نضال بركات | كاتب وباحث سوري
تطورات هامة شهدتها سورية خلال الفترة الأخيرة تؤكد بأن الحرب القذرة عليها في نهايتها وأصبح المشروع السياسي الغربي لإسقاط الدولة السورية في مهب الريح ، لكن هذه الحرب العالمية انعكست بشكل خطير على إمكانيات وقدرة الدولة على تأمين المتطلبات المعيشية اليومية للسوريين ، ونتيجة لهذا الوضع السيء لا بد من اتخاذ خطوات هامة وعاجلة لمواجهة المرحلة الخطيرة اللاحقة وأهمها في الجانب الإقتصادي ومعيشة السوريين وحالة الفقر التي وصلوا إليها ، وهذه مسؤولية الدولة التي عليها إعداد الخطط لمواجهة هذه المرحلة الخطيرة لتكون سورية أقوى من أي مرحلة سابقة ، المؤكد أننا في وضع سيء والدولة مفلسة والإمكانيات ضعيفة بعد أن تسببت هذه الحرب القذرة في هجرة العقول واصحاب رؤس الأموال إلى الخارج والتدمير الكبير الذي لحق بالبنية التحتية، وهذا ما أضعف الدولة السورية والجميع بانتظار انفراج الوضع الذي لم يعد محمولا بعد أن أصبحت غالبية الشعب السوري تحت خط الفقر ، وعلينا أن نكون واقعيين لأن المواطن السوري بات عاجزا عن تأمين متطلباته اليومية ولو تابعتم ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي يؤكد هذه الحالة المزرية حتى إن البعض يتساءل هل هذا ما أصابنا نتيجة صمودنا لنرى أثرياء الحرب الفاسدين ينعمون بما سرقوه ونحن نموت جوعا، ونتيجة لذلك فإن الكثير من السوريين مستعدون للهجرة لتأمين لقمة عيشهم فهل أعدت الحكومة الخطط اللازمة لوقف هذه الهجرة ؟
وما هي الإمكانيات والخطط الإقتصادية المتاحة لديها لعودة المهجرين واصحاب رؤوس الأموال ؟
أسئلة تدور في مخيلة الكثيرين وتشغل بالهم …وهذا ما يتطلب من الحكومة التفكير بطريقة مختلفة عما كان الوضع قبل الأزمة وخلالها لأن الوضع بات كارثيا فقبل الحرب على سورية كان هناك ثلاث طبقات فقيرة وهي قليلة والطبقة الوسطى والطبقة الغنية أما الآن يوجد طبقتان الأغلبية تحت خط الفقر وطبقة الاغنياء بمن فيهم أثرياء الحرب حديثو النعمة أما الطبقة الوسطى لم تعد موجودة وبات الشعب السوري في حالة يرثى لها ، وبالتالي إن كنا جادين في ازدهار سورية علينا الابتعاد عن أساليبنا الإقتصادية السابقة والمغلقة التي لا تخدم سوى مصالح رجال الأعمال ومن يدعمونهم لأنهم يستغلون القوانين المحلية لزيادة ثرواتهم …
ولكي تكون سورية قوية ودون أي نفوذ للمسؤولين والتجار الفاسدين الذين لا يفكرون إلا بمصلحتهم وهم أحد المسببين للفقر والحجة لديهم الحصار وقانون قيصر وهذا غير صحيح وعلى الحكومة أن تفكر جيدا بإيجاد الطرق للحل بالاستعانة بالاصدقاء المحبين لسورية وما أكثرهم للاستفادة من خبراتهم لحل المشكلة الاقتصادية وعدم الارتهان للصندوق والبنك الدوليين وهذا ما كان مرفوضا في سورية من قبل الأزمة ويجب أن يستمر لأن هاتين المؤسستين لا تمنح القروض إلا برهن القرارات السياسية لأي بلد وهذا مرفوض سوريا ….
إن مسؤولية الحكومة إيجاد البدائل السريعة والتفكير بطريقة مختلفة عما كانت سابقا لتكون سورية قوية ، والطريقة المثلى لذلك هو الإسراع بعقد ورشة عمل سياسية وإقتصادية يشارك فيها أصحاب الخبرة ودراسة ما لديهم جيدا من خطط في هذه الورشة بعيدا عن الإملاءات والشروط الخارجية وأهمها عدم السماح لأي وجود لخبراء يتبعون للصندوق والبنك الدوليين …
وأمام هذه الورشة يجب الاستماع إلى جميع الأفكار المطروحة وعدم إهمال إمكانات سورية الاقتصادية الكثيرة التي كانت تشكل دعما كبيرا للاقتصاد وهي ستعود لاحقا ،ولكن في ظل التدمير الذي لحق بالبينة التحتية لا بد من التفكير بطرق أفضل لتحقيق نهضة اقتصادية قوية وإعادة الإعمار ويجب العمل سريعا على إعادة المهجرين وتوفير الاقامة اللائقة لهم ليساعدوا في إعادة الإعمار، أما فيما يتعلق بتوفير المال اللازم لتقوية الاقتصاد لا بد من الاستفادة من نصائح الخبراء التي يرى بعضهم بضرورة السماح لبنوك دولية معروفة افتتاح فروع لها عبر وكلاء محليين وبإشراف مصرف سورية المركزي وتكون هذه البنوك بعيدة عن تأثيرات سياسية خارجية وبالتالي فإن هذه المصارف ستدفع الضرائب المترتبة على نشاطاتها ورواتب موظفيها والأهم من ذلك هو قدرة هذه المصارف على الإقراض لفترة طويلة وبفائدة بسيطة وهذا ما يساعد في إعادة الإعمار وتحسين سعر الصرف ويساعد ذلك على تحريك الإقتصاد …
وأيضا ما قد يطرح من أفكار هي مساعدة الدول الصديقة دون الارتهان السياسي لها وأيضا يمكن الاستفادة من العقول المهاجرة ودعمهم لبلدهم وحتى من أصحاب رؤوس الأموال المهاجرة التي افتتحت مصانع لها في اماكن إقامتها واعداد هؤلاء كثيرة جدا وهذا ما يشكل دعما قويا للاقتصاد السوري بعد رفع العقوبات عن سورية حينها ستصبح لدينا شركات كبيرة تساهم في إعادة الإعمار ،ولهذا فإن ورشة العمل يجب أن تناقش كل شيء لأن العام 2022 هو البداية للازدهار ولتحقيق ذلك لا بد النقاش جيدا هو في الكيفية التي ستقررها الدولة للنهوض وتأمين متطلبات النهوض دون استدانة أو ارتهان للخارج وهذا ما عجز عنه الأعداء لهذا ابتعدوا وانهوا حربهم القذرة التي غرقوا في رمالها المتحركة …..لكن آثار هذه الحرب القذرة مؤلمة جدا وما تحمله السوريون كبير جدا والأهم من ذلك هو النفس الطويل لدى السوريين فهل يرضخون للأعداء وما خططوا له؟ بالتأكيد لا وما تحملوه خلال السنوات العشر الماضية سيزول والأزمة في نهايتها ورغم ذلك الأداء الحكومي لا يرتقي لمستوى المعانات ولكن من يرسم السياسة السورية هو من تحمل أعباء هذه الأزمة وكما كانت هذه السياسة قوية في السابق هي ذاتها التي صمدت في هذه الأزمة وأفشلت مشروع تدمير سورية ….
أملنا كبير بعودة سورية أقوى مما كانت عليه قبل الأزمة …