سامي كليب | مؤسس ورئيس تحرير موقع خمس نجوم
منذ أواخر الشهر الماضي، تتعدد التحليلات حول رسالة مفترضة من الرئيس السوري بشار الأسد الى اسرائيل، ولقاءات سرية قيل انها حصلت بين الاسرائيليين والسوريين في قاعدة حميميم الروسية. أصلُ الخبر يستند الى ضابط اسرائيلي رفض الكشف عن اسمه تحدث الى موقع “ايلاف” السعودي. ثم سرعان ما تصدّر التسريب عناوين بارزة في نشرات تلفزيونية وصحف عربية معارضة أو محايدة. هل هذا ممكن؟
لنلق نظرة أولا على حرفية ما جاء في موقع “ايلاف”:
جواب الضابط الاسرائيلي المزعوم في 21 الجاري كان ردا على السؤال التالي: هلا يمررون ( اي الروس) رسائل من السوريين اليكم؟ فيقول :”نعم بالتأكيد وليس عبرهم فقط، فالرسائل من السوريين تصلنا عبر أطراف أخرى، وبشكل مستمر”. اسرائيل عادة لا تكشف عن اي رسالة الا لتفشيل الأمر وليس للذهاب صوبه.
ثم يسأله الصحافي: ماذا يريد السوريون منكم؟ فيجيب الضابط المجهول الإسم: “يريدون العودة للجامعة العربية ويريدون مساعدات اقتصادية مثل الوقود وغيرها ويريدون اموالًا كي يدفعوا للإيرانيين ليخرجوا من سوريا ويريدون تثبيت نظامهم. فالأسد يريد الاقتراب من المحور السني من أجل تسديد ديونه لإيران وإخراجها من سوريا ويرى امكانية إسرائيل مساعدته مع الولايات المتحدة من جهة ومع المحور الخليجي والسني من الناحية الأخرى”.
لنطرح ثانياً الأسئلة التالية؟
· اذا كانت اسرائيل هي التي ستعيد سوريا الى جامعة الدول العربية كما يقول الضابط، فهذه كارثة على الجامعة قبل سوريا. او ما بقي من الجامعة. هل يعقل ان تكون اسرائيل هي الوسيط؟
· واذا كانت اسرائيل هي التي ستقرّب الأسد من المحور السني، فهناك أبواب أسهل للسوريين، ذلك ان سفارات الامارات والبحرين ومصر وغيرها مفتوحة في دمشق، والتفاهم معها أقصر وأكثر فعالية من الذهاب الى تل أبيب. وعاجلا أم آجلا سيكون من مصلحة سوريا والدول العربية استعادة علاقاتهم الدبلوماسية.
· واذا كانت اسرائيل هي التي ستأتي بالمال الى سوريا للدفع لايران بغية اخراجها من هناك، فلا شك ان دول الخليج على استعداد لدفع المليارات لتحقيق هذا الهدف، وهي عرضت ذلك مراراً، والمال العربي بهذه الحال أكثر كرما من أي مال آخر. فلماذا الوساطة الاسرائيلية؟
· واذا كانت اسرائيل تريد اشراك المعارضة (السورية) في السلطة، كما ذكرت بعض الفضائيات العربية، فهذا يسيء الى المعارضة قبل غيرها، ويجعل انصار السلطة في دمشق يؤكدون اتهاماتهم لبعض المعارضة بالارتماء في احضان اسرائيل، ما يعزز قدرات السلطة لا المعارضة.
· واذا كانت اسرائيل تفضّل بقاء الأسد، كما يقول الضابط الإسرائيلي، فلماذا حليفها الأهم في تاريخها الرئيس دونالد ترامب كان يريد قتله، وفق ما كُشف مؤخراً.
· واذا كانت اسرائيل وسوريا قد فتحتا قناة خلفية برعاية روسية في قاعدة حميميم، كما يسرّب بعض التقارير، فهل يعقل ان تكون الاجتماعات هناك واسرائيل تشن عشرات الغارات على سوريا منذ فترة، وآخرها عدوان جرى قبل أيام قتلت فيه مجموعة من العسكرييين السوريين بذريعة استهداف صواريخ ومقاتلين لايران وحزب الله؟
لنذهب ثالثاً الى المنطق:
· لم ترفض سوريا يوماً التفاوض. قبل رحيله، إنخرط الرئيس الراحل حافظ الأسد مرات عديدة بمفاوضات عبر الأميركيين ( 4 جولات في واي بلانتايشن)، وكذلك فان الرئيس بشار الأسد، وفي خطاب القسم الأول له حين وصل الى السلطة في العام 2000، دعا أميركا كي تكون راعيا نزيها للسلام، وقال حرفيا:”نؤكد هنا على أننا مستعجلون لتحقيق السلام ولكننا غير مستعدين للتفريط بالأرض ولا نقبل لسيادتنا أن تمس. بمعنى أننا نستعجل السلام لأنه خيارنا والشعب العربي السوري شعب محب للسلام عبر التاريخ”، ثم تفاوض مع إسرائيل عبر تركيا في العام 2008 وكان يعتقد أن هزيمتها في لبنان والتي ساهمت سوريا فيها بمساندة حزب الله ومررت اليه أسلحة من إيران، ستجعل إسرائيل أكثر إضطرارا لقبول الانسحاب من الجولان والتفاوض.
· كتب آنذاك الباحث الألماني فولكر بيرتس: «لا يمكن النظر إلى سوريا خارج سياقها الإقليمي، فالصراع العربي – الإسرائيلي الذي لم يُحل، أصبح يشكل عبئاً على بلد كسوريا، من حيث التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك سياسياً، ولهذا السبب سعى بشار الأسد إلى السلام مع إسرائيل. كان يعلم أن البلاد كما المنطقة بأكملها، ستشهد المزيد من الانحدار أمام المناطق الأخرى – مثل شمال أفريقيا أو جنوب شرق آسيا – ما لم يحل الصراع في الشرق الأوسط. ولذلك انخرطت سوريا في ظل حكم بشار الأسد في عملية السلام مع إسرائيل وكانت صادقة”.
· واذا كان الأسد إستبشر بامكانية السلام في مستهل عهده، خصوصا ان أميركا انفتحت عليه وجاءت وزيرة خارجيتها مادلين اولبرايت تشارك في جنازة والده، كما ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك سانده في تطوير الادارة السورية، واذا كان أيضا قد استهل اولى زياراته الخارجية الى دول عربية موسومة بالاعتدال مثل مصر والسعودية، وشارك في قمة السلام في بيروت عام 2002، الا ان التفاوض مع اسرائيل اصطدم كما كان حاله مع الرئيس حافظ الأسد بعقبة عدم رغبة اسرائيل بترك مياه بحيرة طبريا. وغالبا ما كانت المفاوضات تنهار بسبب 10 بالمئة فقط من هضبة الجولان والتي تريد اسرائيل الاحتفاظ بها.
· بعد تغيير الادارة الاميركية ومجيء جورج بوش الابن والصقور التبشيريين ذوي النزعات الانجيلية-الصهيونية، وعودة الهيجان الدموي لآرييل شارون، وجد الأسد نفسه مضطرا لرفع مستوى الخطاب، حتى وصل الى قناعة بان “اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة” وبأن تعزيز تحالفه مع ايران وحزب الله والتنظيمات الفلسطينية بات الخيار الأفضل.
· العروض التي يتحدث عنها حاليا الضابط الاسرائيلي لموقع “ايلاف”، حملها سابقا وزير الخارجية الأميركية كولن باول في أواخر صيف العام 2003 مباشرة بعد غزو العراق. وابرزها فك التحالف مع ايران، وقطع العلاقة مع حزب الله، وطرد التنظيمات الفلسطينية وخالد مشعل، والتعامل مع السلطة الفلسطينية الجديدة بقيادة محمود عباس اضافة الى محمد الدحلان الذي ذُكر في اللقاء 3 مرات، واضاف شرطا آخر وهو منع العلماء العراقيين من دخول العراق، ناهيك عن الشروط الاخرى المتعلقة بالحدود وغيرها. كان رد الأسد انه لا يستطيع طرد اي فلسطيني الا الى بلاده وان عملية سلام عادلة وشاملة كفيلة بذلك.
ماذا رابعاً عن روسيا ؟
للرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغبة جامحة بأن يكون وسيط السلام، وبان ينجح حيث فشل غيره. فعلاقاته بسورية وإيران ممتازة، وعلاقته بإسرائيل ممتازة ايضاً، وعنده ثقل يهودي روسي كبير داخل اسرائيل يصل الى اكثر من مليون 300 الف شخص. كما انه لم يمنع ابدا أي عدوان اسرائيلي على مواقع ايرانية او تابعة لحزب الله على الاراضي السورية.
للرئيس الروسي أيضا رغبة بان يكون هو الشريك الوحيد للدولة السورية لاحقا من دون ايران ولا تركيا.
· في المعلومات، انه في خلال اولى اللقاءات الاميركية الروسية مع بداية الحرب السورية، كان الروس وليس الاميركيون هم من اقترحوا اعادة الاستقرار الى سوريا مقابل اعادة اطلاق عملية سلام حقيقية في المنطقة، وكان المنطق الروسي يقول ان سوريا مع نظام مستقر أكثر ضمانا للسلام من سوريا الغارقة بالفوضى لاحقا.
· في المعلومات كذلك ان كل الاتصالات الروسية الاميركية والروسية الاسرائيلية والروسية الخليجية كانت ترتكز الى مقولة مفادها، أن ايران وحزب الله يخرجان من سوريا حين يستقر الوضع وتستعيد الدولة سيطرتها على كل الاراضي ويتم استئصال الارهاب. وقد عرف بوتين كيف ينسج علاقات ممتازة مع مكونات سُنيّة داخل سوريا نفسها، ويرسل مفتين روس او شيشانيين الى مناطق المصالحات كي يطمئنوا المعارضين.
الخلاصة:
· امكانية التفاوض تبقى قائمة، والروس يرغبون بذلك.
· احتمال وجود قنوات خلفية تفاوضية ممكن بعد كل حرب في العالم.
· هناك دول تحاول ان تعيد اطلاق عملية تفاوضية سورية-اسرائيلية، ولا يقتصر الأمر على روسيا. فهل يُعقل مثلا ان تعود الامارات الى سوريا قبل اشهر قليلة من تطبيعها مع اسرائيل، دون ان تكون راغبة بلعب دور في هذا السياق، وهي التي لعبت ادوارا في المغرب والسودان وغيرهما.
· ترامب شرّع احتلال اسرائيل للجولان ليس كي تبقى فيه وانما للتفاوض عليه بشروطها لاحقا.
لكن هل يستطيع عاقل ان يفكّر بأن ما تم رفضه قبل الحرب أي التنازل عن 10 بالمئة، يُمكن ان يتم قبوله اليوم بعد تدمير قسم كبير من سوريا، وبعد التحضير لسنوات طويلة لجبهة محتملة عبر الجولان من قبل الجيش السوري وحليفيه ايران وحزب الله؟ وبعد ان قال الأسد وحلفاؤه مرارا ان احد اهم اسباب هذه الحرب هو تموضع سوريا في قلب محور المقاومة؟ ولنفترض ان كلام الضابط الاسرائيلي صحيح، فهل يُمكن ان يضحي الرئيس السوري بايران وحزب الله والجولان مرة واحدة؟
تمر سوريا حاليا في مخاض عسير، فلا الدولة استعادت كل أراضيها، ولا الوضع الاقتصادي محتمل، ولا الديمقراطيون الاميركيون من النوع الذي سيتساهل مع الأسد، ولا صورة الانتخابات السورية والايرانية المقبلة واضحة بعد، ولعل المنطقة السورية الجنوبية المحاذية لفلسطين المحتلة هي الأكثر حساسية ودقة وخطرا… فاما ينجح الروس بالتفاهم مع الرئيس جو بايدن في سحب هذا الفتيل واعادة اطلاق عملية تفاوض حقيقية آخذين بعين الاعتبار التقدم المحتمل في المفاوضات الاميركية الايرانية، واما سيتشدد الرئيس الديمقراطي حيال روسيا وايران والأسد، فيشهد الوضع السوري تطورات عسكرية غير مألوفة على جبهة اميركا-ايران-اسرائيل-سوريا.
العودة الى التفاوض مُمكنة. هذا منطق الأمور. لكن حتما ليس الآن في ظل كل هذا الضباب. واذا حصلت فستكون حتما برعاية روسية-اميركية، وبتفاهم بين بايدن وبوتين، وهذا ليس واضحاً بعد.
موقع خمس نجوم