ماجدة الحاج كاتبة وباحثة لبنانية
إشارة لافتة مرّرتها مجلّة “نيوزويك” الأميركية في تقرير لها منتصف شهر كانون الثاني الماضي، وخلُصت فيه الى “مخاوف متصاعدة في أروقة واشنطن وتل ابيب من التوقيت الذي قد يختاره “الحوثيّون” لشنّ الهجوم المؤكّد والمُرتقب على منشآت استراتيجيّة إسرائيليّة”. وأرفقت تقريرها بصور لأقمار صناعيّة قالت إنها التقطت تحريك طائرات مسيّرة ذات تقنيّة عالية، قادرة على ضرب تلك الأهداف في عمق تل ابيب.. وجاء التسريب الأميركي لهذه الصّور في اعقاب لقاء جمع حينها وزير الخارجيّة الأميركي- في اواخر ايام خدمته مايك بومبيو، برئيس جهاز الإستخبارات “الإسرائيلي” يوسي كوهين، وكان النّقاش الرئيسي بين الرّجلَين-بحسب المجلّة الأميركية، ” المخاوف من هجمات محتملة للحوثيّين”.
وبالتزامن، كشف موقع “نتسيف” العبري، انّ رئيس الموساد ابلغ الأميركيين اقتراب هحوم “للحوثيّين” على اهداف في “اسرائيل”، موضحا انّ كوهين كاشفهم بمعلومات استخباريّة تُفيد بنيّة الجماعة اليمنيّة ضرب منشآت استراتيجية بصواريخ كروز وطائرات مسيّرة، وكاشفا انّ المعلومات جمعتها غوّاصة اسرائيلية” خلال جولة لها في البحر الأحمر وخليج عدن.
كان ذلك قبل إعلاء وتيرة الهجمات النّوعيّة التي باتت سمة ضربات حركة “انصار الله” ضدّ اهداف استراتيجية وحيوية في القلب السعودي، والتي وصلت في الفترة الأخيرة الى مستوى غير مسبوق من حيث التقنيّات وبنك الأهداف، وهذا ما حيّر الأجهزة الأمنيّة والإستخباريّة الغربيّة، خصوصا في واشنطن وتل ابيب- وفق اجماع عدد من المحللين العسكريين في الكيان الإسرائيلي، وقبل ان تبادر الحركة اليمنيّة الى افتتاح الشهر الرابع من العام، برسالة ناريّة اخرى الى “من يهمّهم الأمر”، عبر هجوم شنّته فجر الأول من نيسان الخميس، بأربع طائرات مسيّرة دكّت مواقع “حسّاسة ومهمة” في العاصمة السعوديّة- بحسب بيان الحركة.
مرّ هذا الهجوم على وقع معلومات نُقلت عن مصدر في موقع” ريسبونسيبل ستيت كرافت”، كشفت عن مرحلة ميدانيّة هامّة مُرتقبة لن تقتصر حصرا على ميدان مأرب، بل ستشمل ايضا ميادين العراق، سورية ولبنان، مع بدء العدّ العكسي للإنتخابات الرئاسية في سورية وايران.
لا تُخفي وسائل اعلام عبريّة قلق “اسرائيل” المتزايد من مغبّة وصول صواريخ حركة “انصار الله” وطائراتها المسيّرة الى تل ابيب. حتى انّ صحيفة “جيروزاليم بوست” كانت المحت الى وقوف الحركة خلف استهداف السفينة “الإسرائيليّة” في بحر العرب، وذكرت انّ هذا الإستهداف يحمل بصمات “الحوثيّين”، قبل ان يتوقّف موقع “اسرائيل ديفنس” امام الضربات الدقيقة ضدّ الأهداف الحيوية في السعودية، بينها ذاك الهجوم المشترك لمجموعة متنوّعة من الطائرات المسيّرة التي حلّقت لمسافة 900 كيلومتر، وتمكّنت من خداع نظام الدفاع الجوّي السعودي القائم على بطاريّات باتريوت من طراز متقدّم “غير موجود في اسرائيل الى اليوم”-وفق توصيف الموقع.
“اولئك الذين يهاجمون المواقع الحسّاسة في السعودية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، يمكنهم ايضا ضرب المنشآت الإستراتيجية في اسرائيل”..هذا ما شدّد عليه مركز بيغن-سادات للدراسات في تقرير اعدّه الباحث “الإسرائيلي” مردخاي كينار مؤخرا، والذي دعا في تقريره “اسرائيل” الى ان تأخذ هجمات “الحوثيين” على السعودية وامكانية ان تستهدف اسرائيل، على محمل الجدّ.. وهو ما حدا بالمحلّل الإسرائيلي بن كاسيبت ايضا، للإشارة الى انّ تل ابيب تتلقّف “بجديّة” تهديدات القادة ” الحوثيين”، متوقفا امام تحذير كان وجّهه رئيس هيئة الإستخبارات والإستطلاع في صنعاء اللواء عبدالله يحيي الحاكم، قال فيه” إننا نراقب تحركات تل ابيب في البحر الأحمر”، مهددا اياها من ايّ خطوة تُقدم عليها في هذه المنطقة.. تحذير لم يمرّ مرور الكرام في “اسرائيل” التي سارعت الى نشر منظومة القبّة الحديدية الصاروخية لأوّل مرّة في مدن بالبحر الأحمر!
اكثر من ذلك، يُجمع خبراء ومحلّلون عسكريّون “اسرائيليون”، على انّ اليوم الذي ستُباغت فيه صواريخ حركة “انصار الله” الباليستية اهدافا عسكرية ومنشآت حيوية في العمق الإسرائيلي.. قادمٌ لا محالة، فالحركة اليمنيّة تأكدت منذ العام الأول على انطلاق الحرب ضدّ اليمن، من تورّط “اسرائيل” فيها عبر الوكيل السعودي-الإماراتي..حينها كشف مقاتلو الحركة في محيط السفارة السعودية في صنعاء، عن مخبأ كبير يحوي شحنات ضخمة من الأسلحة والذخائر “الإسرائيلية”، بالإضافة الى وثائق اماطت اللثام عن انشاء قاعدة عسكريّة “اسرائيليّة” في جزيرة بيرم بالقرب من مضيق باب المندب، والتي جُيّرت لسيطرة التحالف السعودي بأمر “اسرائيلي”.. حتى انّ صحيفة “ميدل ايست مونيتور” في تقرير لها خصّصته حينها لإبراز “التورُّط الخطير لإسرائيل” في حرب اليمن، كشفت عن تلقّي مرتزقة التحالف تدريبات على ايدي ضبّاط “اسرائيليين” في معسكرات بصحراء النّقب!
وعليه، تدرك تل ابيب انّ تهديدات حركة “انصار الله” بوصول صواريخها الباليستية الى ايلات، ليس مجرّد كلام في الهواء، وبالتالي بات مُبرّرا لها اضافة خطر صواريخ الحركة الى خطر نظيرتها لدى حزب الله على “اسرائيل”، وخصوصا انّ الثنائي الأميركي ـ الإسرائيلي يراقب باهتمام مآل المعارك المحتدمة في مأرب، بعدما نجح مقاتلو “انصار الله” بالإطباق على المواقع الإستراتيجية في محيطها، والسيطرة على مرتفعات في شمالها وغربها، على وقع معارك هي الأعنف للتوجه صوب مجمع المدينة الإستراتيجية.
إنجاز عسكري غير مسبوق فيما لو نجحت الحركة اليمنيّة بانتزاع مأرب وتحريرها، والذي سيُعتبر نكسة مدوّية لواشنطن-تل ابيب.. رغم “مناورة” ادارة بايدن ازاء “انصار الله” لكسب الوقت في تلك المدينة الهامّة بكلّ المقاييس لحلف العدوان على اليمن على وقع المؤشرات التي توحي باتصالات تجري “تحت الطاولة” بشكل غير مباشر بين واشنطن وطهران لجرّ الأخيرة الى طاولة مفاوضات مباشرة حيال برنامجها النووي.. الا انّ معلومات دبلوماسيين غربيين ألمحت الى استعدادات اميركية “سرّية” من نوع آخر، محورها على الأرجح “عمل عسكري ما” ضدّ طهران قد تُجيّره ادارة بايدن الى تل ابيب، وتتنصّل منه لاحقا، للنّفاذ من خلاله الى اجبار طهران على التفاوض معها وفقا للشروط الأميركية.. ولكن!
ثمّة معطيات وُصفت بالموثوقة، كشفت عن مفاجآت ميدانيّة “من العيار الثقيل” ستطبع المرحلة القادمة في المنطقة الى حين انطلاق الإنتخابات الرئاسية في سورية وايران، قد تأتي على وقع معارك تحرير مأرب، لربما تشمل “احداثا بحريّة غير مسبوقة”، الا انّ اللافت الذي لا يقلّ اهميّة، على الأرجح سيكون في منطقة شرق الفرات السوريّة-وفق ما نقلت عن مصدر عسكري روسي وصفته ب”البارز” !