نظرية المقاومة في مقابل نظرية المؤامرة إلى أين ؟
الدكتور حسام الدين خلاصي | كاتب وباحث سوري
في منطقتنا العربية الملتهبة دائما ، هناك رواج مستمر لنظريتي المؤامرة والمقاومة ، وهناك من يرفض وهناك من يقبل بوجود هاتين النظريتين .
ولكن كل الأحداث التي تجري في منطقتنا شئنا أم أبينا تدور في فلك محورين
°محور تبنى نظرية المقاومة
°ومحور ينتهج نظرية المحور ، ولكل رواده وأدواته .
●تستند نظرية المؤامرة في نفاذها على عدد من المقومات أهمها :
1.هدف استعماري بعيد مرسوم بعناية فائقة يهدم البنى الوطنية لحساب بنية خارجية .
2.أدوات تنفيذية ( خيانة . تجسس . بيئة حاضنة . قوة مسلحة . أيدلوجيا متشعبة ومتنوعة ومخربة . ماكينة إعلامية . نفس طويل في التنفيذ )
●وتستند نظرية المقاومة في نفاذها على :
1. هدف التصدي لمحاولات تخريب الوطن واستقلاله وسيادته .
2. أدوات تنفيذية ( روح وطنية . استخبارات . بيئة حاضنة . قوة مسلحة . أيديولوجيا واحدة لاتقبل التشعب . نفس طويل في التصدي . أدوات بناء تواجه أدوات التخريب )
هاتين النظريتين هما اللتان أقامتا الفرز الحقيقي بين أبناء الوطن الواحد وبتضحيات جسيمة من قبل المعتدى عليه .
إن نظرية المؤامرة بنيت على فكر استعماري انتهازي تفنن في أساليب انتهاك الحرمات الوطنية ويصطدم دائما بالمنتج الفكري الوطني ورواده ومروجيه من قوى عسكرية أو فكرية تتعلق بنهج الاعتماد على الذات .
ومنذ البداية تصاعدت قدرات أصحاب نظرية المقاومة بدءا من اليأس والوهن إلى الثقة والانتصار والتمتع بقدرات كشف المؤامرة والتصدي لها أو تفاديها تكتيكيا .
وفي حين يمتلك أصحاب المؤامرة تسليحا قويا وتكتلات عسكرية واقتصادية وهيمنة على الرأي العام الدولي يجعلهم يمارسون العدوان بشرعية اعتمادا على أنظمة عميلة ترفض نظرية المؤامرة وتعتبر المعتدي صديقا وحليفا وثيقا ( دول الخليج مثالا ) وتشتغل ماكيناتهم الإعلامية على الترويج لنفي فكرة التآمر على شعوب منطقتنا وعقائدها وتستبدلها بفكرة التحالف ضد محور أصحاب نظرية المقاومة .
هنا سنلاحظ أن تكافؤ القوى ليس متوفرا لفرط العمالة ولبطش دول التآمر ولكن هذا لم يحبط الهمم ولم يؤثر على تنامي القدرات الذاتية الوطنية .
وفي المقابل فإن أصحاب نظرية المقاومة يبذلون جهدا مضاعفا في توسيع رقعة البيئة الحاضنة لهم ، لأن التعمية والتعتيم مستمر لتشويه سمعتهم ولرفض فكرة أن هناك تآمر من قوى الشمال الأوربي أو الغرب الأمريكي .
إن منظومة الدول العربية وهي التي تهمنا ومنذ خروج الاستعمار المباشر منها قد غرس في جسدها أنظمة متواطئة مع هذا الاستعمار فشدت دولها للخلف وأبقتها في فلك التبعية وحدت من أي تطور وطني محتمل وسببت تراجعا في ميزان قوة دولها لصالح بقاء هذه الأنظمة في مكانها .
لذلك لوحظ استنفار الشعوب بعضها وليس كلها للتخلص أو لمجاراة تيارات التخلص من الأنظمة التي أعاقت النمو الوطني كما في العراق واليمن وليبيا ومصر ولكن هذه القوى الشعبية وباختلاف ماحصل لها لم ترتقي لمستوى البناء الوطني الصحيح والسيادة الكاملة اذ أطبقت القوى العسكرية المتآمرة على أنفاسها فورا في ظل تآمر واضح من دول المنطقة .
ويبقى المثال السوري واللبناني مختلفان عن البقية فسورية اعتبرت من قبل العدو قبل الصديق بأنها في مقدمة الدول التي تعتنق فكرة نظرية المقاومة في مواجهة نظرية المؤامرة وأما لبنان فكرس حالة فريدة من الكفاح المسلح المنجز لأهداف وطنية تتعارض مع أهداف المؤامرة خاصة لجهة الانتصار في بعض مراحل الصراع مع الصهيوني ولمجرد وجود المقاومة في لبنان وفلسطين بدعم سوري وإيراني دليل على وجود نظرية التآمر اللامحدود على المنطقة .
والسؤال هل ستنتهي المؤامرة ونظريتها ذات يوم ويسود العدل الوطني والقومي والسيادة في دول المنطقة ؟
طبيعيا لن تنتهي هذه المسارات ولن تنتفي ولكن يمكن الحد من انتشارها وغطرستها أو يمكن ترحيل نظرية المؤامرة لبلدان أخرى إذا استطاعت دولة ما أن تستمر في بناء قدراتها الذاتية والدفاعية في مختلف المجالات متحدية نظرية المؤامرة بتفعيل نظرية المقاومة وستبقى المواجهة مستمرة .
من هنا وأخيرا ولأصحاب نظرية المقاومة الذين قرروا مواجهة نظرية المؤامرة والانتصار عليها بكل أبعادها وتشعباتها أن :
1. أن يدعموا البيئة الحاضنة ويحترموا رأيها وقوتها وأن يعملوا على مكاثرتها بالصدق والشفافية والتشاركية .
2. أن يرفعوا منسوب التسلح والتنسيق بينهم.
3. أن يلجأوا لضربات استباقية للعدوان قبل حصوله
4.الانفتاح على الدول التي تقف على الحياد لكسبها لطرفهم.
5. تقوية الأدوات والأساليب الدفاعية والتحصينية .
6. تقوية الجانب الوطني في كل المجالات قبل تقوية الجانب القومي أو الاقليمي من أجل كسب احترام الحلفاء .
وستبقى هاتان النظريتان هما المحرك الرئيسي لمقدرات المنطقة .