ميقاتي أمام “فرصة تاريخية”.. لن يستقيل نهائياً… ونشاط الـ (NGOs) فعّل بعد إنتخاب عون

حسان الحسن | كاتب واعلامي لبناني

لاريب أن الحكومة الميقاتية الثالثة ما كانت لتبصر النور، لولا الجهود الفرنسية التي آلت الى ذلك، وبعد موافقةٍ أميركيةٍ على المساعي الفرنسية، أي أن الحكومة الراهنة تحظى برعاية الأميركيين والأوروبيين ودعمهم. وقبل إعلان ولادتها، تدوال الإعلام أسماء المرشحين للتوزير، وكان في مقدمهم وزير الإعلام جورج قرداحي، فلم يسجل أي إعتراضٍ على توزيره، من أي جهةٍ محليةٍ أو أقليميةٍ أو دوليةٍ. غير أنه خلال الأيام القليلة الفائتة، إستحضر حديث صحافي لقرداحي، عبّر فيه عن موقفه كإعلامي من الحرب على اليمن في آب الفائت، قبل تعيينه وزيراً في الجكومة اللبناتية، أي أنه كان يعبّر عن موقفه الشخصي من هذه الحرب. ما أثار غضب السعودية، ليس على قرداحي فحسب، بل على الحكومة اللبنانية برمتها. وأخذ هذا الغضب منحىٍ تصعيدياً من “المملكة” تجاه لبنان على مستوى العلاقات الدبلوماسية والتجارية وسواها. ومعلوم أن أي شكل من أشكال الخلافات أو الإشكالات بين الدول الصديقة، يصار الى حلّه عبر القنوات الدبلوماسية ووزارة الخارجية، غير أن الرياض لم تسلك هذه الطريق، وذهبت فوراً  الى التصعيد، إثر إستحضار تصريح وزير الإعلام اللبناني قبل توليه الوزارة. ما يؤكد قطعاً أن “القصّة مش رمّانة… قصّة قلوب مليانة”. وهذا ما أكده وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي عبّر بشكل واضح عن موقف بلاده، بان الأمر أبعد من إستقالة الحكومة او قرداحي. بل تريد السعودية تغيير سلوك لبنان  ونظامه السياسي نحو “الحياد”، وتحميل حزب الله وايران مسؤولية كل ما يجري في لبنان والمنطقة وحتى اليمن. بالتالي فهي تطلب المستحيل.  فمعلوم أن “الحزب” هو مكون شعبي وسياسي كبير من مكونات المجتمع اللبناني، بإقرار من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحٍ إعلاميٍ له في الأسابيع القليلة الفائتة، يومها أكد أن حزب الله هو قوة سياسية كبيرة في لبنان، بالتالي لا يمكن عزله، كما تشتهي المملكة. ومعلوم أيضاً  أن الإدارة الأميركية وكل من يدور في فلكلها، لم يبدلوا سلوكهم العدواني تجاه المقاومة منذ إنطلاقها في سبعينيات القرن الفائت. غير أن واشنطن رعت تسوياتٍ سياسيةٍ في لبنان، من دون أن توقف حربها المستمرة على المقاومة. كإتفاق الطائف، ثم الدوحة، ثم الموافقة على تأليف الحكومة الميقاتية الثالثة أخيراً.

ومعلوم أيضاً وأيضاً  أن هذه التسويات لم تمنع إستهداف لبنان عسكرياً وأمنياً وإقتصادية من “إسرائيل” بدعمٍ أميركيٍ، خصوصاً  بعد توقيع “الطائف”، اي في الحقبة الزمنية الممتدة، ما بين 1990 و 2006، وكان أبرز هذه الإستهدافات، “حرب الأيام السبعة أو تصفية الحساب 1993” ، “عناقيد الغضب 1996″، وعدوان تموز 2006. ناهيك بتفيذ العدو الإسرائيلي إغتيالات عدة طاولت مقاومين في لبنان، بتغطيةٍ سياسيةٍ أميركيةٍ، ودعمٍ عسكريٍ مباشرٍ.  إذاً إن التسويات السياسية في لبنان، التي تحظى بموافقة أميركية، لا تلغي السلوك العدواني الأميركي تجاه لبنان ومقاومته. وغالباً كانت واشنطن تسعى الى تسهيل عقد “تسويات” تحاول من خلالها فرض طبقةٍ سياسيةٍ في لبنان، علّها تمسك مفاصل الحكم فيه، وتكون طوع أمر الولايات المتحدة، التي تسعى دائماً لفرض “إتفاقات إذعان” على لبنان، لمصلحة “إسرائيل”، على غرار إتفاق 17 أيار  1983، واليوم محاولة تمكن “تل أبيت” من الحصول على “حصة الأسد” في غاز المتوسط . وأمام هذا التصعيد السعودي حيال لبنان الرسمي، يطرح السؤال الآتي: “هل بعثت الرياض رسالة نارية لواسنطن عبر صندوق البريد اللبناني؟”

هنا يجيب مرجع سياسي وسطي عن هذا السؤل، مرجحاً أن يكون الهدف من إشعال الساحة اللبنانية، هو إيصال رسالة نارية سعودية الى الولايات المتحدة في شكل خاص، خصوصاً بعد وصول إدارة الرئيس جو بادين الى البيت الأبيض، الذي أعاد المفاوضات مع إيران في شأن برنامجها النووي، وسحب قوات بلاده من أفغانستان، وأعطى لقطر دوراً في ذلك، في معزلٍ عن السعودية التي تعتبر نفسها زعيمة الخليج. ناهيك بدور كل من الإمارات والأردن، في معزلٍ عن السعودية أيضاً، الأمر الذي اثار حفيظتها، ودائماً برأي المرجع. ويلفت الى أن الرياض لجأت الى التصعيد من الساحة اللبنانية، كونها خسرت في كل الساحات المستعرة الأخرى، من سورية الى العراق الى اليمن، معتبراً  أن السعودية اختارت “صندوق بريد الساحة اللبنانية”، بعد ولادة حكومة ميقاتي الثالثة، التي حظيت بالموافقة الأميركية، لتؤكد لإدارة بايدن أنها لاتزال فاعلة إقليمياً، وقادرة على ضرب التسوية التي أدت الى ولادة الحكومة اللبنانية، وما بعد الحكومة، أي النتائج المنتظرة أميركياً من هذه الحكومة، خصوصاً إجراء الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل. حيث تراهن واشنطن على تغيير التركيبة الراهنة للمجلس النيابي، عبر محاولة إيصال أكثرية نيابية لغير صالح حزب الله وحلفائه. وستدور رحى المعركة في الداوئر المسيحية، حيث يكثر النشاط الكبير للمنظمات التي تطلق على نفسها “منظمات المجتمع المدني” (NGOs)، من دون حسيب ولا رقيب. ويشير المرجع الى أن إدارة بايدن تلقفت هذه الرسالة، وتجاوبت معها، بدليل موافقتها على صفقتَي سلاح للسعودية بحجّة دعم «دفاع» المملكة عن أراضيها.

وهنا تكشف مرجعية رسمية كبيرة، أنها إطلعت من وزير الداخلية، على تواريخ تأسيس هذه المجموعات، فجل نشاطها بدأ ما بعد العام 2017، أي ما بعد إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية. أي أنها موجهة ضده وضد حلفائه. وهذا السلوك بدا جلياً في ما يسمى “ثورة 17 تشرين الأول” 2019، يوم حاولت النيل من رئيس الجمهورية وموقعه الدستوري وفريقه.

بالعودة الى مسألة العلاقات الثنائية اللبنانية- السعودية، يطرح السؤال الآتي: “ماذا عن مصير  الحكومة اللبنانية؟”

وهنا تؤكد المرجعية عينها، أن الحكومة مستمرة، وتحظى بدعمٍ  دولياً حتى الساعة، وبدا ذلك بوضوحٍ من خلال اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في  اسكتلندا مع ممثلي دول العالم، خلال المشاركة في “مؤتمر الامم المتحدة  بشأن التغير المناخي” في مدينة غلاسكو. وفي السياق، يعتبر مرجع في فريق الثامن من آذار، أم ميقاتي أمام فرصة تاريخية للإمساك بالقرار السني في لبنان، لم تأت لمرجعية سنية منذ العام 1990. بالتالي لن يتخلى عن موقعه، خصوصاً أن الحكومة مقدمة على إجراء تعيينات، سيسمي فيها ميقاتي أسماء المرشحين السنة الى المواقع الإدارية، ما يمكنه بالامساك في الشارع السني بالكامل، يختم المرجع.

 

 

Exit mobile version