مقالات مختارة

هل يمكن أن تطيح الأزمات الداخلية بطموحات إردوغان الرئاسية 2023؟

هدى رزق | باحثة في الشأن التركي والإقليمي

عديدة هي المؤشرات التي تؤكد عمل كل الأحزاب التركية على ترتيب صفوفها وتحالفاتها استعداداً للانتخابات، إذ تشهد السياسة الداخلية التركية تحركات شملت تأسيس أحزاب عدة وتحضيرات وعقد تحالفات.

ومع تزايد الاحتقان السياسي في الداخل التركي، وانشقاق شخصيات في أكبر حزبين، حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الشعب” الجمهوري، وظهور أحزاب جديدة، حاولت المعارضة جرّ تركيا إلى انتخابات مبكرة برلمانية ورئاسيّة بتوقيت مناسب لها، في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع وتيرة المطالبة بالديموقراطية، ولا سيما في ظل حظر وسائل التواصل الاجتماعي ووضع مراقبة عليها، وسيطرة الحكم على القضاء، وبروز مؤشرات خارجية من الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية الجديدة بضرورة دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنَّ الرئاسة التركية أكّدت أنّ الانتخابات لا تسير على أهواء الأشخاص، وستتم في موعدها، أي في العام 2023.

الخريطة الانتخابيّة السياسيّة الجديدة
تغيّرت الخريطة الانتخابية الجديدة بشكل تدريجيّ، بعد أن كان الانقسام الانتخابي في العام 2018 بين تحالف الشعب (“العدالة والتنمية”، حزب “الحركة” القومية) وتحالف الأمة (حزب “الشعب” الجمهوري، حزب “الجيد”، ومن خلفهما حزب “الشعوب” الديموقراطي).

أعلن في كانون الأول/ديسمبر 2020 عن تأليف حزب “التغيير” الذي أطلقه الرئيس السابق لبلدية شيشلي في إسطنبول مصطفى صارغول، كذلك أعلن عن “الحزب الديموقراطي”، وهو حزب كردي جديد بقيادة رشيد آكنجي، وحزب “التجديد” الذي أعلن عن تأسيسه قنصل تركيا السابق في الموصل أوزتوك يلماز. وتوالت الأنباء عن سعي المرشح السابق للرئاسة والمنشقّ عن حزب “الشعب” الجمهوري، محرم أنجي، إلى إنشاء حزب يحمل اسم “حركة الوطن”.

كذلك، أعلن النواب البرلمانيون محمد علي تشلبي وأوزجان أوزال وحسين عوني أقصوي استقالتهم من حزب “الشعب” الجمهوري التركي. ومع استقالة النواب الثلاثة، تراجع عدد مقاعد حزب “الشعب” الجمهوري المعارض في البرلمان التركي إلى 135 مقعداً.

وكانت قد خرجت من رحم حزب “العدالة والتنمية” أحزاب جديدة، مثل حزب “الديموقراطية والنهضة” برئاسة علي باباجان، الذي تولى حقائب وزارية كوزارة الاقتصاد، وكان نائباً لرئيس الوزراء، وازدادت، بحسب بيانات المحكمة الاستئنافية، أعداد المنتمين إلى هذا الحزب من 9 آلاف إلى حوالى 16 ألفاً. وهناك حزب “المستقبل” برئاسة رئيس الوزراء ورئيس حزب “العدالة والتنمية” السابق، أحمد داوود أوغلو، والذي ازداد أيضاً عدد أعضائه من 14 ألفاً إلى 18 ألف منتسب. وقد عقد الحزبان مؤتمرات في معظم الولايات التركية. كما ازدادت أعداد المنتمين إلى حزب “الجيد القومي” حوالى ألف. أما حزب الشعب الجمهوري، فقد فَقَدَ المئات من دون تحقيق أي مكاسب جديدة.

كذلك ازداد أعضاء حزب “العدالة والتنمية” حوالى مليون، فأصبحوا 11 مليوناً، بينما انخفض عدد أعضاء الحركة القومية حوالى 2000 عضو. وأدت انتقادات للحكومة من شخصيات سياسية كسلجوق أوزداغ، نائب رئيس حزب المستقبل المعارض الذي يتزعمه داوود أوغلو، وأورهان أوغوروغلو، وهو صحافي، وأفسين هاتيبوغلو، المحامي الذي يقدم برنامجاً تلفزيونياً، إلى اعتداءات بالضرب عليهم من قبل شبان متطرفين من الحركة القومية، ما أثار استياء عاماً، وأطلق دعوات للمحاسبة.

واقع القوة الناخبة لحزب “العدالة والتنمية”
إلى جانب تأمين شعبيته، قام رئيس حزب “العدالة والتنمية” الذي يضم محافظين من جميع المشارب الإسلامية والقومية بدعم مجموعة من التيارات الدينية المحافظة والإسلامية والوطنية واليمين الوسطي والقومية المتشددة من أجل موازنة القوى الأخرى في تركيا، وذلك بعد أن أدت الحرب في سوريا، وتدفق ملايين اللاجئين إلى تركيا، واستئناف الصراع مع حزب العمال الكردستاني، ومحاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016، إلى تقوية هذه القوى، ما أدى إلى تأجيج القومية الوطنية، إلى جانب اقتناع إردوغان بعد العام 2015، أي بعد الحرب التي خاضها ضد المناطق الكردية التي توالي حزب العمال الكردستاني، بأنه يستطيع استبدال الأصوات الكردية المفقودة بقوميين متشددين.

ناخبو حزب “العدالة والتنمية” ليسوا جميعهم إسلاميين سياسيين. الكتلة الكبيرة تنقسم بين محافظين معتدلين وقوميين، وهي أقوى من التيار الديني المحافظ الذي ينحدر منه العديد من نشطاء الحزب. القوى المحافظة الإسلامية تريد من تركيا أن تقود وتحمي الأمة ومجتمع المسلمين، وأن توسع التعليم الديني، وتحقق التوازن بين هذه القوى الموازية.

أما المجالات التي تتفق فيها هذه الفصائل، فهي السياسة الخارجية، وفي الصميم التشدد المناهض لحزب “الشعوب” الديموقراطي، باعتباره جزءاً من حزب العمال الكردستاني، وتبني نهج حازم في مواجهة الغرب، ولا سيّما الولايات المتحدة.

ويتشارك كلّ من “الإسلاميين” وجماعة “تركيا أولاً” في قناعة مفادها أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى إضعاف تركيا، لكن بدأ دعم طيف واسع من المحافظين المعتدلين، أصحاب التفكير التقليدي والتنمية المدينين، بالتراجع بسبب تباطؤ الاقتصاد والفساد المحلي الّذي يرون أنه بُني على المحسوبيات، ولا سيما بين الناخبين الشباب، فالذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً هم الآن أكبر كتلة ديموغرافية في تركيا، وسينضم عدة ملايين آخرين إلى صفوف المصوتين قبل الانتخابات المقررة التالية في العام 2023.

إردوغان والسعي إلى تحالفات جديدة
يدرك إردوغان جيداً أنَّ النزعة القومية المستوحاة من حزب “الحركة القومية” آخذة في الصعود على مستوى القاعدة الشعبية لحزب “العدالة والتنمية”، ما يهدد بسيادة العلمنة وانتزاع بعض شرائح قاعدته. ولمنع مثل هذه التحولات، يحتاج إلى التأكّد من أن قاعدته ستظل ملتزمة بالقيم المحافظة، والحفاظ على مؤهلاته الإسلامية السياسية، إذ يمكن للأحزاب المحافظة الجديدة أن تأخذ من شعبية إردوغان، ولا سيّما بعد قيام النائب مصطفى نياز أوغلو بالانسحاب من حزب “العدالة والتنمية” والذهاب إلى حزب “الديموقراطية والتقدم”. وبذلك، أصبح لعلي باباجان نائب في البرلمان.

يسعى إردوغان إلى تحالفات جديدة. وقد قام بزيارة منزل رئيس المجلس الاستشاري في حزب “السعادة” أوغوز خان أصيل تورك في أنقرة، والَّذي انفصل عن حزب “الرفاه” الذي أسّسه رئيس الوزراء السابق وأب الإسلام السياسي نجم الدين أربكان. والجناح الثاني المنفصل عن “الرفاه” هو حزب “العدالة والتنمية”.

بعد هذه الزيارة، قام إردوغان بزيارة قبر معلّمه أربكان في خطوة لافتة إعلامياً من أجل استقطاب الأحزاب الإسلامية الصغيرة، فحزب “السعادة” يملك 700 ألف صوت ثابتين انتخابياً، لكن يبدو الصراع على أشده بين باباجان وإردوغان على استقطاب هذا الحزب الذي صرّح رئيسه بأنه ينتظر تغييراً في سياسة إردوغان الذي وعد بالإصلاح القضائي وإصلاحات أخرى إبان شهر شباط/فبراير، ما أثار حفيظة دولت بهشلي، رئيس الحزب القومي، الذي يرى تغييراً في سياسة إردوغان الخارجية، وهو يخشى تقلبات الرجل وبراغماتيته، كما يخشى إطلاق سراح مساجين سياسيين، على رأسهم صلاح ديمرتاش.

وما يزال المحافظون المدينيون والتقليديون من الطبقة العاملة والمتوسطة، والذين لطالما كانوا جوهر حزب “العدالة والتنمية”، يشكلون جزءاً من التعددية الحزبية، لكن المجموعات الأصغر سناً لا تتبنى المعايير نفسها التي يعتمدها هؤلاء الأساسيون، وبات إردوغان يعتمد بشكل متزايد على أقصى اليمين للحفاظ على حكمه. شريحة الشباب المدينيين يحترمون بشكل عام إرث إردوغان، وينظرون إليه على أنه “أفضل الأسوأ”، لكنه أيضاً تجسيد لمؤسسة يُنظر إليها على أنها فاشلة للأتراك الشباب الذين أصبح معدل البطالة بينهم يتراوح بين 20 و25%.

يعتبر جميع الشباب، إلى أيّ حزب انتموا، أن اللاجئين السوريين في طلبهم العمل، ارتضوا أجوراً متدنية، ما أقفل باب العمل أمام الشباب التركي، ويرون أنّ على هؤلاء العودة إلى بلادهم، فهم يستهلكون البنية التحتية والبيوت التي أصبحت غالية الأجر، حتى إن رئيسة حزب “الجيد” أكشنر صرّحت بأنَّ حرياً باللاجئين الذهاب للقتال في بلادهم، وأنها ليست وظيفة الجنود الأتراك.

لقد سلكت الأزمة الاقتصادية طريقاً صعباً، ويصعب على الأتراك الذين نسوا الأزمات الاقتصادية الحادة التي عاشتها تركيا قبل حزب “العدالة والتنمية” وتعوَّدوا على الرفاهية تقبّل هذا الواقع الاقتصادي الذي طرق أبواب تركيا قبل ومع انتشار جائحة فيروس كورونا التي دمّرت الاقتصاد. انقلبت تركيا، كما هو الحال مع معظم أنحاء العالم، رأساً على عقب بسبب جائحة فيروس كورونا وعمليات الإغلاق التي فرضتها الحكومة للسيطرة على انتشاره.

ميزان القوى اليوم خاضع للمتغيّرات، فتركيا تضجّ بمواقف الأحزاب الصغيرة، وأهمها موقف حزب “السعادة”. وقد حذّر حزب “الحركة القومية” من تقلبات إردوغان ومسايرته للغرب ومواقف حزبي باباجان وداوود أوغلو اللذين أقاما مخيمات حوارية في المناطق الكردية لاستعادة أصوات الكرد الإسلاميين على الأقل.

ميزان القوى، إذاً، يقع في يد المحافظين من مختلف الأطياف التي تجمّع بعضها حتى الآن حول إردوغان، لأنهم لا يرون خيارات أخرى أو لأنهم وجدوا أن بدائل المعارضة المقدمة في الانتخابات السابقة غير مستساغة. هذه المجموعة من الناخبين المحافظين المتأرجحين المحتملين هي التي بإمكانها توفير نسبة تزيد على 50% يحتاجها للفوز بالرئاسة مرة أخرى، ومنحه أغلبية برلمانية أو حجبها وحرمانه منها.

لم يكد حبر هذه التصريحات يجفّ، حتى جاءت حادثة الاعتداءات على شخصيات تنتقد حليف حزب “العدالة والتنمية” القومي للحكومة منذ أسبوعين، وهما أسلجوق أوزداغ، نائب رئيس حزب “المستقبل” المعارض الذي يتزعمه داوود أوغلو وأورهان أوغوروغلو، الصحافي الذي يترأس مكتب أنقرة لصحيفة “ينيكاج” اليومية، وأفسين هاتيبوغلو، المحامي الذي يقدم برنامجاً تلفزيونياً على قناة تنتقد الحكومة، والجميع انتقدوا جهاراً حزب “الحركة القومية”.

أما المعتديان، فهما شابان من فرع أنقرة، وهي المجموعة الشبابية التي تعتبر فرعاً من الحركة القومية التي اشتهرت بصدامات دامية في الشوارع مع اليساريين في السبعينيات. لا تبدو هذه الاعتداءات بريئة، فهي تحمل في طياتها تحذيرات لإردوغان البراغماتي الذي يخشى بهشلي تقلباته السياسية، ولا سيما بعد التحولات التي بدأت تظهر في السياسة الخارجية، وهو لن يتخلى عن حزب “الحركة القومية” لصالح حلفاء أكثر ملاءمة قبل انتخابات 2023.

وعد إردوغان بإجراء إصلاحات قضائية واقتصادية يكشف عنها في شباط/فبراير، تشمل الإفراج عن بعض المحكومين السياسيين بعد حملة قمع المعارضة التي أدت إلى سجن الآلاف منهم، بينما يرفض بهشلي أيّ تراخٍ في هذا الموضوع، كما تحرك إردوغان لزيارة أحزاب إسلامية، كحزب “السعادة”، خليفة حزب “الرفاه” الإسلامي، وقبر أساتذه نجم الدين أربكان لتشكيل كتلة سياسية ثالثة ستكون تحت سيطرته، وتقسيم المعارضة، لكن مثل هذه الكتلة يمكن أن تخفف من اعتماد إردوغان على حزب “الحركة القومية”. ومن هنا، أدت اتصالاته مع الأطراف الأخرى إلى إثارة أزمة ثقة في التحالف.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى