الدكتور محمد رقيّة | استاذ محاضر في جامعة دمشق .
نشأت نظرية الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين في مجال الطب النفسي فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي البارز دونلد أيوين كامرون ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها. كان كاميرون يعتقد أن ثمة عاملين مهمين يتيحان لنا الحفاظ على إدراكنا:
أ- البيانات الحسية التي ترد ألينا باستمرار،
ب- الذاكرة.
لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام. فإذا أردت أن تجعل الطرف الآخر ملكا” لك ولأفكارك وقراراتك , ما عليك إلا أن تخضعه لصدمة كبيرة تجعله مستسلما” لك ولكل ما تلقنه له , وطبقتها المخابرات المركزية الأمريكية على المعتقلين في كوانتانامو وأبو غريب والعديد من السجون الأمريكية حول العالم .
بنفس هذا الوقت ظهر في شيكاغو شيطان صهيوني آخر في مجال الاقتصاد هو ميلتون فريدمان (صبيان مدرسة شيكاغو الاقتصادية ) وهو المرشد الأعظم لعقيدة رأسمالية الكوارث المتوحشة ، اشتهر كأستاذ للعلوم الاقتصادية بجامعة شيكاغو، ليطبق نظرية الصدمة على الشعوب . كانت غايته السماح للشركات الأمريكية العابرة للقارات , أن تتحكم باقتصاد بلدان بأكملها ولا بد لتحقيق ذلك من نظرية الصدمة التي تجعلهم فاقدي الوعي حتى يقبلوا بالتغييرات الجديدة . وفي سبيل ذلك يوظفون جيوش الدول العظمى وقطعانهم في مختلف الدول ,والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية “كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدول وغيرها.
ومن تلامذته المحافظون الجدد: “كيسنجر، رامسفيلد، بريمر، جورج بوش الابن، جورج شولتز، ديك تشيني، ولفوويتز، بول بريمر”.
أول بلد تم تطبيق نظرية الصدمة عليه هو تشيلي , الذي كان نظام الاقتصاد فيه شيوعيا” , بدأ الأمر بإحداث انقلاب عسكري فيه عبر بينوتشيه بدعم الولايات المتحدة برئاسة نيكسون , وبعد الانقلاب جاءت الصدمة , ارتفاع كبير في الأسعار وأعمال شغب واعتقالات تعسفية وخطف علني في وضح النهار وارتفاع في مستويات البطالة وفوضى عارمة في البلاد وكانت البلاد تسير بسرعة نحو الهاوية , وكانت المصائب تتدفق دفعة واحدة , حتى أصيب الناس بشلل في التفكير والفهم وكيفية الخلاص .
في هذه اللحظة تم عرض العملية التي تنقذ البلد من الكارثة , وذلك بأن تتحول تشيلي إلى اقتصاد السوق الحر , أي أن ترفع الدولة يدها عن الاقتصاد بشكل كامل , لتستلمه الشركات الأمريكية العابرة للقارات .
قبلت الدولة ذلك وكذلك الشعب وانتصرت نظرية الصدمة .
يقوم مذهب الصدمة على استغلال أي كارثة، سواء كانت انقلاباً، أم هجوماً إرهابيا، أم انهياراً للسوق، أم حرباً، أم تسونامي، أم إعصارا”، من أجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية يرفضها السكان في الحالة الطبيعية .
تقول نظرية الصدمة عندما يغيب وعي الشعب ويعجز عن فهم وإدراك ما حوله ولا يلوح له أي حل في الأفق ممكن التطبيق يخرجه من واقعه السيئ سيقع عندها في الصدمة , وعندها سيكون مستعدا “لقبول الحلول الخارجية الجاهزة , التي كان من المستحيل أن يقبل بها سابقا”.
هذا وقد أصدرت المؤلفة الكندية ناعومي كلاين عام 2009 كتابها الموسوعي الضخم بعنوان (عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث). الذي يعتبر من أهم ما صدر عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة من قبل المؤسسات والدول الكبري في العالم منذ ثلاثين عاما، وخاصة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي هذا الكتاب، تشرح نعومي كلاين أسطورة انتصار اقتصاد السوق الحرة عالميًا بطريقة ديمقراطية، وتكشف أفكار ومسارات المال، وخيوط تحريك الدمى وراء أزمات وحروب غيّرت العالم في العقود الأربعة الأخيرة .
لقد طبقت نظرية الصدمة على العديد من البلدان الأخرى , مثل اندونيسيا والأرجنتين والبرازيل وعلى الاتحاد السوفياتي بعد انهياره وشرق آسيا وصولاً إلى العراق وأيضا” مصر . ويحاولون تطبيها الآن في سورية وفي لبنان .
ولكن هل ستنجح هنا ؟
بكل تأكيد لن تنجح مهما فعلوا ومهما ضغطوا ومهما تجردوا من كل انسانيتهم ,لأن هذا الشعب الذي تحمل الحرب العالمية عليه طيلة عشر سنوات بكل آلامها ومعاناتها ,سيتحمل ما يتعرض له من ضغوط اقتصادية شديدة تهدده بلقمة عيشه وحياته, لأن البديل سيكون أسوأ من ذلك بكثير على كل المستويات المعيشية والاقتصادية والسياسية والوطنية وعلى مستوى السيادة والكرامة وتحرير الأرض المغتصبة وحرية القرار الوطني . وتشكيل جبهة المقاومة العريضة ضد الكيان الصهيوني الغاصب. فليس أمامنا سوى الصمود لتحقيق الانتصار الناجز ولن يطول ذلك كثيرا” والأيام بيننا .
وهنا أود أن أؤكد على ضرورة الدعم الكلي والشامل للقطاع العام بكل مفرداته وتنظيفه من المهملين والمتخاذلين والفاسدين لأنه هو السيف القاهر الذي يحمي البلاد من نظرية الصدمة .