ميقاتي … الكأس المرة!

نبيه البرجي | كاتب وباحث لبناني

نقول لنجيب ميقاتي … لا تكون الرئيس الخطأ في الوقت الخطأ !
أنت تمتلك كل الامكانات , وكل الظروف , ولو كانت الظروف القاتلة , لكي تكون أنت , لا ظلاً لسعد الحريري , ولا تحت وصاية (أو تحت ادارة) سعد الحريري الذي , كسائر أقطاب المنظومة السياسية , سقط في الاختبار كرجل دولة يقود البلاد الى حيثما يوجد الخلاص لا الى حيثما توجد الجلجلة …
لا احد الا ويعلم أن ازاحة جبل صنين من مكانه أقل صعوبة من ازاحة ملوك الطوائئف , آلهة الطوائف , لكننا , كلبنانيين الذين لا صدى لأنيننا , ولا صدى لصراخنا , بتنا نراهن على وقف التدهور , ولو أتانا من الجحيم .
ظلال كثيرة أحاطت بنجيب ميقاتي كأحد رجال المغارة (مغارة علي بابا) , ليصل الى ذروة الخطيئة , هو وتمام سلام , في ذلك الثلاثي الذي بادارة فؤاد السنيورة القابع سعيداً , تماماً كما حصان طروادة , في رأس سعد الحريري حين يبدو كما أحد أبطال وليم شكسبير , يلاحقه هاجس الأشباح (بالعباءات الملكية) والتي قد تطل , في أي لحظة , من شقوق الجدران في بيت الوسط .
أحد الذين شاركوا في ايصاله الى السراي عام 2011 قال لنا “كان نجيب ميقاتي بمثابة الكأس المرة . صورة سعد كانت تظهر له حتى في طبق الفول المدمس” ,
حتى الآن لم نعلم لماذا كان ذلك الانقلاب المهين ضد رئيس تيار المستقبل حين كان داخل البيت الأبيض , وهو الذي زار دمشق , وتبادل القبل مع بشار الأسد . هل كان باستطاعته اقفال أبواب لاهاي ؟ السؤال نطرحه على الذين يعلمون أن المحكمة الدولية أنشئت لأغراض تتجاوز بكثير قضية رفيق الحريري بل وقضية لبنان …
الشيخ سعد ابتعد , أو أبعد , عن السراي . على مدى تسعة أشهر امتطى حصان دونكيشوت , وراح يقاتل طواحين الهواء , كما لو أنه لم يكن يعلم أن المشكلة في قصر اليمامة لا في قصر بعبدا . اذا دقت ساعة نجيب ميقاتي للمرة الثالثة اما أن يكون الرجل الذي يضع خارطة الطريق الى الانقاذ أو ليبقى حيث هو …
كل العالم يقول أن لبنان يدار كما كانت تدار دوقيات القرن الثامن عشر . غالبية الساسة لا علاقة لهم بمواصفات رجال الدولة . لا تميّز في الرؤية , ولا تميّز في المسؤولية , ولا تميز في الأداء , أدمغة مقفلة ومصابة ببارانويا العظمة .
ملوك الطائفية , وملوك الفساد , وملوك التفرقة , وملوك الخراب . بالرغم من ذلك , الأكثرية التي تلهث , عبثاً , وراء رغيف الخبز , ووراء تنكة البنزين , ووراء علبة البنادول , ما زالت تهلل لهم , وتقاتل من أجلهم على المواقع (التي تحولت الى خطوط تماس) , وعلى الطرقات , وفي الخنادق . آخر اختراعاتنا في الدولة البهية : ثوار الدراجات النارية . بمعنى آخر … ثورة الموتوسيكلات .
أولئك الذين حولوا الصرخة الى ظاهرة كوميدية حين يكون نجومها أصحاب الأدمغة العرجاء , ورثة الفساد أو الضالعون في الفساد , وفي التنظير الضبابي . أنظروا اليهم وهم يتقيأون على بعض الشاشات , كما لو أننا لم نعد نشعر بالخجل من استشراء ثقافة الببغاءات التي هي , بشكل أو بآخر , ثقافة القهرمانات !
لن يؤتى بنجيب ميقاتي لأنه الأفضل . كمال جنبلاط كان يردد “أنا لآ اصنع الرؤساء بل أختار بين السيء والأسوأ”. لاخيار أمامنا سوى أن نقول له , وكنا الأصدقاء ذات يوم , لا تكن الأسوأ . هذه فرصتك لكي تغسل يديك من كل الماضي , ولكي تكون رجل لبنان لا رجل الطائفة أو رجل صندوق النقد الدولي الذي لا يرى الاصلاح سوى بدعوة الهياكل العظمية الى شد الأحزمة .
عبث الرهان على رئيس حكومة من خارج تلك الأوليغارشيا الغراء . قيّض لنا كلبنانيين أغوتنا جيرة القمر قبل أن نرقص الفالس مع الجرذان , أن نكون في حضرة القضاء والقدر , وعبث القول برئيس حكومة يصنع في لبنان , وعبث انتظار أن تنتج الشوارع رجلاً أتياً من ليل الأنين لا من ليل الأراكيل .
لندع نجيب ميقاتي يمسك بكرة النار , ويقول “أنا نجيب ميقاتي الآخر , جئتكم للبنان الآخر” . اتركوا الخيال يلعب في رؤوسنا قليلاً …

Exit mobile version