مقالات مختارة

كتب ناصر قنديل | لماذا يُكرّم اللقاء الإعلامي الوطني وزير الثقافة؟

ناصر قنديل | رئيس تحرير صحيفة البناء

– الحفل التكريمي الذي يحشد له اللقاء الإعلامي الوطني الساعة الخامسة بعد عصر بعد غد الخميس في فندق الريفييرا، ليس مجرد تكريم وزير، لأن اللقاء الإعلامي الوطني الذي أحيا فعالية “إعلاميون ضد التطبيع” ونظم لقاء “إعلاميون في مواجهة الفتنة”، ونظم حشداً إعلامياً في الناقورة دفاعاً عن ثروات لبنان في النفط والغاز، ليس معنياً بتقديم الدروع والتبخير للمسؤولين، وهم لم يفعل ذلك ولن يفعل، لأنه لقاء تطوّعي طوعي حرّ لإرادات إعلامية حرة، جامعها دفاع صادق عن هوية لبنان الثقافية. وفي قلب هذه الهوية، ما أجمع عليه المفكرون الذين صاغوا ثوابت وطنية لبنانية من مواقع مختلفة، وهكذا التقى ميشال شيحا وأنطون سعاده وموريس الجميل على اعتبار المشروع الصهيونيّ في المنطقة مصدر خطر سياسي وجغرافي واقتصادي على كيانات المنطقة، لكنه فوق ذلك مصدر خطر وجودي على لبنان. وعن هذه الهوية الثقافية للبنان السيد المستقل يدافع المنضوون في اللقاء الإعلامي الوطني، ويجدون الجسر المتين الذي يجمعهم بالمقاومة.
– القضية هي أن اللقاء الإعلامي الوطني كان يناقش المشهد الثقافي الذي اقتحمته منذ سنوات جماعات هجينة تحت عنوان جمعيات المجتمع المدني المموّل نصفها من مؤسسة جورج سوروس لحساب مفهوم الحرب الناعمة والثورات الملونة، والمتعيش نصفها الآخر على نهب المساعدات الآتية تحت شعار دعم دمج النازحين السوريين، ضمن الخطة الغربية العدوانية على لبنان وسورية، وبعد إفلاس مشروعها السياسي الذي حاولت تسويقه تحت شعار ثورة 17 تشرين، وجاءت بعدد من النواب على أكتاف هذه الثورة، لم يتأخر الشعب عن اكتشاف زيف ادعاءاتهم وحقيقة هوياتهم، إذ بها تنخرط في مشروع ثقافي هجين جديد، مع قنوات تلفزيونية كانت حتى الأمس تلتقي على اثنتين، أنها قنوات الثورة من جهة، وقنوات حاكم المصرف المركزي رمز الدولة العميقة الفاسدة من جهة موازية، تماماً كما كانت هذه الجمعيات التي جمعت حديث الثورة بالدفاع عن حاكم المصرف، والتفاخر بالعلاقات مع سفارات دول لم تسمع بانتخابات وديمقراطية لتقدّم لنا نموذج الحلم الآتي.
– المشروع الثقافي الجديد يقدم مشروع هندسة جديدة للمجتمع عنوانها هدم الأسرة وإسقاط منظومة القيم الأخلاقية، أسوة بما يجري في بلاد الغرب من حرب ثقافية تخوضها جماعات مماثلة في وجه المجتمع. والمشروع الثقافيّ الذي يتوارى وراء مزاعم الحرية، ينقل الحرية من مقامها السامي كحرية فكر وحرية إبداع، تترجمها حرية التعبير، لتصبح الحرية حرية اللسان في البذاءة والشتيمة والفتنة، والأخطر حرية الجسد في التعرّي والشذوذ، تحت شعار “الحرية اللامحدودة حق”، فينتسب البعض تعبيراً عن الخيار الثقافي الحر الى عالم الكلاب على سبيل المثال، وينتقل الشذوذ من كونه نقطة ضعف يتستر عليها المبتلون بها، ويطلبون من المجتمع تسامحاً ورحمة، ليصبح الشذوذ هو النموذج الجديد للمجتمع، الذي يجب تدريسه وتعديل المناهج لتتواءم معه، ويصير المنتسبون الى هذا الحزب الجديد يقدمونه هوية بديلة للديانات والعقائد والأوطان، يتباهون بكونهم طليعة ثقافية حرة ذات هوية أممية، لكنهم لا يضيفون، ولا يعترفون أن عاصمتها البيت الأبيض الذي يقود هذه الحملة العالمية للترويج وفرض الشروط على تمويل صندوق النقد الدولي لدول العالم بضمان تعليم الشذوذ في المناهج للأطفال، وتوفير بيئة مناسبة للجمعيات التي ينتظم من خلالها أعضاء الحزب العالمي الجديد، بالتشريعات اللازمة، وصولاً لمنحهم كوتا في مؤسسات الدولة الدستورية أسوة بما فعله الرئيس الأميركي جو بايدن. والهدف كشفت عنه نائبة بايدن كمالا هاريس بقولها إن المطلوب مكافحة التوسع السكاني كمدخل لاستقرار العالم، والهندسة الجديدة تضمن ذلك باعتبار ان زواج المنتسبين إلى جنس واحد ليس فيه إنجاب، وتشريع زواجهم يجب أن يتصدّر جدول الأعمال.
– هذا المشروع التدميري للأسرة والمجتمع، استنهض في الغرب جمعيات وكنائس ونخباً وشارعاً لمواجهته، كما استنهض في الشرق إضافة الى الشعوب، حكومات أدركت خطورة هذا المشروع فهبّت لمكافحته. وعندما أطل هذا المشروع برأسه في لبنان، كان وزير الثقافة محمد وسام مرتضى ينصب متراسه الثقافي والوزاري ويخوض المواجهة منفرداً، حتى نهضت مرجعيات وهيئات تتضامن معه، وترتّب على تصدره لهذه المهمة النبيلة، التي تقع في صلب مسؤولية الثقافة ومهمتها، أن تعرّض وزير الثقافة الى حملات استهداف انخرطت فيها جمعيات توطين النازحين، وشارك فيها بعض نواب الغفلة، وتجندت لها قنوات تلفزيونية لا يجمعها إلا أمر عمليات صدر عن السفارة الأميركية، كما اجتمعت على زعم الانتماء الى ثورة الشعب معاً، ودافعت بالشراسة ذاتها عن حاكم المصرف معاً، رفعت لواء الشذوذ معاً.
– عندما يدعو اللقاء الوطني الإعلامي المجتمع وشرائحه المختلفة، وقيادات الرأي فيه، إلى المشاركة في تكريم وزير الثقافة، فهو يفعل ذلك بقناعة أن الوزير كان ملء ثوبه الوزاري كفاءة وهمة ونشاطاً ونزاهة وتحييداً للوزارة ومسؤولياتها ورعايتها للأنشطة الثقافية والهيئات الفاعلة العاملة في الثقافة، عن أي تحزب أو تطييف أو تسييس، وهو بذلك استحقّ التكريم بجدارة لعمله كوزير، لكن التكريم يأتي ليعلن باسم من سوف يحتشدون للمشاركة فيه أن المعركة التي خاضها وزير الثقافة، كانت معركة ثقافتهم جميعاً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى