ميكانيزم الحزب الفاسد

هادي قبيسي | باحث في الشؤون الإقليمية

مسار الانهيار الهادئ الذي يعيشه لبنان، والتحولات الحاصلة في حركة الأحزاب التي ساهمت في الوصول إلى الانهيار بفعل فسادها السياسي والمالي والأخلاقي، واستمرار تلك الأحزاب في ممارسة فعاليات سلبية ونسبية، يدفع للسؤال عن ميكانيزم تلك الأحزاب، وطبيعة تكوينها، وكذلك الغايات والدوافع التي تحركها. فهي لا تتأثر كثيرًا بالمجريات، وتحافظ على وتيرة سياسية واحدة، ولا تعمل على تغيير إجراءاتها وحركتها. فكيف يعيش هذا الحزب في مرحلة الانهيار؟

يعيش الحزب الفاسد في هذه المرحلة على عدة ركائز:

تمر هذه الفئة حاليًا بأزمة هوية وأزمة انتماء، بين شعارات ولغة وعلاقات ثقة وطموحات انتفاع ماضية، وبين واقع حالي يكشف عن أن هذه الهوية كانت أداة بيد الحزب، وليست اللغة التي بنيت عليها الهوية، إلا ناتج السلطة التنظيمية التي كرست مفاهيم وآمال وطموحات، لتستملك بها البائسين والفقراء.

تمر هذه الفئة كذلك بأزمة كبرى، حيث فقدت موارد الاستيلاء والنهب، وفقدت ثقة الكثير من جمهورها، فإذ لم تعد تملك أي مورد تستطيع من خلاله توزيع بعض الفتات على المنتفعين، والقيام ببعض المشاريع التي تحافظ على اجتذاب الشباب، ولا القيام بالتحركات الجماهيرية الفولكلورية التي تحافظ على شحنة الرغبة والأمل لدى الطبقات الدنيا، فإنها أمام تحدٍّ وجودي حقيقي، فتنطوي على نفسها بفعل الخوف من المستقبل القاتم، وتبدأ بممارسة النهب حيث يمكنها، يائسة من إمكانية استرجاع نفوذها الشعبي ومشروعيتها السياسية.

حاليًا تعاني هذه الفئة من أزمة كبرى كذلك، إذ لم تعد مقتنعة بدورها، ولا قادرة على القيام به، وجل ما تستطيع القيام به، هو حجز المواد الأولية التي تستطيع الوصول إليها، والتحول إلى فئة معزولة منطوية كذلك، تعمل لصالحها الشخصي بعيدًا عن صالح الحزب وبيئته العامة.

تعيش هذه الأحزاب في الوضع الحالي، على خط الانهيار الهادئ، على حلم استعادة الرفاه المؤقت، وكلما ابتعد هذا الحلم كلما تفكك الحزب، وضعفت قدرته على التماسك، إذ لم يعد يمثل مصالح الأغلبية، التي ترى بوضوح انطواء الطبقات المنتفعة على حسابه، واشهارها سيف الأنانية تجاهه، بحيث لا يعود للغة والشعارات والرموز أي تأثير قبالة انهيار الواقع.

في ظل الاختلال الشامل، يلجأ الحزب الفاسد إلى حلول مؤقتة، تقوم على أساس البحث عن الخصوم، وتحميلهم المسؤوليات، لتخفيف حالة الاحتقان في البيئة الحاضنة، ولكن هذه الحلول المؤقتة لا تفتأ أن تفقد قيمتها، مع استمرار الأزمة، واستمرار الشعور لدى الجمهور بالحاجة إلى تحصيل المقومات الحياتية البسيطة.

Exit mobile version