محمود بري | كاتب وباحث سياسي
نتن ياهو ينوي تنفيذ جريمة متمادية ضد أهل غزة والضفة. وهو في سبيله إلى تنفيذها ومواصلتها. يرفض مجرّد فكرة وقف النار. يريد أكواماً من جثث المدنيين الفلسطينيين طالما المقاتلين بعيدون عن براثنه الشيطانية في دهاليزهم التي هندسها الحزب عميقة تحت الأرض، لإدراكه أن الصهيوني هو أشد الضواري فظاعة. نتن يريد أكواماً متراكمة كبيرة وهائلة بما يكفي لإجبار المقاتل على الركوع والخضوع للإملاءات، والمقاتل لا يأبه ولا يسمع ولا يهتم؛ وقته ويقظته واهتمامه مكرّسة جميعها للصلوات بالصواريخ التي لن تنتهي إلا بدولة يستحقها.
لو استعدنا “تاريخ” الصراع الأزلي لليهودي مع الله، كما هو مُثبت في نسخته الراهنة من التوراة، نفهم أن سبب قصفه الكنائس والجوامع هو “جعلها قبوراً لله الذي يؤمن به ويعاديه في آن”. ولهذه “العداوة” الشيطانية حكاية عبرية آن أوان روايتها، حيث يندب نصٌ في التوراة تدمير الهيكل الأول في القدس على أيدي الرومان، ويرى الحاخام الندّاب أن الله ״رد يمينه في حضور العدو״ (مراثي إرميا) (3 :2). وتفسير ذلك (كما ورد في كتاب “حانوح”) أن إرادة الله هي التي أمرت بتدمير القدس على يد البابليين، برفضها الدفاع عن المدينة، أي إن “الله قد عاقب إسرائيل برد يمينه عن الدفاع عن القدس… وذلك كعقاب على ذنوب إسرائيل”. وهذه نقطة مركزية في علاقة اليهودي- الصهيوني بالله الذي يعبده، وهي علاقة تشوبها رغبة شيطانية في الثأر (من الله)…
هذا يفسّر بمعنى ما تلك العدوانية الإستعلائية الضارية ضد الآخر، الله وجميع الشعوب الأخرى وبخاصة (الغوييم أي الأغيار- غير اليهود)، أول المكروهين هم الفلسطيني والعربي المُعادي عموماً، وكل مُعادي آخر). لذا لا ينبغي استغراب حقيقة أن المجازر الفظيعة كانت دائماً الطريق الذي حفرته إسرائيل في الدم العربي لإقامة “الدولة” في فلسطين، هذه الدولة التي ينبغي أنها لن تعمّر أكثر من 80 سنة، كما كان حال كل دولة أقامها اليهود عبر التاريخ… وهذا بصرف النظر عن أعداد الذين تقضي عليهم من أبناء الشعوب الأخرى.
مشكلة إسرائيل اليوم أن من تتطاير اشلاؤهم هم ناس الشارع وليس أهل القتال في ملاذاتهم الأمينة. والحال أن القصف الهمجي الإسرائيلي سيستمر على الناس، والناس سيستمرون في التساقط، ومعهم أولادهم وبيوتهم وأرزاقهم، وبالمقابل فسوف يستمر الإسرائيلي بتلقّي المزيد من القذائف والصواريخ التي لا بد أنها ستقنعه، ولو بعد حين عميق من الدم والموت والدمار (وقد باشر بالاقتناع فعلاً) أن هذه البلاد ليست بلاده، وأن “دولته” التي دفنته في الخرافات التوراتية، هي عدوّه الحقيقي… وليس أشلاء الفلسطينيين التي لا يملّ من استعراضها إعلام خليج الرمال و”ماء الشيطان” السود اللزج. كذلك يستمر المقاتل الفلسطيني في الرشق بالصواريخ الفارسية التي تخرب الأمان المدني والاقتصادي والبنياني للإسرائيليين المتعاقدين مع عماهم الإيديولوجي، بينما صواريخ عرب الخليج “الغيارى” تواصل دكّ صعدة والجُوف وصنعاء اليمن… المعنى أن حساب النكبة والعناد مفتوح، وكذا حساب الحق والباطل، ومثلهما عدّاد الصواريخ وعدّاد الغارات وعدّاد الضحايا. المطلوب بإلحاح أن ينتصر الصاروخ (أرض- أرض) على غارات الطيران والبوارج وهجمات الدبابات وقوى البرّ. وهذا مستحيل في العلم العسكري؛ أو أن تنتصر الحرب من الجوّ وتحسم الحرب، وهذا مستحيل آخر في العلم العسكري، وقد أُثبتت استحالته العملانية حرب 2006. والأنكى أن أحداً لن يمكنه إنزال النتن عن الشجرة وقد أدار الأذن الصمّاء للبيت الأبيض.
لا أحد يمكنه إذن، بخاصة وأن التوراتي الموهوم ينتظر “انتصاره” الذي لن يأتي. ولا بد من مزيد من الدماء والويلات والكوارث لكي يقتنع الذي يضرب رأسه في الجدار أنه لن يهدم الخرسانة، وأن كل ما يمكن أن يجنيه هو… الألم، والمزيد منه، في حين أن الفلسطيني الذي وُلد في العاصفة، لن يخاف هبوب الرياح.
فهل من يوشوش أيّ عاقل في قيادة العدو أن الحقائق التي يسكتون عنها ستغدو سامة وتقتلهم… في حين أن “قناعاتهم” الموهومة هي أكثر خطورة عليهم من الأكاذيب…؟
لعله من الخطأ الجسيم مواصلة المراهنة على كهنة يرددون باستمرار بأن الدنيا ليست دارهم، ثم يضعون أيديهم على كل شيء يستطيعون الوصول إليه.
كذلك فمن الحماقة إضاعة الوقت بالتفرّج على صيّاد هفوات يريد إقناعنا والسعوديين أنه يحبهم (كي يحبونه ويأتون به رئيس شركة الحكومة الاستثمارية التي دأب عليها…)، وأن داعش والنصرة ليست من هناك بل من… عطايا السماء.
الأفضل أن نبقى في الجدّ… القدس أقرب.