطع آلاف الأطنان من احتياطي القمح في بلاده لمساعدة روسيا ابان الأزمة الشهيرة؟
يسألون، ايضاً، عن الصين التي دقت كل الأبواب، بما في ذلك «البوابة الاسرائيلية»، ليكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط. أين هي في سوريا، وهل تجرأت على أن تضع حجراً في اعادة اعمارها؟ بملياراتها المنتشرة في أصقاع الدنيا خائفة من العقوبات الأميركية (وما بدكن ايانا نخاف من هيدي العقوبات)؟.
ويقولون ان سوريا، وأيضاً ايران، بالامكانات الضخمة على كل المستويات، وصلتا الى أقصى حدود المعاناة، وربما الى اقصى حالات الفاقة، بسبب العقوبات الأميركية. ماذا يحدث للبنان، بامكاناته الضئيلة، اذا ما اتجه شرقاً، وهو الذي ترعرع على الثقافة الغربية, وعلى الطراز الغربي في يومياته، منذ «حادثة «1920، واعلان الجنرال غورو قيام «دولة لبنان الكبير»؟
كلنا نعلم أن الولايات المتحدة تمسك بالمفاصل الاقتصادية، والمالية، والعسكرية، للكرة الأرضية. اضافة الى كونها الأمبراطورية التي تجاوزت، بمسافة ضوئية، تأثير الأمبراطوريات التي سبقتها على المستوى الاستراتيجي، دخلت حتى في البنية السيكولوجية والتاريخية للمجتمعات.
هذا التأثير لم يقتصر على دور الشبكة العنكبوتية في نقل العالم الى زمن آخر. الأميركيون تمكنوا من تسويق اسلوب حياة، بل وفلسفة حياة، في أرجاء المعمورة، وحتى في الداخل الروسي والداخل الصيني.
اذ لا يمكن اغفال دور واشنطن في ابقاء الشرق الأوسط على تخوم القرون الوسطى، لا مجال لتجاوز الدور البربري للطبقة السياسية في وصول لبنان الى ما وصل اليه، ولكن هل ثمة من ينكر أن هذا البلد الذي كان الوحيد في اجتثاث الاحتلال الاسرائيلي، يدفع الآن ثمن تحطيمه الحلقة الأخيرة من سيناريو صفقة القرن؟
هذه الصفقة التي كانت ترمي، وبادارة مباشرة من المؤسسة اليهودية، وبالتواطؤ مع قوى داخلية وخارجية، الى تغيير البنية الديموغرافية، والبنية الدستورية، للبلاد بتوطين اللآجئين الفلسطينيين، والنازحين السوريين.
«خطيئتنا» أمام جاريد كوشنر، وأمام ديفيد شينكر، أننا رفضنا أن يكون لبنان القهرمانة في بلاط يهوذا، وأن يتمزق من الداخل خدمة للسيناريو الجهنمي اياه.
في نهاية المطاف، أهواؤنا هويتنا. النص الدستوري نص ميت. كم لبنان في لبنان؟ كم لبنان في هذه… الغرنيكا؟
حتى الآن، ماذا فعلت الولايات المتحدة للبنان؟ بانتظار ظهور الاله الصيني تبقى، في المنطقة، بمثابة القضاء والقدر (الله على الرف مهما بالغنا في صلواتنا، وفي أدعيتنا). دولة جاذبة للكثير منا، حتى وهي تقودنا، من أجل «اسرائيل» الكبرى، الى التسول على أرصفة الأمم. على… أرصفة العدم!!