مشهديات

من خارج جدران قصر لقمان .

محمد أمين سبيتي | لبنان
يا عليّ نحن أبناء الجنوب حفاة المدن ، استقطبت أهلنا عمالا فقراء ، أحزمة بؤس ما غادرنا يوما ، في وعاء الطعام وكأنه طبخة بحص، ودينٌ للسمّان ، لبنة وبيضاً وزيتاً ، اللحّام وبائع الدجاج لم نستدن منه لأنه كان بعيدا عن بؤسنا وعوزنا ، في عيني امهاتنا وفي جبين آبائنا، لازمنا حتى مقاعد الدراسة في ثانوية الغبيري وثانوية حارة حريك وقبلها في مدرسة الوفاء الشياح وثانوية غندور الشياح أيضا ، آآآه من الغندور والشياح وكزما والغبيري ، هناك التقينا بالعماد ، كنا صغيرين معا ، بل صغاراً ، العماد وهمدر وحمدان والدهيني ، وكانت اول الرصاصات والمحاور، وافترقنا كل في طريق جمعتنا نهايتها . آااخ لمحاسن الصدف شيوعيين، فتحاويين، ومن كل المشارب، ارتوينا من نبع الرجل الثقة صاحب العمة السوداء، وكل منا يحمل تاريخه عالي الجبين ، رحل اكثريتنا قتلا وغدرا (لا طبالين يزعقوا ولا اعلانات) ومن بقي مازال يقتله العهر والحقد،، ما بالهم فنحن منهم وأبناء جلدتهم ومناضليهم بل فدائييهم عندما كانوا يُقتلون ، أغادر الشياح كل عشية إلى منزلنا بمحاذاة قصر سليم أعود بطفولتي إلى دكان المحمصاني نشتري منه بلابل خشبية لزوم اللعب والكلل، ونسرح في شوارع الحارة والسان تريز الضيقة جدا المليئة بالكلوبة (جمع كلب آنذاك) ونسرق العذراء السيدة والمسيح ابنها اعز اصدقاءنا إذ كنا نأخذ النص ليرة الفضية بواسطة خشبة او حديدة طويلة من بيته القفصي المغلق وكنا كل يوم نرتزق من عنده ولم يخذلنا ابدا وحتى انه لم يعاقبنا ، نشتري مع البلابل سكر نبات ونعومة وقضامة ، نلعب ونمرح ونقضي على بؤسنا بفرح وقهقهات لعب عالية كانت تخترق بالتأكيد قصر سليم الذي كنا نلتف حول جدرانه من شارع إلى شارع ولكننا لم نك نعرف ما وراء تلك الجدران ، إلا ونحن شبابا حيث عملنا بفرن جمول والصفا المحاذيين له وعلمنا انه نائب في البرلمان بالتأكيد ايضا لم نعرف ماذا يعني برلمان وكنا نستحي ان نسأل عن معناها ، فقط في منتصف ليل صيف واثناء بعض راحة من عملنا في الفرن وسيرنا من أمام قصر سليم كنا نقف على البوابة نسترق النظر الى الداخل بحدود الحديقة معجبين بكل شيء دون أن نرى او نلعب او نتذوق ، لم نرَ او نعرف ان داخل الاسوار أولادا من اترابنا او اعمارنا ، و يا ليتنا عرفناهم ، لأن صداقة الطفولة صادقة بكل تطور في حياة الإنسان ، وابتدأ الرصاص وكانت رائحة الشهادة تفوح من صبرا وشاتيلا وكنا كل حسب تنظيمه مرابط إما في دار المعلمين حيث كنت مع بعض رفاق ، ومنا من كان في ساحة الغبيري ، واحتد م الوطيس وتقدمت جحافل العدو على كثير من جثث الشهداء وهزمتنا الخيانة والغدر ، وكانت قيامة البنادق ، وبعض مفاوضات غير مباشرة او مباشرة وايضا في قصر سليم فحواها ان تمر قوافل العدو حتى مار مخايل مرورا بالمشرفية من قصر سليم والرحاب ،
واليوم وبعد سنين عمر شاهدت على التلفاز وانا في قريتي الجميلة في الجنوب المحرّر وقرأت على صفحات التواصل بعض رفاق يتكلمون عن قصر سليم وان السفيرة الأمريكية وبعض سفراء وجمع من الناس وأهل وأصحاب ينعون ذاك الطفل الوراء الأسوار ، وجميعهم ليسوا من الغبيري او الشياح او الحارة .
جميعهم غرباء ، سامحنا يا ذاك الطفل لقد قصّرنا بحقك لم نستطع اختراق أسوار قصر اهلك كي نلعب سويا ونبقى سويا ونسعد سويا ، سامحنا لأننا أبناء حي واحد وشارع واحد ولم نستطع تحريرك من براثنهم وهيمنتهم، خسرناك صغيرا وخسرناك كبيرا وحيّا وميتا ، فلم تكن معنا ولن تكون ، لا تصدقهم اننا نحن قاتليك، لا تصدقهم انها رصاصاتنا ، فنحن في حينا قد نأخذ حصة السيد المسيح الفضية ، قد نسرق اكدنيا وفريز والبرتقال من بساتين جيرتنا ولكن بالتأكيد نحن لا نطلق الرصاص الإ على عدونا ، على قلبه الذي باعد بيننا فنحن دعاة وحدة وطن وعيش مشترك .
واخيرا أخبرك ان السيدة العذراء قد غفرت لنا سرقتنا لها ولإبنها وسامحتنا يوم أدّينا لها التحية المقدسة بيد الشهيد محمد منتش في معلولا ، فهذه معركتنا هناك، بعدما تحرر الجنوب ولا ولن تلهينا اية قضايا أخرى تعبث بأمننا وحياتنا، لذلك لا تصدقهم
من وراء أسوار قصركم
اترابك في الحي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى