ميخائيل عوض | كاتب وباحث
الواقع ومعطياته؛
فشل نتنياهو في تشكيل حكومته بعد انتخابات رابعة للكنيست برز فيها دور فلسطيني الداخل كقوة وازنه في كتلة نيابية يتوقف على دورها تحقيق اغلبية لمن يكلف بالتشكيل.
لا امل لنتنياهو بالحياة السياسية ولن يبقى خارج السجن ما لم يشكل حكومة، فلديه ملفات قضائية عديدة تدينه وتنهي حياته السياسية، وقد نجح في الامساك بخناقها وعمل بداب على قاعدة انا او لينهار الهيكل على الجميع، الامر الذي دأب الكتاب والخبراء الإسرائيليين والغربيين الى التحذير منه.
اطلق نتنياهو يد المستوطنين والمتطرفين بقصد تعزيز العنصرية وزيادة مناسيب التعديات على الفلسطينين لتصليب قاعدة اليمين الاجتماعية ولعزل القادة والاحزاب الاسرائيلية اليسارية والوسطية، وعينه على انتخابات خامسة يحصد فيها مع حلفائه اكثرية مريحة لتشكيل حكومة بقيادته وبحساباته اذا وقعت الحرب ان ينجح بتشكيل حكومة طوارئ تمكنه من البقاء في الحكومة لسنتين الى ان يتبين الخيط الابيض من الاسود في مفاوضات الملف النووي الايراني والازمة السورية والشروع بحصد نتائج التطبيع والتحالف مع العرب، بانتظار نتائج الانتخابات النصفية في امريكا حيث يراهن على اسقاط اكثرية الديمقراطيين في الكونغرس والعودة القوية لترامب حليفه الاكثر موثوقية وحزما.
في الجانب المقابل كانت نذر الانتفاضة الفلسطينية بادية فقد خسرت سلطة ابو مازن كل شيء وتلطخت سمعتها الوطنية على اثر تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة وانكشاف دور الاجهزة في ملاحقة المقاومين وتسليمهم لإسرائيل، وانهيار الآمال بتسوية تنتج دولتين وانهارت قوى اسناد ودعم ابو مازن بفعل التطبيع واقامة العلاقات المباشرة بين الدول واسرائيل فأبو مازن ليس له ظهير عربي او اسلامي وعالمي ولا احد يقيم له ولسلطته وزنا او قيمه.
اخفقت محاولة ابو مازن بتعويم سلطته بإعطائها الشرعية الشعبية في اجراء الانتخابات واتضح ان حماس والفصائل المقاومة ستحصد النتائج وتمردت عليه فتح المقاومة والشعبية فلاذ بإلغائها بذريعة الضغوط الاسرائيلية.
لم يحسب نتنياهو ان الظروف تغيرت وانه لم يعد يملك مفاتيح البيت الابيض الذي ادار الظهر لإسرائيل واوروبا في ازمات وانشغالات وعجز ورأيها العام انقلب لصالح الفلسطينيين.
فادت تحرشات المستوطنين بالأقصى ومحاولات الجيش والشرطة منع الفلسطينيين من ممارسة شعائرهن في العشر الاواخر من رمضان التي تصادف جمعة ويوم القدس العالمي الذي قرره الخميني ودأبت ايران وحلفائها على احيائه سنويا وجرت مناوشات ومواجهات في باب العامود ثم عصفت في حي الجراح فوقعت المفاجأة المخبئة والتي نضجت عناصرها في غفلة من الجميع فاندفعت جموع فلسطيني ال٤٨ وجلهم من الفتيه والشباب الى نصرة المصلين واهالي حي الجراح وصبت التغطيات الاعلامية وما ابرزه فتيان المواجهات من وعي وحيوية وجرأة واقدام فوضعت فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة امام التحدي الجاد والاكثر اهمية فالقدس تجري عملية تهويدها واعتداءات المستوطنين والشرطة والجنود لا تحتمل ومناشدات الاهالي والنسوة تتردد في كل لحظة وبالأصل فايران ومحورها كانت تتأهب للمواجهة واكمل المحور استعداداته وعدته وفعل الصاروخ السوري الطائش فعله في اثارة الهمم والطعن بقدرات القبة الحديدية وسلاح الدفاع الجوي الاسرائيلي فأنذرت حماس ثم بادرت واشتعلت المواجهة ل ١١ يوما كانت من اثمن المعارك وجولات العنف واكثرها تأثيرا وتأسيسا في مستقبل ومسارات الصراع العربي الصهيوني.
الراي العام العالمي تفاعل وشهدت شوارع المدن الامريكية تظاهرات نصرة لفلسطين وفي بعضها وفعت مواجهات بين المتظاهرين وانصار اسرائيل وفي عموم واوروبا وبعض العواصم العربية، وانحاز الاعلام بنسبة عالية في غير مصلحة نتنياهو وحربه على غزة وشبكات التواصل فعلت فعلها وتفوق الفلسطينيون واستحضرت قضيتهم على نحو غير مسبوق.
قاتلت غزة بحماس وحنكه وثبات وكشفت عجز القبة الحديدية والاجهزة الامنية وحالت دون اي عملية برية للجيش الاسرائيلي وضربت في العمق والمطارات والقواعد العسكرية وامطرت البلدات والمستوطنات بألاف الصواريخ واستخدمت المسيرات والغواصات الاستشهادية، واستخدم الكورنت، اضافة للسلاح القاتل بحسب اسرائيل الهاون الثقيل.
تعطلت الحياة العامة والاقتصادية في اسرائيل وتوقفت المطارات، ولم يجد الجيش الاسرائيلي الا منازل وابنية وابراج مدنية لتدميرها ولم تفلح محاولاته للمس بقادة حماس والفصائل.
لم يحضر دورا للرباعية الدولية وعطلت امريكا مجلس الامن ولم يظهر لقطر وتركيا اي اثر في الاتصالات والدبلوماسية على عكس حرب ال٢٠١٤ بينما استفردت مصر ببذل الجهود للبحث عن هدنة ومال الموقف المصري لأول مرة منذ اتفاق كامب ديفيد لصالح الفلسطينيين واردفت محاولات انتاج هدنة بإعلان للجيش المصري وللإدارة بفتح معبر رفح للجرحى وفتحت المشافي المصرية لهم على نفقة مصر وارسلت ارتال سيارات الاسعاف وانذر الجيش المصري بأن استهداف سيارات الاسعاف وطواقمها سيعني اعتداء على الجيش المصري ثم اعلن السيسي تبرع مصر ب٥٠٠ مليون دولار لإعادة اعمار غزة، وقدمت القاهرة ٨٠ شاحنة مساعدات للغزاويين.
ادارة بايدن امرت بسحب ١٢٠ من الخبراء والعسكرين بذريعة الاوضاع الامنية في تصرف حمل دلالات كبيرة في غير صالح نتنياهو وتأخرت كثيرا عن بذل الضغوط والوساطات وبدت خطواتها كضغوط على نتنياهو لوقف النار اكثر منها تبني ودعم على ما كان من تبني امريكي سابق.
اطلقت صليات صواريخ من لبنان كان اخطرها التي وصلت الى حيفا بينما لم يطل السيد حسن نصرالله ليعلن موقفا ما اربك اسرائيل المرتهبة دوما من الجبهة الشمالية.
انتفضت الضفة الغربية وقدمت عشرات الشهداء وعادت كتائب الاقصى الفتحاوية الى السلاح ووقعت اشتباكات مسلحة في الضفة” ٤٨ اشتباك وعملية” وقطع المنتفضون طرق وحاصروا المستوطنين واربكوا حواجز تقطيع اوصال الضفة .
في فلسطين ال٤٨ تطورات نوعية فانتفضت اللد وام الفحم وسيطر العرب فيها على المدن واحرقت سيارات للشرطة وكنس وسيارات المستوطنين وسيطر مسلحون فلسطينيون على بئر السبع ومناطق في النقب ما اضطر قيادة الجيش الاسرائيلي الطلب من الجنود والضباط التنقل بالثياب المدنية كي لايتم استهدافهم من المسلحين الفلسطينيين في قلب فلسطين والضفة لهذه بذاتها دلالة خطيرة ونوعية.
تم التزام اسرائيل بوقف النار تحت ضغوط اميركا واتصالات بايدن بنتنياهو الذي صرح قبل ساعات بانه لن يوقف النار الا بعد تحقيق اهداف العملية ثم اذعن وامر بإيقاف النار وهذه ايضا تحمل الكثير من الدلالات النوعية.
في التحليل؛
تحت الرماد كانت تعتمل تحولات جوهرية مؤسسة في الصراع العربي الاسرائيلي فقد نضجت الكتلة الشعبية الفلسطينية في اراض ٤٨ للانتفاضة وللمقاومة وتقدموا للامساك بقضيتهم جوهر القضية الفلسطينية وبرزوا قوة محورية في سلسلة تحركات منذ ٢٠١٢، فلم تفدهم بشيء كتل النواب التي انتجتها انتخابات الكنيست وسقطت عندهم مقولات النضال السلمي والنيابي بل تصاعدت في وجه العرب العنصرية والاعتداءات والعزلة وتنوعت التعديات الجماعية والفردية وبدأت حالة انفضاض من حول اللوائح وفكرة الانتخابات والترشيح وانقسمت الكتلة الاسلامية بين الجنوبية المؤيدة لنتنياهو والشمالية الموالية للإخوان المسلمين.
قدمت ام الفحم ارهاصات دالة تم تجاهلها فانتفضت ضد البلدية والشرطة وانزلت العلم الاسرائيلي عن ساريتها ورفعت العلم الفلسطيني قبل اسابيع في مؤشر عال الاهمية عما باتت عليه الكتلة الشعبية الفلسطينية ومدى اعتدادها بنفسها واستعدادها للتمرد والتضحية، وقد اخذت قضيتها بيدها ولم تعد تاتمر للسلطة او لغزة وبدلت وسائط التواصل الاجتماعي من قواعد واليات تشكيل الوعي الوطني والقومي وحلت محل الاحزاب ووسائل الاعلام التقليدية المملوكة للنظم او رجال الاعمال والشركات في تعميم الخبرات والتجارب والتفاعل واكتساب الوعي والمهارات التنظيمية والادارية والمعرفة .
انحسرت الازمة السورية التي شغلت العرب والعالم والفلسطينيين لعشر سنوات وقدمت لنتنياهو فرص استعراض القوة والتهويل بالحروب وكشفت المفاوضات النووية الايرانية حجم ما بلغه حلف المقاومة من قوة ومكانة وقدرة على فرض ارادته والزام امريكا المأزومة بشروطه واضاف الحوار الايراني السعودي والسعودي السورية عناصر اكدت ما بلغه محور المقاومة من قوة وحضور وحجم تراجع حلفاء امريكا وانهيار الرهان على امريكا وقوتها ودورها وتثبت الكل من عجزها وازماتها وشكل قرار ادارة بايدن الانسحاب من افغانستان تأكيدا الى ان امريكا ادارت ظهرها للشرق العربي والاسلامي وتراجعت عندها اهمية ومكانة اسرائيل والسعودية ولم يعد للدولتين المكانة في الاستراتيجيات الامريكية الجديدة.
هكذا تحولت الظروف وتبدلت العناصر واتجاهات مستقبل التطورات ومحاورها والاوزان والادوار، وبدات تتشكل محاور وقوى جديدة ارتسمت ملامحها بثلاثة:
محور عربي تتشكل اركانه من سورية ومصر والسعودية ومنصة تفاهماته العراق والشام الجديد.
محور تركيا-قطر والاخوان المسلمين المتراجع دوره ومكانته والمعرض لانتكاسات وتسارع تراجعه مع الانسحابية والانكفائية الامريكية وقد عبرت تركيا عن حالته عندما بادرت للانفتاح على السعودية والامارات وسعت للتصالح مع مصر وكسب ودها، ولم يكن لها ولقطر اي دور في ادارة التفاوض لوقف الحرب على عكس ما سبق.
محور ايران – سورية وفصائل المقاومة- وكتلتها الشيعية في العراق ولبنان واليمن والرهان على شيعة دول الخليج العربي.
وبين المحاور الثلاث تقدمت روسيا بتفاهمات واسناد صيني وبتوافق استراتيجي توزعت الدولتان المهام والهدف المحوري لهما تسريع انسحابية امريكا من الاقليم والعالم ووراثتها وكسر هجمتها على الصين وووقف استعداء روسيا والمحور الاوراسي يبدو اكثر انسجاما مع المحور العربي -السوري البازغة مؤشرات انتظامه، واصبحت موسكو محجة الباحثين عن اسناد وادارة للازمات من ليبيا الى اليمن وسورية ولبنان.
وفي لبنان اخفقت الاستراتيجيات الامريكية الاوروبية ولم تنجح في اضعاف حزب الله وحلفائه بالقدر الذي عززته، واصاب فشلها ادواتها وحلفائها المحليين وازم منصات استنادها في الازمة اللبنانية.
هكذا كان المسرح قد تهيئ لجديد نوعي جاءت شرارته من فلسطين حيث ساحة الاشتباك التاريخية التي هيمنت ووسمت احداثها القرن المنصرم والعقدين من القرن الجاري.
فعلى ما تقدم وواقع الحال والتحولات يمكن تسجيل الخلاصات التالية؛
١- تكرست وتعززت حقيقة ان اسرائيل فقدت اي وكل من عناصر قوتها التاريخية الاستراتيجية والتكتيكية وباتت عاجزة امام غزة منفردة ومضطربة داخليا ومازومة الى حد الاشتباك الاهلي في الضفة واراضي ال٤٨ وقد اختل الميزان الديمغرافي لصالح الفلسطينيين وبفارق اسرائيل مفككه وقبائلها محتربة بينما يتوحد الفلسطينيون على قضية وطنية وقومية.
٢-تخلت امريكا وتعجز اوروبا عن تحمل كلفة اسرائيل وباتت عبئا ثقيلا عليهم بل وتأكد تخلي امريكا عنها ورغبة ادارة بايدن بإعادة هيكلة اسرائيل لتاهيلها لتسوية يعاد عبرها تجديد وهم حل الدولتين وتسوية الجولان بشروط حافظ الاسد.
٣- بلحظة تاريخية استعادت القضية الفلسطينية حقيقتها وجوهرها كقضية حق وطني وقومي وانساني وتوحد الشعب الفلسطيني في اللجوء وغزة والضفة وال٤٨ على درجة كفاحية غير مسبوقة، فأسقطت وانهت جهود بذلت منذ سبعين سنة لتحويلها قضايا لشعوب ومجموعات بشرية لا رابط بينها فاستعادت غزة دورها الوطني الاسنادي لفلسطيني ال٤٨ ونهضت الضفة من كبوتها واسقطت كل شرعيات سلطة ابو مازن واجهزتها والتنسيق الامني وباتت متهمة بالخيانة الوطنية والفساد والتآمر ففي الحرب لم يلتفت احد لابو مازن وسلطته وكانها لم تعد موجودة في الواقع او الاتصالات والجهود الدبلوماسية.
٤- اسقطت الحرب التطبيع والتصالح والتحالفات بل كشفت عن حجم التحولات في القدرة والموقف المصري والعزيمة الجادة لاستعادة دور ونفوذ مصر في الساحة الفلسطينية على حساب تركيا-قطر والاخوان تمهيدا ليكون على حساب ايران ودورها الفلسطيني من بوابة تبني وتسليح غزة وتمويلها، وهذه من ابرز نتائج الحرب الاخيرة.
٥- هزمت اسرائيل اخلاقيا ودبلوماسيا وعسكريا وثقافيا وفي الرأي العام العالمي والاعلام وكشفت على حقيقتها العنصرية والاستيطانية الاستئصالية العدوانية وثبت فشلها الذريع امنيا وعسكريا وفي الحرب السيبرانية وحرب الصواريخ والمسيرات والبر والبحر ولم تعد تخيف احدا بل اصبحت كالبقرة المذبوحة تستدرج الجميع لبل يدهم فيها والتملص من العلاقة معها .
٦- يسجل النصر غير المنقوص المحقق لصالح محور المقاومة بدوله وفصائل ويزيد في قدراته وصعوده ومن بوابة فلسطين حيث يجتمع عليها العرب والمسلمين وشعوب العالم الحرة والراي العام، فالنصر في فلسطين يختلف وقعه واثره وقيمته التاريخية عن النصر في اليمن او العراق وسورية او لبنان.
٧-اعطيت حماس مهمة ووظيفه قيادة المواجهة برغم انها لم تكن لوحدها ولا كانت الاكثر اهمية ووزن ويعود ذلك لأسباب شتى فايران ترغب باستمالتها وبتعويمها، وستحاول بها ومعها تقزيم الدور المصري، ومصر لم يعد لديها خوف او ارتهاب من دورها في اسناد اخوان مصر بعد الزام تركيا بإسكاتهم وترحيلهم، وبرغم التزام حماس ورغبتها بتظهير موقع لتركيا وقطر كما جاء على لسان هنية من شكر الا ان الوقائع كسرت دورهما وحولته الى هامشي ومجرد وفاء لفضي من حماس لإخوانيتها.
٨-وضعت الحرب ومساراتها ونتائجها سورية امام مرحلة جديدة في الصراع مع اسرائيل فمن غير المجدي او المقبول بعد انتصار غزة في الحرب ان تبقى ايدي سورية وجيشها مغلولة عن الرد على اي تحرش او اعتداء اسرائيلي يستهدفها بعد الان .
٩-اعطى انتصار غزة اوراق اضافية لحزب الله وتحالفاتها في الازمة اللبنانية كما ينعكس سلبا وهزيمة لحلفاء امريكا ولدعاة سحب سلاح المقاومة الاسلامية واو استهداف حزب الله بالحملات والاتهامات.
١٠-ايران كاسب محوري ويعود لها الفضل الاول بما بلغته غزة من قوة وسلاح واستعداد واصلا وقعت الحرب على يوم القدس الخميني تثبيتا وتأكيدا لدورها المحوري على كل الاصعدة.
١١-اسقط بيد الامارات والدول التي استعجلت التطبيع واشهار التحالف فأصيبت بالقول؛ الله طعمها الحج والناس راجعة وستدفع ثمنا باهضا من دورها ومكانتها وما كان تحقق لها.
١٢-خسر نتنياهو فرصه ولم ينجح بفرض حكومة طوارئ ولا تمكن من العصبية اليهودية المتطرفة ليكسب الانتخابات ان جرت وغالب الظن انه سيذهب الى العتمة والسجن وبات متهما بتخريب وتدمير اسرائيل وفرصها بالوجود والهيمنة.
في الاحتمالات والسيناريوهات؛
ما اعلن هو وقف لأطلاق النار، وتمظهر كانه من طرف اسرائيل استجابة للضغوط الامريكي، وافقت عليه غزة بلا شروط لانه حقق لها وللقضية الفلسطينية نصرا تاريخيا مؤسسا.
فوقف النار ليس هدنة وليس من قوى ودول ضامنه لعدم تجدده، وتبقى احتمالات العودة للقتال متوفرة بدرجات عالية فقد يبادر احد الطرفين لحساباته واسبابه وقد تتسبب حوادث او عناصر غير منضبطة بفرض العودة الى النار والحرب فالأمور مازالت مفتوحة على كل الاحتمالات والسيناريوهات نرصد منها ؛
الاحتمال الاول؛ العودة الى القتال..
وهذه رغبة جامحة عند حلف المقاومة وقد باتت الظروف افضل من ذي قبل ومعنويات وجرأة الفصائل الفلسطينية افضل مما سبق والضفة تميد وتتحضر وانتفاضتها التي ستتحول سريعا الى السلاح ستكون معركة الفصل والطريق الى التحرير الكامل.
نتنياهو والمتطرفين والمستوطنين والمتدينين منفلتين من كل عقال والايام الاتية ليست في صالحهم وكل ما سيأتي سيكون على حسابهم وهؤلاء حاكمون في اسرائيل وبنيتها وقادرون على العودة الى القتال بافتعال ازمات وربما مجازر او توترات مع غزة او في الضفة وفي فلسطين ٤٨ .
فلسطينيو ال٤٨ وفي الضفة يعيشون حالة انتشاء لم تحصل من قبل ويشعرون بالمزيد من القوة والقدرة والمكانة وهم محتقنون الى اقصى درجات الاحتقان من التعديات والظلم والقهر وتاليا قد تتفلت مجموعات وتقدم على اعمال تلزم نتنياهو واسرائيل للعودة الى القتال قبل فوات الاوان.
احتمال العودة للقتال قائم وراهن وله الكثير من عناصر القوة والتسبب.
الاحتمال الثاني؛ تحول وقف النار الى هدنة مشروطه ودول ضامنه.
لامريكا واوروبا وروسيا ودول التطبيع ومصر ولحماس والاخوان المسلمين وقطر وتركيا مصلحة بالهدنة الطويلة نسبيا.
فلكل من هذه القوى الفواعل حسابات ومصالح تتحقق بهدنة مديدة ولها ايضا اذرع وقدرات في فرض الهدنة وصياغة شروطها وضمانتها المتوازية والمتوازنة، فلإدارة بايدن مصلحة في كسب الوقت لاستكمال عدتها وخططها في العالم والاقليم وفي امريكا نفسها ولصالحها الزمن لإعادة هيكلة اسرائيل بالتوافق مع نخبتها ودولتها العميقة وتفويض فريق سلامي لإعادة محاولة انتاج تسوية سياسية نهائية للصراع مع الحفاظ على وجود اسرائيل الصغرى وهذه ايضا مصلحة روسية ولدول التطبيع وتركيا والاخوان.
فالهدنة القابلة للانجاز مشروطه موضوعيا بوقف الاستيطان ووقف تهويد القدس وتامين الحد المقبول من اليات حماية فلسطيني ال٤٨ وتمكينهم من ابسط قواعد الحياة والكرامة والوطنية وهذه شروط قد لا تقبل بها اسرائيل وتشكيلاتها الاجتماعية خاصة وان التوازن اختل لصالح المتدينين والمتطرفين والمستوطنين .
والاهم ان فلسطيني الضفة تحرروا من هيمنة وهم الدولتين ومن سلطة ابو مازن وتتحفز للانتفاض عليه وفرط سلطته، والحرب اعطتم المزيد من الثقة والامان وعناصر الدعم والاسناد وكذا فلسطيني ال٤٨ وبدون شرط انجاز الانتخابات الفلسطينية وفي القدس قد تلتهب الضفة لاي سبب والاسباب كثيرة جدا وفي اولها تعنت المتطرفين والمستوطنين وهذه قد لا تعطي الوقت والفرص لتكريس وقف النار باتفاق هدنة مضمونة ومحمية فلا حماس ولافصائل غزة تمون على الضفة وفلسطين ال٤٨ بعكس غزة وغزة يستحيل ان تقف على الحياد بعد الان ان تعرضت الضفة او فلسطيني ال٤٨ واو المقدسات .
الاحتمال الثالث ؛ الحرب على الجبهة السورية واو لبنان وهذه تستمر فرصها وتتوفر شروطها وادواتها وقد زادت منها نتائج الحرب الاخيرة وكل ما تنتظره عود ثقاب قد تشعله مناوشات او تحرشات او محاولات نتنياهو الهروب من ازماته ومصيره المحتوم ان هدأت الجبهات العسكرية طويلا مع غزة .
الاحتمال الرابع؛ انفجار الضفة وال٤٨ و تصاعد العمليات العسكرية في فيها، فقد تببن ان السلاح الفردي متوفر على نحو واسع وعودة كتائب الاقصى وانقسامات فتح وتفسخ مؤسسات السلطة الامنية والمناخات السائدة والتي تعزز رفضها وتعاونها الامني” طرد مفتي السلطة من المسجد والهتافات ضد ابو مازن وسلطته مؤشر عما قد يعمم” فإيصال السلاح وصناعة الانفاق والصواريخ والمتفجرات باتت مسألة سهلة وممكنه بيسر، وروح التضحية والجرأة العالية التي كشف عنها الجيل الشاب في المواجهات الاخيرة كلها عناصر ترجح تصاعد العمليات العسكرية والمفخخات والاستشهادية في الضفة وال٤٨ ما قد يعطل مفاعيل وقف النار والجهود لفرض هدنة مديدة مضمونه برعاية قوى واطراف عالمية واقليمية وعربية.
الاحتمال الخامس؛ توازي محاولات اعادة هيكلة اسرائيل وتأهيلها للتسوية مع اطلاق التفاوض بدور وازن لمصر وروسيا بمشاركة امريكية بالتوازي مع جهود تحويل وقف النار الى هدنة مديدة مع غزة،.
فتفاوض يديره الروسي والمصري يطمئن سورية ويعطيها فسحة من الوقت والزمن لاعادة لملمة اوضاعها ومعالجة ازماتها بما في ذلك ادلب وشرق الفرات والازمة الاقتصادية الاجتماعية واعادة هيكلة السلطة مع الولاية الجديدة للرئيس الاسد، ويحجم الدور الايراني ويتسبب بتقليص نفوذ ودور الاخوان المسلمين وتركيا وقطر في الملف الفلسطيني وتبدو الامارات والسعودية ودول التطبيع متوافقة معه وتحتاجه لتتفرغ لمعالجة متاعبها وتامين الاستدارة والتملص من التزاماتها التطبيعية والتحالفية مع اسرائيل واستكمال استدارتها الى سورية وتسريع انتاج تفاهمات وتكتل عربي بمساندة روسية وبموافقة ورعاية امريكية لمواجهة خطر المد الايراني والإخوانية التركي، ولإعادة هيكلة وصياغة دور امريكا في الاقليم والعالم وفي مواجهة شتى المخاطر التي انتصبت في ووجه امريكا داخليا وخارجيا ومع روسيا والصين وجائحة كورونا.
للاحتمالات المعروضة اعلاه عناصر قوة تكاد تكون متلازمة ومتوازنة ولها شروط وظروف وافره ما يجعل ترجيح احدها بقوة امر غير منطقي ولا منهجي.
الاحتمال السادس؛ ان يسبق السيف العذل، وان تبدأ حشود اسرائيلية بالهجرة المعاكسة ما يخل بتوازنات اسرائيل ويفكك بنيتها ونظامها وانتظامها العام، ويعزز مكانة ودور الفلسطينيين ويستعجل فرض الحل التاريخي الموعود بعودة فلسطين من بحرها لنهرها وهذا احتمال كل عناصره واسبابه وافرة ولايجب ادارة الظهر له.
الخلاصة الذهبية؛
نتنياهو تمكن من اسرائيل وفي حقبته المديدة اعاد هيكلتها لتكون تحت سلطته وعلى نمطه لتأبيد حكمه فاطلق يد المستوطنين والمتطرفين والمتدينين وادار الظهر للمتغيرات والتحولات في فلسطين واسرائيل وفي الاقليم والعالم او هو عرف لكنه عاند لشخصانيته، فأوفى بوعده وبما توقعه الباحثون من انه يستعجل نهايتها فتسبب بتوريطها في حرب غير مستعدة ولا مؤهله ولا هي قادرة على خوضها والانتصار فيها، فاستعجل حتفها ونهايتها ووضعها على عتبة الغروب والانهيار بعد ان فقدت كل واخر عناصر قوتها الاستراتيجية والتكتيكية وضربتها الازمة العاصفة في بنيتها بين قبائلها المحتربة ومع الكتلة الفلسطينية تحت سيطرتها والتي اصبحت الغلبة البيولوجية لصالحها، وقد كسبت على اسرائيل الحرب الثقافية والاخلاقية والقيمية والاعلامية والرأي العام.
لا شيء في الواقع وفي المستقبل وفي تحولات القوة وموازينها في فلسطين والعرب والاقليم والعالم يحمل وعدا لإسرائيل .
اسرائيل ومستقبلها يراوح بين خيارين لاثالث لهما؛ اما الانتهاء بحرب الضربة القاضية وكل شروطها وعدتها وموازينها واسلحتها باتت متوفرة.
او السقوط بالجولات وجولة ال١١ يوما اسست وجزمت بنهايتها الحتمية.
كيف ستكون النهاية؟؟
بين نموذجين لا ثالث لهما؛
عودة المستوطنين الى بلادهم والتشتت في اركان الارض الاربعة .
حل ثوري ابداعي يقوم على مسلمة ان فلسطين حرة عربية سيدة فاعلة في بيئتها وامتها واقليم العرب.
ترحيل طوعي او قسري للاتين من بلاد الشتات واعادتهم او ترحيلهم حيث يرغبون .
من يبقى من اليهود يعامل مواطن فلسطيني مع حقوق للاقلية لاترقى الى اي مستوى من الحقوق الوطنية او القومية.
سيف القدس والنتائج الاستراتيجية التي احدثتها الحرب اكدت ان تحرير فلسطين ليس وهما ولا تمني بعيد المنال انما نحن في ايامه المعدودات وفي ظرفه الناضج ولو تأخر الى حين لن يكون بعيدا.
فالشرق صمد وقاوم وخاض الحروب وينتصر وكل من انتصر في حرب عالمية عظمى كتب التاريخ وقاد المستقبل هذه حقيقة من حقائق التواريخ والازمنة وقد دنت ساعة الشرق لينهض ويبني ويسود.