خالد العبود | عضو مجلس الشعب السوري
-تمّ إعداد “أردوغان” جيّداً، باعتباره كان أحد أهم الخيارات الأمريكيّة لتركيا والمنطقة، بعد أن رفض البرلمان التركيّ طلباً أمريكيّاً لاستعمال الأراضي التركيّة، من أجل غزو العراق، وعليه فقد كان مطلوباً أن يتمّ تجاوز تركيا “العلمانيّة”!!..
-لا يمكن تجاوز تركيا “العلمانيّة” إلا بنظام دينيّ، وهو نظامٌ يحاكي بُنى أنظمة أخرى على مستوى المنطقة، وذلك في تقدير الأمريكيّ، فلم يكن أفضل من “أردوغان” للقيام بهذا الدور الهام والكبير، والذي سيكون حلقة رئيسيّة في إعادة ترتيب المنطقة، وخاصة لجهة عنوان استقرار “إسرائيل”، التي ستكون أساسيّة فيها!!..
-لهذا نعتقد أنّ “اردوغان” كان يتحرك بغطاء وشرعيّة أمريكيّين، لدور لاحقٍ ينتظره على مستوى المنطقة، وهو دورٌ يقوم باستقطاب أبناء المنطقة تحت عنوان دينيّ – طائفيّ، تمهيداً لإعادة صياغة المنطقة وفق اعتبارات دينيّة، خاصة بعد سقوط بغداد..
-اعتقد الأمريكيّ أنّ العمل على إعادة ترتيب المنطقة، وفق اعتبارات دينيّة – طائفيّة، سوف يكون هاماً في السيطرة عليها، أو إحكام السيطرة عليها، خاصة وأنّ الدولة الوطنيّة التي قامت المنطقة على أساس منها لعشرات السنوات، كانت مساهمتها ضعيفة في تمكّن الولايات المتحدة من السيطرة المطلقة على المنطقة، إضافة إلى أنّ “إسرائيل” لم تستطع أن تنتقل إلى مرحلة وجودها “الطبيعيّ”!!..
-“أردوغان” حمل لواء “الأخوان”، بعد أن كان مطلوباً أن يحكم “الأخوان” بعض دول المنطقة، لكنّه لم يكن مسموحاً لأكثر من ذلك، بمعنى أن تنمو تركيا لتحاكي دوراً تاريخيّاً لعبته تحت الراية “العثمانيّة”، حيث كان مطلوباً أن يتقاسم “الأخوان” و”الوهابيّة” السلطة في المنطقة، بحيث يتقدم “الأخوان” ليرثوا سلطات البلاد التي انهارت فيها أنظمتها، وأن تبقى بعض النُظم التي تدور في فلك “مملكة آل سعود”، والتي تتحرّك بفضل “الوهابيّة السياسيّة”!!..
-لقد كان واضحاً ذلك وجليّاً تماماً، من خلال مراحل كانت تُدفع لها المنطقة، حيث احتاطت “ممالك العربان” جيّداً، وسوّرت على ذاتها، إضافة لانتشار “الأخوان” السريع والخاطف، في كلّ الدول التي استُهدفت أنظمتها، من خلال عدوان “الربيع العربيّ”، وهو ما كنّا قد وضّحناه منذ ساعاته الأولى..
-لكن هناك ملاحظتان هامتان، كانتا واضحتين منذ المراحل الاولى، وهما:
الأولى.. أنّ شيئاً من فوضى “الربيع العربيّ” مسّ بعض “ممالك العربان”، وتمّ الإنتهاء من هذا المسّ فوراً، لماذا؟!!..
الثانية.. أنّ تركيا لم يمسسْها شيء من هذا “الربيع”، بالرغم من أنّها كانت مرشحة لذلك جدّاً، لماذا أيضاً؟!!.
-أنظمة “ممالك العربان”، لا يتعامل معها الأمريكيّ باعتبارها طرفاً، يمكن أن يتفق معه على أدنى شيء، حيث يعتبرها دون ذلك بكثير، وهو حين يريد أن يدفعها لأيّ دور، يهشّ عليها بعصى تخيفها وتقلقها، ليأخذها إلى دورها، فعندما مسّ شيء من فوضى “الربيع العربيّ” أطراف تلك “الممالك”، كان الأمريكيّ يخيفها، ويلوح لها بعصى الفوضى..
-وعلينا أن نلاحظ هنا أنّ ما حصل من فوضى، لجهة هذه “الممالك”، لم يكن إلا في “الممالك” التي تصطفّ إلى جانب “مملكة آل سعود”، في حين أنّ “الممالك” التي وقفت ودعمت “الأخوان”، كانت متورّطة بالمشروع أكثر، ومثّلتها قوى “أخوانيّة”، أدارت حوارات واتفاقات مع الأمريكيّ، وهي مطّلعة تماماً على دورها، باعتبار أنها سوف تستلم مهام السلطات في أكثر من عاصمة ودولة، بمعنى أنّها كانت بالنسبة للأمريكيّ أكثر قرباً من الحكومات “الوهابيّة”، لهذا لم نشهد شيئاً من الفوضى، في تركيا أو في قطر على سبيل المثال!!..
-بهذا المعنى نعتقد أنّ “أردوغان” كان رئيسيّاً في مشروع العدوان الأمريكيّ، حين تسلّم مهام تعويم “الأخوان”، وتقديمهم كركيزة من ركائز استقرار المنطقة، لكنّه لم يكن “أخوانيّاً”، فوظيفته كانت رأس حربة في استعمال “الأخوان”، لا أن يكون قائداً “أخوانيّاً”، أو داعيةً “أخوانيّاً”..
-فكان “أردوغان” حاضراً في أكثر من مكان، من خلال “الأخوان”، في “تونس” وفي “مصر” وفي “ليبيا” وفي “سوريّة”، لكنّه ليس كذلك في “العراق”، أو في “اليمن”، كون أنّ “العراق” و”اليمن” لهما حسابات أخرى عند الأمريكيّ، فلم يتجاوز الدور المطلوب منه!!..
-كذلك بالنسبة لحضوره في دول ذات ملفات ساخنة أخرى، علماً أنّه لم يحضر تحت عنوان دينيّ، وإنّما تحت عنوان سياسيّ، لكنّه عنوان أمريكيّ وليس تركيّاً، وهو ما يؤكّد على الدور الأمريكيّ المنوط “بأردوغان”!!..
-أيضاً عندما سعى “أردوغان” لترحيل أداة الفوضى، من جغرافيا إلى أخرى، بصرف النظر عن الغاية الأولى التي تشكّلت هذه الأداة من أجلها، بمعنى أنّ “أردوغان” قام بدور لم يكن بحسابات كثيرين، خاصة عندما حوّل حملة “الثورة” في سوريّة، إلى مرتزقة في ليبيا، أو سواها!!..
-فشل الأمريكيّ في ترسيم معادلة السيطرة على المنطقة، بالطريقة كان يتطلّع إليها، فالمشروع تعطّل في “سوريّة”، والأسد منع “الأخوان” من الوصول إليها على ظهر دبابة أمريكيّة، وجاءت المرحلة التي تتقاذف بها أدوات العدوان تهمة نتائج الفوضى والعدوان، وهنا دخل “الأخوان” في معركة مفتوحة مع “الوهابيّة”!!..
-شعر “أردوغان” أنّ الأمريكيّ لم يعد معنيّاً به، خاصة في ظلّ تخلّي الأمريكيّ نفسه عن “الأخوان” في أكثر من مكان، فأدرك “أردوغان” انّ مصيره أضحى من مصير “الأخوان”، وهو ما عمل على رفضه تماماً، فاشتبك مع “الوهابيّة السياسيّة”، والتي أرادت أن تدفع باتجاه تحميل “الأخوان” تبعات الفوضى والعدوان على المنطقة!!..
-كانت مرحلة “ترامب” مهمة للولايات المتحدة، فهو وجهها القبيح الذي ستلفظه لاحقاً، لذلك كان مهيئاً لعمل أيّ شيء، حتى ولو كان الأمر يتعلق بأن يُرمى “أردوغان” في سلّة المهملات، وهو ما فهمه “أردوغان” جيّداً، ولعب عليه مقابل أن يمرّر مرحلة “ترامب”، وبتعاون استخباراتيّ أمريكيّ، فانخرط أكثر في مثلث: “روسيا – إيران – تركيا”!!..
-في ظلّ صعود قوى دوليّة أخرى، تتقدّم كي تملأ فراغ المنطقة، بتنسيق مع دول إقليميّة، سوريّة وإيران، احتاجت الولايات المتحدة لدور “أردوغان” من جديد، لكن من غير “أخوان”، فأعطته الأوامر مع آخرين لها على مستوى المنطقة، من أجل منع القوى الجديدة الصاعدة، والتي تتقدم باتجاه المنطقة، كي تملأ فراغها!!..
-الآن تماماً يبدو “أردوغان” مكشوفاً وعلى حقيقته، باعتباره لم يكن يوماً “أخوانيّاً”، لكنّه طُلب منه الاستثمار بهم، بأوامر أمريكيّة واضحة، وعلى أنّه لم يكن يوماً صاحب مشروع، لكنّه كان دائماً طامحاً للحكم والسلطة، وجائعاً جدّاً لهما!!..
-لهذا كنّا دائماً نؤكّد على أنّ “أردوغان” لا يحمل مشروعاً سياسيّاً، على مستوى الإقليم، كما أنّه ليس مشغولاً بمرحلة “عثمانيّة” مرّت بها تركيا والمنطقة، إذا أنّ البعض منّا خلط بين طموح “أردوغان” وجوعه للحكم والسلطة، وبين مقاربته الوجدانيّة لعناوين تاريخيّة، تحرّك قاع وجدان الشعب التركيّ، وبعض شعوب المنطقة!!..