ليندا مشلب | كاتبة واعلامية
كاد الشارع أن ينزلق الأربعاء ليلاً إلى تطور يستعيد مشاهد تقطيع الطرق وأوصال البلاد وما يرافقها من رعب المواجهات، التي قلما يُعرف كيف تنتهي. لكن سرعة استيعاب القرار الذي وصفه مصدر حكومي مخضرم لـ”لبنان الكبير” بالـ”خنفشاري” ضبطت الأمور، ما شكل فرصة لجس نبض الشارع الواقف “عشوار” في حال تم اتخاذ أي خطوة أو قرار غير مدروس. فانقلب السحر على الساحر، الذي أراد من وراء الدفع إلى هذا القرار سحب البساط من تحت قدمي الحاكم الذي كان يدرس جدياً قرار استعادة شريحة كبيرة من المودعين أموالهم بالعملة الأجنبية من جهة، وقطف شعبوية على عتبة إقرار مجلس النواب قانون الكابيتال كونترول، في محاولة لرمي كرة النار إليه. ويعتبر المصدر أن هذا الملف من الأساس ليس من شأن القضاء ولا مجلس النواب بل للاختصاصيين، وكان يفترض ترك الأمر لهم بدل التخبط والتراجع وإحداث تصدّع جديد في هيكل القضاء، الذي أصبح مهشماً من شدة التدخل فيه.
ويوضح المصدر أن قرار الحاكم الأخير كلفه ٥،٤ مليارات دولار سيتحمله بالتساوي مع المصارف، التي وجدت نفسها مرغمة لا بطلة بحسب قدراتها، فودائعها وسنداتها لدى المركزي وهو سلطة قوية تصل إلى حد تفليس المصرف وله صلاحيات مطلقة على المصارف والمودعين. أما عن خطوة المركزي في هذا التوقيت فهنا علامة الاستفهام الكبرى… كيف عاد من الدولار الذي كان قد تحول إلى العملة المتاحة إلى الدولار المفقود والطاير من الودائع؟ فهل هو قرار خلفيته سياسية ويفتتح البازارات الانتخابية، أم هدفه سحب فتيل الشارع عند رفع الدعم عن كل شيء. فالمودعون الصغار يشكلون ٨٠ بالمئة من نسبة المودعين، وهم القنبلة الموقوتة. اما المودعون المتوسطون والكبار، الذين تبدأ ودائعهم من ٢٠٠ ألف دولار صعوداً فيشكلون النسب المعاكسة (٨٠ بالمئة من الودائع و٢٠ بالمئة من المودعين) ما يعني أنهم طبقة ميسورة لا تشكل خطراً في مسار حركة الاحتجاجات أو الثورة إن حصلت… يعني حاكم المركزي يكون قد أعطى bonus للمودعيين من أموالهم بدل صرفها على الدعم والبطاقة التي ستتحول من بطاقة تمويلية إلى انتخابية على أبواب الانتخابات. ويرجح المصدر أن تشكل خطوة الحاكم، إذا ما ترافقت مع استقرار سياسي، حافزا لتحريك العجلة الاقتصادية والنقدية في الداخل، لأن هذه الأموال ستعطى لتصرف وليس لتخبأ، أولاً لأن رفع الدعم سيزيد الغلاء بشكل جنوني ما يدفع إلى زيادة الصرف، وثانياً لأن القرار ثابت لمدة ثلاث سنوات ما يعني أن المودع سيحصل على الدولار لمدة طويلة وليس كما كان يقال له في بداية الأزمة لشهور قليلة. مع العلم أن آخر الدراسات تؤكد أن نصف الشعب اللبناني أصبح تحت خط الفقر. ومن نراهم بزحمة في الشوارع والمطاعم والمنتجعات يصرفون الأموال فقط ولا يصنعون اقتصاداً وهم بمجملهم لديهم مصادر تمويل بالـfresh وقد أصبح لبنان من البلدان “الرخيصة” بالنسبة إليهم.
والى المشهد السياسي ينتقل المصدر ليقول إنه إذا أقدمنا على انتخابات مبكرة فالأجواء ستبقى كما هي من دون سيناريوات دراماتيكية متوقعة من مدة، لأن الانتخابات تجعل الكل ينخرط بها وتدفع في خلالها الأموال وعلى سعر رخيص للمتمول الذي كان ينزل بنفسه أو يمول سياسياً في حملته بمبلغ مليون دولار يكفيه أن يدفع اليوم ٢٠٠ ألف دولار. وهذا العام أفضل بكثير من العام المقبل بالنسبة للسياسيين، لأنه بالاستنزاف والمماطلة وتمديد عمر الأزمة سيخسرون أكثر على حساب تقدم لوائح الثورة خصوصاً إذا ما توحدت بدفع ودعم خارجيين، لا سيما في المناطق المسيحية.
وعُلم أن فترة السماح التي تعطى حالياً ليست لتشكيل حكومة الميؤوس من أمرها، إنما لدرس الخيارات البديلة والخطة B التي يعكف كل فريق على دراستها ضمن البيت الداخلي وعلى خط الحلفاء فمن يسبق أولاً؟