في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية من دون أفق للحل، تساءلت قناة “دويتشه فيله” الألمانية عما إذا ستتأثّر منطقة الشرق الأوسط برمتها بالانهيار الحاصل في لبنان، مشيرةً إلى أنّ دولاً مجاورة تقول إنّ مليارات الدولارات العائدة إليها عالقة في المصارف اللبنانية.
وفي التفاصيل أنّ القناة أوضحت أنّ لبنان كان يُعتبر “عاصمة الشرق الأوسط المالية”، متسائلةً عما إذ ستكر السبحة في المنطقة، بحيث تتسبب المصارف اللبنانية بمشاكل في الشرق الأوسط مشابهة لما تسببت به اليونان للاتحاد الأوروبي خلال أزمة العام 2008 المالية.
أين المليارات؟
في هذا السياق، ذكّرت القناة بتحميل الرئيس السوري بشار الأسد في تشرين الثاني الفائت مسؤولية الأزمة السورية لما يجري في لبنان، حيث صرّح أنّ ما بين 20 و42 مليار دولار من ودائع السوريين ربما فقدت في القطاع المصرفي اللبناني. وآنذاك، قال الأسد: “هذا الرقم بالنسبة لاقتصاد سوريا مخيف”.
كما لفتت القناة إلى ورقة بحث نشرها مركز “صنعاء للدراسات الاستراتيجية” في أوائل العام 2020، مبينةً أنّها تحدّثت عن وجود نسبة 20% من احتياطي العملات الأجنبية اليمنية، المقدّرة بنحو 20 مليار دولار، عالقة في المصارف اللبنانية. أمّا في كردستان، فيقول السياسيون إنّ ما يصل إلى مليار دولار من عائدات بيع النفط عالق في أحد المصارف اللبنانية، وفقاً للقناة.
معدلات الفائدة المرتفعة عامل جذب
اعتادت الحكومات والشركات في منطقة الشرق الأوسط على إيداع أموالها في المصارف اللبنانية، مستفيدةً من قوانين السرية المصرفية والإعفاءات الضريبية، بحسب ما يوضح تقرير القناة. وعلى مدى سنين طويلة، عمدت المصارف اللبنانية المحلية إلى عرض فوائد “مبالغاً فيها” على الودائع بالدولار بهدف جذب المودعين. ووفقاً لمجلة “إنترناشيونال بانكر”، كان لبنان واحداً من بلدان قليلة قدمّت فوائد مرتفعة جداً للمستثمرين في الفترة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية، وهذا ما جعل لبنان “وجهة جاذبة للمستثمرين الأثرياء من مختلف أنحاء العالم”.
ماذا يقول الخبراء؟
ريم عيادي، البروفيسورة في كلية إدارة الأعمال في جامعة سيتي في لندن، ورئيسة جمعية الاقتصاديين الأورومتوسطية، قالت للقناة: “وصف كثيرون هذا النظام بمخطط بونزي (مخطط احتيال) حيث كانت تُستخدم الأموال الجديدة المقترضة لتسديد الديون القديمة”. وفي حديث عن الأرقام، توضح القناة الألمانية بالقول: “بعبارة أخرى، كسبت البلاد نحو 18 مليار دولار في العام 2020، إلا أنّها مدينة بنحو 93 مليار دولار”.
ما يجري يشبه الأزمة المالية في 2008؟
يستبعد مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى “إس.ايه.إم كابيتال بارتنرز” للاستشارات الاستثمارية في لندن، خالد عبد المجيد، أن تكون تداعيات الأزمة اللبنانية مشابهة لتداعيات الأزمة اليونانية على الاتحاد الأوروبي. ويقول: “أثّرت (الأزمة) على لبنان بشكل أساسي، وسوريا بدرجة أقل”، معتبراً أنّ الكارثة “أثّرت على الأفراد والشركات بشكل أساسي”. وبحسب عبد المجيد الذي يعمل في المنطقة منذ أكثر من 27 عاماً، فإنّه يعرف شخصياً أفراداً يملكون ودائع تتراوح بين 200 و500 ألف دولار عالقة في المصارف اللبنانية. كما يكشف عبدالمجيد أنّ إحدى الشركات التي تتخذ دبي مقراً لها أُجبرت على شطب نحو 8 ملايين دولار في العام 2020، لأنّها عجزت عن إخراج المبلغ من لبنان.
من جانبه، يرى الخبير المالي مايك عازار أنّ “النظام المالي اللبناني محلي جداً (كي يؤثر على بلدان عديدة غير لبنان)”، موضحاً: “من المؤكد أنّ عدداً كبيراً من الأفراد والشركات غير اللبنانية تأثر، ولكن بشكل محدود وليس منهجياً”. وأضاف: “بل تمضي المنطقة قدماً من دون لبنان”.
الانهيار وشيك
يعتقد عبدالمجيد أنّ المودعين قد يحصلون في نهاية المطاف على قسم صغير من أموالهم، مؤكداً أنّ المسألة متعلقة بقرار سياسي. ونظراً إلى أنّ المؤسسات القادرة على مساعدة لبنان مثل صندوق النقد الدولي ربطت تدخلها بالإصلاحات، يخمّن عبدالمجيد أن يستمر الوضع على حاله لبعض الوقت “حتى تنهار البلاد تماماً”، أو حتى “تدرك القوى أن شيئاً لن يبقى لتحكم ما لم تتنازل”.