نبيه البرجي – كاتب وباحث سياسي لبناني
. لنسأل , أي لبنان , وأي لبنانيين , في حرب داحس والغبراء , بين قصر بعبدا وبيت الوسط ؟!
لكي نستعيد , ربما للمرة الألف , ما حدث بين رئيس الجمهورية الفرنسي ريمون بوانكاريه (ابان الجمهورية الثالثة) وجورج كليمنصو علّ ذلك يكون مثالاً يحتذى في مواصفات رجال الدولة , وفي منطق الدولة , ما دمنا محكومين برجال اتسويات , وبمنطق التسويات …
الاتنان كانا على كراهية عمياء , حتى اذا ما اندلعت الحرب العالية الأولى , دعا بوانكاريه كليمنصو الى الاليزيه. حين دخل عليه , بادره بالقول “أنت تعلم مدى كراهيتي لك , لكن فرنسا الآن هي قضيتنا” . كليمنصو أجاب “وانت تعلم ما نظرتي اليك , وأنا هنا من أجل فرنسا” . في الحال , أخرج ورقة من جيبه , ووضعها أمام الرئيس الذي وقعها دون أن يقرأ ما فيها . وكانت لائحة بأعضاء الحكومة المؤهلة للتعامل مع الحدث .
لا نتصور أن الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري يتبادلان أي شكل من الكراهية , ولا نتصور أن الاثتين لا يدركان أن لبنان يتدحرج , درامياً , نحو القاع ما يستدعي تجاوز كوميديا الصلاحيات في دولة قطعت أكثر من نصف الطريق الى الاضمحلال , ومع اعتبار الاحتمالات الاسرائيلية (والأميركية) , وفي هذه الأيام بالذات , بعد ظهور الـ M.k بين أسراب القاذفات التي حلقت فوق مدننا وقرانا .
لافتة الفصاحة التي هبطت على الرئيس الحريري ليلجاً الى الكتاب المقدس(سفر الحكمة) في رده على رئيس الجمهورية (ان الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر , ولا تحل في الجسم المسترقّ للخطية” , قبل أن يتبع بذلك قصيدة “اذا” الشهيرة للشاعر الأنكليزي روديارد كيبلينغ الذي وصفه جورج أورويل بـ …”نبي الأمبراطورية البرييطانية” !
واضح أن هناك خلل تقني , وخلل فلسفي , في أي تشكيلة حكومية . شخصية محورية , وزعيم تيار ضالع في الصراعات التي يشهدها لبنان على رأس حكومة اختصاصين مهمتهم وضع أساسيات انقاذ لبنان من الأزمة البنيوية التي يعاني منها . هل هو حقاً المايسترو الفذ الذي يتولى قيادة هذه الأوركسترا ؟
سؤالنا يستتبع التشكيك في صدقية , وفاعلية , كل وجوه الطبقة السياسية حيث لا مجال لاعادة بناء الدولة في حال بقائها على عروشها …
اذ يحتدم التراشق بكل أنواع الكلام , ألا نلاحظ كيف أن نجوم تلك الطبقة بلغوا , في تفسيرهم الطائفي لمفهوم الميثاقية , الحدود القصوى للهرطقة السياسية , وللهرطقة الدستورية ؟
كلنا نعلم أن العلاقات بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري كانت أسوا بكثير ابان الصراع , المبرمج داخلياً وخارجياً , حول رئاسة الجمهورية . بالرغم من ذلك تمكنت عصا السحرة من أن تجمعهما تحت خيمة واحدة, وفي صفقة واحدة (وهو التقليد الشائع في الانتخابات الرئاسية وفي اختيار رئيس الحكومة) , بعيداً عن العناوين الفضفاضة , وعن القضايا الفضفاضة .
شئنا أم أبينا , السيناريوهات الراهنة , والمحتملة , تنعكس أوتوماتيكياً , على الداخل اللبناني .
لا شك أن توقيع العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر كانت كما السكين في الخاصرة . ولا شك أن رئيس تيار المستقبل لامس في خلافه مع رئيس الجمهورية كل الخطوط الحمراء اتقاء للضربة الأميركية . الضربة على الرأس , والتي تعني تفكك كل تغطية خارجية , ودون ان يعلم أحد ما خلفيات زيارته الهيتشكوكية (نسبة الى المخرج الهولييودي ألفرد هيتشكوك) لرجب طيب اردوغان …
اذ لا يستبعد البعض أن يوجه دونالد ترامب الذي يعيش ساعات مجنونة ضربة قاضية الى أحد الرؤوس الكبيرة في لبنان , لا نتصور أن الحكومة وراء الباب لأن ثمة جهات عربية قالت كلمتها , ان عبر بهاء الحريري , الذي يحاول عبثاً الدخول , من ثقب الايرة , الى الحالة اللبنانية , أو عبر أي صوت آخر . لا حكومة فيها حتى مجرد ظل لـ “حزب الله” أياً كان رجل البيت الأبيض .
رئيس وزراء سابق قال للرئيس المكلف “اعتذارك مقابل استقالته” . هل توضحت الصورة ؟