من أين جاء هذا السخاء العربي؟ حكاية وادي الرور الالماني في سورية

نارام سرجون | كاتب سوري

علمتني الحياة ان لاأثق بها بل بنفسي .. وعلمتني اكثر ان لاأثق بالعبيد بل بالسادة .. وعلمتني ان السادة الذين يستعبدون الناس ليسوا سادة بل نخاسون وتجار رقيق .. فالأحرار هم من يعيشون بين الاحرار في مجتمع حر وليس بين العبيد .. ولذلك فانني لم أخطئ في التصويب على اي قضية سياسية لانها انبثقت من هذا المبدأ .. أي انني عندما نظرت الى تركيا التي أغدقت علينا الشعارات التركية الاسلامية كنت أتساءل عن هذه الشعارات فيما تركيا عضو في الناتو .. فكيف يستقيم شعار الاسلام مع الناتو؟؟ .. ومع هذا فانها تعامل كالعبيد في قضية الالتحاق بالسوق الاوربية .. وتركل بالحذاء كلما اقتربت من ابواب الاتحاد الاوروبي .. وهذا كاف كي ادرك ان العبد لايمكن ان يصنع الحرية لي قبل ان يحرر نفسه ..
وعندما كنت أرى تجربة الخليج المحتل .. كنت أنظر الى تلك العواصم المزخرفة بالعمارات والاضواء كانت تبدو لي مربوطة بالسلاسل كالاسرى والعبيد .. فهي لاقرار لها .. بل هي تنفذ مايصدر اليها من أوامر .. والاوامر كانت ان تتحول الى مستودع لتجارة الغرب بديل عن مستودع هونك كونغ الذي استعادته الصين ..
وعندما نظرت الى الاسرائيليين عرفت انهم نسخة يهودية من داعش .. مهاجرون مجانين مدفوعون من الغرب خلف حلم مجنون وأسطورة مجنونة وحكاية مستحيلة .. ولكل حكاية نهاية .. فكما انتهت داعش وانتحرت فان اسرائيل ستنتهي منتحرة ..

اليوم أتساءل عن سبب هذا السخاء العربي في استدعاء السوريين وخاصة الصناعيين منهم ورجال الاعمال .. بفيزا ذهبية وفضية وتسهيلات مثيرة للشكوك بحجة الانفتاح على الشعب السوري واستضافة اقتصاده ومعامله واستثماراته في الخارج بذريعة مساعدته وانقاذه .. ولكن الغاية تبدو افراغ البلاد من نهضتها وقدرتها على اعادة الاعمار والحياة بحرمانها من أهم اسباب نهضتها الاقتصادية ..

وتذكرني عملية تدمير مدينة حلب واستهدافها بشكل خاص في الحرب ونهب معاملها ونقلهها الى تركيا بانها جزء من عملية تدمير روح الاقتصاد السوري .. والتي تشبه عملية الاستيلاء على وادي الرور في ألمانيا من قبل فرنسا وبلجيكا .. فعقب الحرب العالمية الاولى فرضت القوى المنتصرة على المانيا دفع تعويضات هائلة للقوى المتضررة بتحميل المانيا مسؤولية الحرب .. وهذا ادى الى افقار البلاد الالمانية .. ولكن الالمان في عام 1922 باشروا في عملية النهوض والانتاج عبر منطقة كبيرة صناعية في وادي الرور على الحدود تركزت فيها معظم الصناعات الالمانية .. وعندما انتبه الخصوم لذلك بادرت فرنسا وبلجيكا لاحتلال تلك المنطقة وحرمان ألمانيا منها فخسرت المانيا صناعتها بين عشية وضحاها .. تماما كما خسرت حلب صناعتها .. بسبب اللص اردوغان … الشهير بلص حلب الذي سرق معامل حلب علنا في وضح النهار وبكل وقاحة .. ولم يرف له جفن ..
انهارت عملية الانتاج الصناعي بسبب خسارة كل المصانع المنتجة الرئيسية في وادي الرور الالماني .. وفجأة في عام 1923 وبسبب هذا الانهيار في الصناعة حدث غلاء فاحش بسبب انهيار قيمة المارك الالماني .. ووصل سعر رغيف الخبر في نهاية ذلك العام الى 200 ألف مليون مارك .. واكرر الرقم 200 ألف مليون مارك للرغيف .. اي ان رب الاسرة كان عليه تسديد ثمن الخبز بعملات ورقية تملأ عربة صغيرة .. وتروي الوثائق الالمانية عن تلك المرحلة ان الاسعار كانت تتصاعد بشكل جنوني لايصدق وسرعة صاروخية .. فاذا وقفت في طابور امام مقهى لشراء فنجان قهوة فانك ستصل بعد دقائق ولكن سعر الفنجان سيرتفع أضعافا مضاعفة بين لحظة وصولك للطابور وبين لحظة وصولك الى عامل المقهى الذي سيسكبه لك واذا حملت بضعة ألاف من الماركات لشرب فنجان قهوة فانك بعد دقائق تصل الى الدفع وتكتشف انها لم تعد تكفي لشراء ملعقة واحدة من السكر وليس الفنجان .. وكذلك تروي الوثائق الالمانية التاريخية ان اجور العمال كانت تدفع مرتين في اليوم لأن الاجر في الصباح كان ينهار في قيمته فترتفع الاجور بعد الظهر لتعوض الخسارة .. ولذلك انتشرت تجارة البغاء في المدن وقام الناس ببيع أطفالهم في الطرقات ..

لافرق اليوم بين سرقة معامل حلب وبين سرقة الصناعيين والمستثمرين .. فمايحدث من عملية تهجير للصناعيين ورجال الاعمال والاستثمارات من سورية واغوائهم للمغادرة ووضع قدور العسل لهم في تركيا ومصر والامارات ربما تتسبب بها أزمات الوقود والكهرباء التي تتحكم بها اميريكا وتتعثر الحكومة السورية في التعامل معها بل وتتصرف بطريقة مرتبكة ازاءها .. ولكن على الطرف الاخر هناك من يقوم بدوره في هذه الظروف عبر الاتصال برجال الاعمال والصناعيين لحثهم على الهرب قبل ان تتدارك الحكومة السورية الامر وتحل مشاكلها … ويجد هؤلاء الصناعيون أمامهم ممرا جميلا وربما اجباريا نحو الامارات ومصر وتركيا .. وهذه دول للاسف خاضعة لسيطرة الناتو الاقتصادي .. وكل الاموال السورية التي تدخل اليها مراقبة جدا وهي في عين العاصفة ..

ان الترحيب بالصناعيين السوريين وتقديم تسهيلات لهم يجب ان يثير الشكوك لديهم قبل ان يثير شكوكنا .. فهناك خطة لامتصاص كل الامكانات الصناعية وافراغ سورية منها لأن الامريكيين يدركون ان عملية استعادة كل الجغرافيا السورية اقتربت وهم سيضطرون للرحيل في بداية العام القادم .. ولذلك حتى لو استعاد السوريون ثرواتهم فانها لن تجد من يريدها للصناعة والزراعة والاستثمارات والمشاريع .. وهذا ماسيعطل اي نهضة وتعاف اقتصادي حيث سندخل الدوران الحلزوني السلبي .. من ازمة الوقود والكهرباء الى ازمة غياب الصناعة التي تستعمل الكهرباء والوقود .. اي مايفعله الامريكيون والعرب بشكل او بآخر هو احتلال وادي الرور الالماني الصناعي بطريقة ذكية .. دون حرب .. اي بافراغه عبر اجتذاب صناعييه خارجه الى فخ العسل .. والخشية ان عودة هؤلاء ستكون مستحيلة لانهم مراقبون في دول خاضعة لرقابة الناتو الصارمة .. وهي في اية لحظة ستقدر على مصادرة هذه الاموال او منعها من المغادرة .. او اي شيء آخر كما حدث مع اموال السوريين في بيروت التي تبخرت ..
الكرم العربي الخليجي خبيث ومدروس وهو لعبة عبد بأمر سيده .. والفيزا والاغراءات والتسهيلات في دول أخرى مثيرة جدا للشبهة .. بأنها واد رور الماني جديد .. ولكن الالمان انتصروا على مؤامرة وادي الرور عندما جاء هتلر .. واستعاد اقتصاد المانيا .. واعاده الى الحياة ..
علينا أن لانبقى في اطار الانتظار السلبي .. ولم يعد مقبولا ان نقول اننا نتعرض للمؤامرات .. فالمؤامرات تنجح دائما عندما نفتح لها المطارف والحشايا في بلداننا .. ولايبدو ان عملية الترحيب باللاجئين كانت بريئة بل كانت مشغولة بعناية لأنها عملية سرقة كبرى للموارد البشرية السورية التي كانت في جزء كبير منها متعلمة ومدربة جيدا وقد حرمت منها الدولة السورية التي أنفقت عليها مليارات المليارات لتدريبها وتعليمها .. ولاأستغرب ان علمت ان كثيرا من المهاجرين الى اوروبة لايعملون باختصاصاتهم حتى المتعلمون منهم لأن الغاية لم تكن دوما الاستفادة منهم بقدر ماكانت حرمان بلدهم منهم

انها سرقة الموارد البشرية .. وعملية وادي الرور ذاتها تتكرر .. بطريقة أدهى وأمكر .. وللاسف المشاركون دوما عرب ومسلمون .. فالعرب والمسلمون هم اذرع الغرب ضد العرب والمسلمين ..

 

Exit mobile version