من صيغة ١٩٤٣ إلى الطائف: طريق ذات الشَوكَة.
اسماعيل نجار | كاتب وباحث لبناني
أكبرصفقةسعودية لبنانية تَمَّت”بعقد” بيعٍ لوَطَنٍ عنوانه اتّفاق الطائف، أَمَّن انتقال مُلكيَة وطنية لبنانية بسلاسة، بالريال والدولار، من المالك (المارونية السياسية) وريثة دولة فرنسا الحُرَّة إلى المستثمر السياسي السعودي، برِعاية أمريكية ورِضَىً عربي وبأوجُهٍ لبنانية،”أوجيهية” و”وطنية”.
قَبضَ الموقعون على عقد البيع الممسوح هذا ما يكفي لسد حاجتهم، للعيش برخاء على حساب خمسَة ملايين لبناني من الفقراء ودافعي الضرائب.
السعودية حَوَّلَت اسم شركتها المالكة، من سعودي أوجيه إلى “سوليدير”، كواجهة تجارية لها في وطن الأرز بهدف الِاستثمار السياسي فيه، وعَيَّنَت رَجُلها الموثوق: رجل الأعمال اللبناني السعودي رفيق الحريري رئيساً، لمجلس إدارتها الذي يضم كل أمراء الحرب اللبنانيين،الذين بَصَموا ووقَعوا، لرئيسهم الجديد، ممثل السعودية الكُبرَىَ، على أوراقٍ بيضاء.
فتحوَّلت سوليدير إلى مجلس نواب وحكومة وقضاء، ودائرة مساحة تحكم بأمر الله،تتملَّك وتَنتَزِع مُلكيات خاصة وتضم وتُفرِز، وتحدد قيمة التعويضات لأصحاب المحال والشقق وتقرر كل شيء!
فنُهِبَت أملاك الفقراء، وتحولَّت سوق الطويلة وباب إدريس وساحة البرج وسوق النورية وغيرها إلى موناكو لبنان، يُحَرَّم على الفقراء الدخول إليها.
أمراء الحرب أعضاء مجلس إدارة الشركة السعودية نالهم من خير جلالة الملك وسموالأميروالشيخ خيرٌ كثير، وأصبحوا في بحبوحة كانت كالحلم، على حساب اللبنانيين من الطبقة الوُسطَى في البلاد.
النظام السعودي الذي خَطَّطَ للسيطرة على لبنان، من خلال هذا الإتفاق المقيت،كَرَّسَ الطائفيةالتي قاتلَ بعض اللبنانيين من أجل إلغائها،وفرض نظاماً سياسياً جديداً على أساس الِانتماء الوطني،
وأضاف إلى وجوه الحُكم، المُباركين من قِبَلها، عُرفاً جديداً أسموه المحاصصة! الذي أولَد كلمَة (تَرَاضي)!
حيث أصبحَ كل شيء في لبنان بالتراضي!
الحُكم بالتراضي،الأمن بالتراضي، والتلزيمات بالتراضي؛
المهم أن يبقى ملك الرياض راضيا.
إتفاق الطائف…
كانَ الأسوَء على لبنان، من نواحٍ ثلاث: سياسية، اقتصادية، وأمنية.
في خارطة الطريق الأمريكية السعودية للبنان، خُطِّطَ له لكي يصِل إلى ما هو عليه اليوم،لأنه بعد الِاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام ١٩٨٢، وُلِدَت المقاومة المدنية الشاملة التي دعا إليها الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، فتحركَت قِوَىَ وأحزاب يسارية ووطنية،وبدأت القيام بعمليات ضد الجيش الإسرائيلي، كانت باكورتها عملية قهوة الويمبي،في شارع الحمراء التي نفذها الشهيد “خالد علوان”.
الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل توجستامن إنطلاق العمليات العسكرية ضد الِاحتلال الصهيوني، ومن رفض، كافة الأحزاب اليسارية والوطنية، تنصيب بشير الجميل رئيساََ للبلاد.
وبعد تنامي العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني، وانسحاب قواتهِ من الكثير من المناطق اللبنانية،كانَ عامل التفجير الأمني هوَ العنصر الأساس بين الأفرقاء اللبنانيين،حتى أن وليدجنبلاط زعيم الحزب التقدمي الِاشتراكي، الذي اعتبَر أن لبنان دخل العصر الإسرائيلي، واستقبل شيمون بيريز في المختارة لم يسلم من المخطط الصهيوني، الذي أدخل القوات اللبنانيةإلى جبل الشوف ليرتكب المجازر فيه.
بعد اقتتالٍ ،بين جيش المارونية آنذاك والقوات اللبنانية من جهة،وحركة أمل وحلفاؤهم من الدروز، من جهة أخرى، برزت إلى الواجهة الحالة العونية التي شكَّلَت عامل استثمارٍ عراقيٍّ سعوديٍّ آنذاك، أوصلت البلاد الى المبتغى الأمريكي السعودي، الذي بيعَت فيه السلطة العونية لسوريا.
فكان لا بُد من جولَة يذهب بعدها لبنان إلى مؤتمرمايعيد صياغةالدستور، فكانت الدعوة السعودية إلى الطائف، حيث تَمَّ هناك بازار البيع والشراء.
ماذا أنجَزَ اتفاق الطائف للبنان؟
أولاً: كَرَّس اتفاق الطائف الطائفية السياسية، والمحاصصة وكل شيء بالتراضي، كما أسلفنا ذِكرُه أعلاه.
ثانياً :كَرَّسَ الحضورالأميركي السعودي على مستوَىً عالٍ وكبير جداً، وأدخَل أجهزة ستخبارات دولية متعددة، إلى مناطق لبنانية كانت عاجزة بالسابق عن الوصول إليها.
ثالثاً : الطائف أنتَجَ طبقة سياسية من أرفع مستويات اللصوص والوقاحة في العالم.
رابعاً:عَمَّمَ الهدرونَظَّم السرقةوقَوننها، وحَمَى المرتكبين وأصبحت الأمورتسير على قاعدة ٦ و٦ مكرر بكل شيء،وكَرَّس مبدأ المساومة والمقايضة وتصفير العدادات.
خامساً: كَرَّسَ الإقطاع السياسي والمالي والتوريث السياسي، وأسسَ لكانتونات طائفية، حيث أُنشئَت مربعاتٌ أمنية داخل الدولة.
سادساً : الطائف هَدَم أُسُس البُنيان اللبناني الوطني، وزرعَ الكراهية بين المناطق والطوائف،وخلقَ الفِتَن، وشَجَّعَ سفراء الدوَل الخارجية على التدخل في الشأن الداخلي اللبناني، حتى على مستوَى تنفيذ المشاريع الإنمائية للبنانيين.
سابعاً : أوصَل الطائفُ لبنان إلى الإنهيار المالي والإقتصادي، إلى حدود الإفلاس وخسارة الشعب اللبناني بالكامل، لكامل إيداعاته ومدخراته من جَنَىَ العُمر، وتسبّبَ في انهيار العملة الوطنية بشكل كبير.
ومع كل ذلك، لا تزال الطبقة السياسية في لبنان متمسكة في السلطة، وتكافح لإنقاذ نفسها من الذوبان السياسي والِانقراض، فتحاول تدوير نفسها بحيلة تغيير الوجوه!
جاءَ وليد بيك جنبلاط بولده تيمور نائباً،في مجلس النواب اللبناني، بديلاً عنه.
وجاءَ سليمان بيك فرنجية بولدهِ طوني نائباً في البرلمان اللبناني كبديلٍ عنه.
وجاءَ(بائع الشاي)أحمَد فَتفَت بولدِهِ سامي، بديلاً عنه في مجلس النواب!
والباقون يتهيئون لترشيح أبنائهم للِانتخابات البرلمانية القادمة عام ٢٠٢٢،ومنهم أمجد بطرس حرب، حسن حسين الحسيني، وصالح نهاد المشنوق، وزوجة النائب الراحل جوزف سكاف، وآل المُر وغيرهم.
يبقى الرئيس نبيه بري أمر ترشُّحِهِ غير محسوم، ليعرف الشعب اللبناني ما إذا كانَ أحد أبنائه سيترشح في دائرة الزهراني أم لا.؟
وتتحدث بعض الأوساط عن رغبة نجله عبدالله بترشيح نفسه، كخليفة عن والده، بينما أوساط أخرىَ تتحدث عن رغبة نجله الأصغر باسل بالتَرَشُح أيضاً.
بالتوفيق للجميع لما فيه مصلحة لبنان.
ولكن لا يسعني إلَّا أن أختم مقالي بسؤال:
هل سيسمح اللبنانيون لهؤلاء الذين حكموهم، وأَوصلوهم إلى قعرالهاوية، بأن يورِّثوا أبناءهم ما نهبوه من سلطة، هي حق للبنانيين الشرفاء وليست لغيرهم؟!
الجواب في الِانتخابات المقبلة، إن حَصَلَت ولم تقفز الى الأمام سنة أو سنتين؛ وتبعاً لحجم ضَخ الأموال فيها، التي ستُدخِلُ الجنةَ وتُخرِجُ من النار.