نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
قبل أن تصل رسالة دوروثي شيا الى رئيس الجمهورية، لتعكس مدى الهلع الذي أثاره كلام السيّد يوم عاشوراء، لدى الادارة الأميركية، لمن وصلت هذه الرسالة التي كتبت بيد عربية، وبلغة عربية : لا دولة ، ولا حكومة، في لبنان طالما أن ميشال عون في قصر بعبدا ؟
لا حكومة برئاسة سعد الحريري، ولا برئاسة أي شخصية يختارها سعد الحريري . أي حكومة من هذا القبيل لا بد أن يقتصر دورها على «العبث باشياء الجحيم»!
اذاً، من يفترض أن يكون رجل القصر ؟ ممّ يشكو سمير جعجع ؟ وهل هو أميركي، أو سعودي، أكثر من مصطفى الكاظمي الذي حظي بموافقة ايران، رئيساً للحكومة في العراق، وبصلاحيات تفوق صلاحيات رئيس الدولة، ورئيس الحكومة، في لبنان ؟
أصحاب الرسالة يقولون أن لبنان باق في القاع، ولا تنتظروا أن تستغرق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أسابيع أو أشهراً. لا مال قبل اختيار رئيس للجمهورية يخوض المواجهة مع حزب الله .
في ظل ما يجري وراء الضوء، وفي ظل الضغوط المروعة التي تلاحقنا، لا يمكننا الا أن نرى في الاستراتيجية الايرانية حيال «اسرائيل»، وقد عانينا ما عانيناه من بربرية الاحتلال، الاستراتيجية الرائعة.
هذا لا يحول دون التنبيه بأن هناك في الخليج من يعتبر أن السياسات «الايديولوجية» لآيات الله، بالمنحى الثوري العابر للحدود، تتيح لأكثر من جهة اللعب بأعصاب الخليجيين، والى حد التخلي عن «التابو» القومي، و»التابو» الديني، واللجوء الى «اسرائيل» …
الآن، رجب طيب اردوغان يسعى، برأس الثعبان، وبديبلوماسية الثعبان، الى أن يبدو الظهير الاستراتيجي للدول المتوجسة من التقلبات الأميركية، أكان ذلك في وجه التمدد الجيوسياسي لايران، أم في وجه التداعيات المحتملة لاستيلاء «طالبان» على السلطة في أفغانستان .
المعلومات تؤكد أن حقان فيدان، رئيس الاستخبارات التركية، موجود في قندهار للتنسيق المتعدد الأبعاد مع أركان الحركة، والى حد اقتراح ارسال الآلاف من مقاتلي الفصائل الراديكالية في ادلب للمساعدة في مواجهة الفوضى المنتظرة في تلك التضاريس البالغة التعقيد قبلياً، وايديولوجيا ً، وجغرافيا ً .
في نقطة ما، بل وفي نقاط ما، يتقاطع الدور التركي مع «الدور الاسرائيلي»، ان في تأجيج ديناميات الصراع على ضفتي الخليج، أو في الالتفاف على الدور الايراني الذي لا شك أنه يعاني من أوضاع شديدة التعقيد، ان في لبنان الذي يتحول، وبخطى حثيثة، نحو الحطام الاقتصادي، وحتى الحطام السياسي، أو في سوريا حيث الملايين يواجهون ضائقة اقتصادية أكثر بكثير من أن تكون كارثية .
أنقرة و»تل أبيب»، بالسيناريو الجهنمي، تلتقيان مع الصقور في تلة الكابيتول . هل يستطيع ابراهيم رئيسي، بديبلوماسية حائكي السجاد، وبمخزون اليورانيوم الذي يلامس القنبلة، أن يلتف على الذئب التركي كما على الذئب «الاسرائيلي»، ويعود الى ردهة المفاوضات التي ترى فيها ادارة جو بايدن احدى الأولويات الكبرى ؟
لا دعوة الى التراخي أمام واشنطن التي تضغط بلبنان وسوريا، لحمل طهران على التفاوض بأوراق ضائعة . ولكن لمن يعمل «الجنرال زمن»، لواشنطن التي تتوقع صراعاً أبوكاليبتيا ً مع التنين، وقد وصفت «وول ستريت جورنال» آسيا بـ «أرض السحرة»، أم لطهران الواثقة من أن الادارة ستتراجع عن شروطها حول الترسانة الباليستية أو حول الدور الجيوسياسي في الاقليم ؟
ولكن ألم يؤد الكلام الأخير للسيد حسن نصرالله حول باخرة المازوت (كأرض لبنانية) الى اضفاء بُعد دراماتيكي على المشهد الشرق أوسطي ؟ ما حدث لا يترك مجالاً للشك في أنه هز البيت الأبيض . ماذا اذا قامت «اسرائيل»، وهي التي طالما راهنت، ولا تزال تراهن، على اندلاع المواجهة العسكرية بين أميركا وايران، بالاعتداء على الناقلة، ليرد حزب الله فوراً بضرب منصات الغاز التي بمتناول حجارته، ولا نقول بمتناول صواريخه ؟
هكذا ظهرت المروءة الأميركية في الرسالة التي بعثت بها دوروثي شيا الى القصر . ثمة رسالة أخرى وصلت الى أكثر من بلاط : هل تريدون للمنطقة أن تنفجر، وتتحول الى أرض يباب ؟!