الوفاق بيروت- علي عزالدين
مقابلة مع الباحث والمحلل السياسي الأستاذ ميخائيل عوض، عن أوضاع الاردن الحالية واستشرافه للمستقبل في المملكة والمحيط الجغرافي.
السؤال الأول:
التحركات في الشوارع الأردنية انتقلت في بعض الأحيان من سلمية الى دموية عبر اطلاق النار على القوى الأمنية، اسباب كثيرة قيلت عن هذه التحركات، اسبابها ودوافعها؟
شهد الاردن سلسلة أحداث وتطورات تميزت عن سوابقها، بالإتّساع جغرافياً وإجتماعياً، وتصاعُد التوترات وخروج الحراك عن سلميته، ووقوع إشتباكات مسلحة أودت بعدد من القتلى والجرحى من قوات الأمن والمعتصمين ومن مجموعات مسلحة، أُتهمت بإغتيال ضابط ووصفت بانها مجموعات ارهابية ‘ أي اسلامية مسلحة’..
تركز الحراك والاعتصامات وقطع الطرقات في بيئات محسوبة تاريخياً كقاعدة إجتماعية للنظام والمملكة، ومن الشرق أردنيين، إشارة الى العشائر الاردنية ومن غير الفلسطينيين الذين يمثلون اكثر من ٥٠% من تعداد سكان الأردن ومواطنيه منذ اغتصاب فلسطين ونزع الضفة الغربية.
التحركات التي انفجرت جاءت بنتيجة رفع اسعار المحروقات وقادها سائقو الشاحنات وعوائلهم الذي باتوا عاجزين عن العمل وتحصيل الحد الادنى. وحتى اللحظة لم تبادر الحكومة او الملك لاتخاذ إجراءات بتخفيض الأسعار او تأمين بدائل ولم تعد بذلك حتى. في اشارة قاطعة عن بلوغ الازمات ذروتها وعجز النظام والمنظومة عن احتوائها وتلطيفها وغياب الادوات والامكانات لتوفير البدائل وتخفيف حدة الازمة.
حراك السائقين غير منقطع عن حراك الاساتذة والمعلمين الذي إنفجر السنة المنصرمة وإمتدّ وهدّد العام الدراسي.. والحِراكَين على صلة تأسيسية مع تحركات شعبية عارمة ضربت الأردن منذ عقد واستمرت جمراً تحت الرماد وعبرت عن نفسها بتحركات مطلبية متنوعة شملت غالبية المناطق والفئات الاجتماعية وتمت مصادرتها بالوعود التي لم تنفذ وبأنشطة سياسية ووعود بتغيرات بنيوية في هياكل الدولة والمنظومة وعلاقاتها بالشارع ومطالبه ولم تنجز اي منها عمليا.
السؤال الثاني:
هل لمشاكل العائلة الملكية الحاكمة في الأردن الخاصة فيما بينها تأثيرٍ ما على الشارع وإستقراره وتحركاته؟
الاخطر ما في الأمر، ان الأمر ترافق مع الحراك المستدام وسبق حراك السائقين ظهور عناصر توتر وصراع في المنظومة والدولة والاكثر خطورة في العائلة الحاكمة نفسها وبين الاخوين ” حمزه ” والملك نفسه، وقد تم إتهام حمزة بالتآمر والتحضير لإنقلاب بإسنادٍ من السعودية والإمارات في إشارة واضحة الى مستوى التوتر بين الملك الاردني والامير محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.
وقد سبق تظهير الصراع بين حمزة والملك صراع مستدام بين الملك وعمه وأبناء عمومته، ويتصاعد النقد العلني والجريء لشخص الملك وسياساته وإتهامه بالمقامرة وترك الأردن بين يديْ زوجته وعائلتها وهي من أصول فلسطينية ما يصب الزيت على جمرٍ كامنٍ منذ قيام الكيان الصهيوني ويجري بين الحين والآخر العزف على أوتار الصراع الفلسطيني الأردني مادام ليس من وجود لطوائف ومذاهب يمكن الاستثمار فيها.
السؤال الثالث:
نستذكر تصريحات بعض القادة في الكيان الإسرائيلي ان الملك عبدالله بن الحسين هو آخر ملوك الأردن… هل الأردن في خطر؟
تنفجر الازمة الإقتصادية و الإجتماعية وتعصف في زمن اقليمي ودولي مضطرب وفي حال الفوضى وقد أفلست نظم وجغرافيا سايكس بيكو ونُظُمها وإنفجرت بفعل زوال أسباب قيامها وإفتقادها لوظائفها وقد عجز اصحابها وورثتها عن استبدالها بتصغير الجغرافية او إستدامة الفوضى والإحتراب الأهلي في سورية والعراق ولبنان، وتالياً تكمن الخطورة وإحتمالاتها في أنّ ما يجري في الاردن يحدث وكل الظروف الموضوعية ناضجة لِسَوق الأردن الى الفوضى والتذرر فليس للأردن والملك وحاشيته من فرصٍ حقيقية لحماية الأردن وتأمينه ودوام السيطرة والملكية.
ويزيد في خطر الظروف ونضجها موقع الاردن الجيوبوليتكي الحاكم فمن جهة تشكل لحماية وتأمين الكيان الإسرائيلي… لعب دوراً خطيراً لصالحها ثم أُستخدم منصةً لتدمير سورية وتأمين غزوها ولعب دوراً حيوياً في أزمتها الكارثية بإستضافة وتصدير وإدارة عشرات آلاف الإرهابيين وإستقطاب مئات آلاف اللاجئين السوريين وإعتاش عليهم.
والاردن قبل طوعا ووقع معاهدة مع أمريكا اطلق يدها في إقامة القواعد العسكرية وإستخدام الأردن لإنفاذ المخططات والاستراتيجيات العدوانية على العرب والمسلمين وإستهداف روسيا وايران وتعجيز الصين وإعاقة مشروعها للحزام والطريق…
السؤال الرابع:
كثُر الحديث القديم- المُتجدّد عن الوطن البديل، هل ما يحدث في الشارع الأردني متصلٌ بهذا الموضوع ؟
نعم تقريباً ،هكذا تبدو الحالة في البيئات الإقليمية والدولية، ينعدم اليقين ويُرجّح دخول الأردن حقبة إنتفاء أسباب الوجود والحاجة له ولدوره الوظيفي، وتغيب قوى الدعم والإسناد وتنشغل عنه بسبب أزماتها وحروبها وعجزها ، أو لحاجات في تغيير دور ومكانة وجغرافية الأردن نفسه، وقد بات الملك والملكية والأسرة زائدة دودية ملتهبة فلا أحد يريدها ويرغبها لا نتنياهو وحكومته المتطرفة ولا السعودية والخليج ولا محور المقاومة ودوله وربما ايضا الإدارة الأمريكية نفسها المنشغلة في آسيا واوغروبا والعاجزة في تطويع إسرائيل لحل الدولتين ولإنفجار المقاومة المسلحة في الضفة وفلسطين ال٤٨ وعجز سلطة ابو مازن والأمن الإسرائيلي عن إحباطها ووقف تقدمها نحو المقاومة الشاملة في قلب فلسطين التاريخية ما يهدد الكيان ويستعجل زواله، وتاليا فمشروع الوطن البديل وتحويل الاردن الى ببيئة قابلة لاستيراد فلسطيني ال٤٨ والضفة باتت مصلحة حياتية لإسرائيل وتأمينها وبقائها وهذه تلزم امريكا واوروبا المنشغلان في أمور أخطر وأهم بالسكوت اغو غض الطرف عن بن غفير وحكومة التطرف والعدوانية في اسرائيل.
وبين العناصر التي تزيد في الطين بلة، ان حركة الاخوان المسلمين وفروعها الفلسطينية والأردنية مازالت على تعاقدها مع امريكا وولائها لمشاريعها ولن تسعى أو تحاول للحؤول دون إنفجار الأردن والتعامل معه كوطن بديل يترافق مع إمارة غزة لإنهاء القضية الفلسطينية وقبول اسرائيل ابدياً في الإقليم، والذرائع الجاري ترويجها تهدئة وإتفاق لخمسة عشرة سنة بين حماس واسرائيل والرهان أن المؤقت يصبح دائماً ،يقبل الأخوان وفصائلهم إمارةً في غزة وأخرى في الأردن والسعي لثالثة في سورية والعراق والإستراتيجيات الأمريكية ساعية لإنشاء كردستان الكبرى وإنتزاع شرق وجنوب سوريا وغرب وجنوب العراق لإقامة فاصل يسقط روسيا ويعطل الحزام والطريق ويوصل جغرافيا قواعد امريكا والأطلس بين تركيا وإسرائيل ومصر والسعودية ويؤمن حصارا لسورية ومحاولة اسقاطها ولبنان وعزل ايران وفصلها جغرافياً عن البحر المتوسط وجنوب لبنان.
السؤال الخامس:
ما هي أهم أسباب مشاكل الأردن الإقتصادية؟
المعطيات والظروف تتحدث بالأرقام عن عجز الملك ودولته عن وقف الكارثة ومنع الإندفاع الى الأزمة والإنفجار.
انّ الفوضى المفتوحة على خيار الوطن البديل او منصة الإسناد والدعم بالمال والرجال والسلاح والعتاد لمقاومة الضفة وال٤٨.
الأردن يقع تحت دين عام يبلغ ٥٢ مليار دولار ما يقارب ال ١٥٠% من الناتج الوطني القائم في واقع لا يزيد النمو فيه عن ٢،٥ % بينما الفقر يتجاوز نسبة ال٣٣% والبطالة تزيد عن ٢٣%، في واقع توقف الدعم الدولي والخليجي المباشر وغير المباشر وتحويل تقديمات بعض الدول والمنظمات الى التقديمات العينية المباشرة بدل المالية التي كانت تُسرق وتُبدّد في واقع الفساد والإفساد المُعمم في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وتفاقم الأزمة مع السعودية والإمارات وأقرب الشواهد تَمنُع السعودية عن المشاركة بمؤتمر بغداد٢ بوفدٍ وازن.
من المُرجّح ألاّ تتحرك تلك الدول لمَد يد العون والمساعدة كما كان في السابق لاسيما بعد تبادل الإتهامات بما خص مؤامرة إنقلاب حمزة وتهميشه وتجريده من المواقع والصلاحيات.
إنّ الأزمة في العائلة والمنظومة تؤدي الى تفاقم الأزمة مع القاعدة الإجتماعية للملكية ومع العشائر الأردنية والشرق أردنيين ومع الاسلامين كذلك.
وبعد تصفية القطاع العام وإطلاق يد الفساد والليبرالية وفي غياب الثروات وفرص الإستثمار فيها ووقف التمويل الخارجي وانتهاء وظيفة الأردن كبندقية للإيجار وكجيش مرتزقه تنتشر وحداته حيث أرادت أمريكا ومصالحها، وإنتقال بؤر التوتر الى آسيا وأوروبا. ( مع الكبار حتى وظيفة الشرطي وبندقية للإيجار تنتفي الحاجات اليها ).
فمِن أين للملك ونخبته أن يوفر الإمكانات والفرص لإحتواء الأزمة وتدبيرها، ومد عمر النظام والكيان الفاقد لدوره كشقيقاته وأشقائه الدول والكيانات التي صممت وخرجت بنواتج الحرب العالمية الاولى ومقص سايكس بيكو – وعد بلفور والتعاقد بين المخابرات البريطانية والأُسرتين الوهابية والسعودية وقد انهى محمد بن سلمان الوهابية وقطع شوطاً بالإبتعاد عن امريكا وبريطانيا. وانفجرت النظم والجغرافيا وتبحث عن جديد يتحقق في إعادة صياغة وهيكلة النظم والجغرافية على جديد التحولات العالمية والعصرنة وقيمها.
السؤال السادس:
هل التطورات على الساحة الأردنية قد تؤدي الى خارطة جيوبوليتيكية جديدة تُغير من أشكال الصراع مع العدو الإسرائيلي ؟
الأردن في أزمة وطنية شاملة .
بعدما تورّط و سلّمَ الأرض والقوة والدولة للأمريكي والإسرائيلي، وإسرائيل مأزومة ولا مخارج من أزمتها وتطرفها إلاّ بتصديرها ، والتصدير نحو لبنان ممنوع و نحو سورية أيضاً ، ولا حل إلاَّ بالأردن وطناً بديلاً،
غير أن الظروف وثأر التاريخ وحاجاته قد تتحول بالأردن من وطن بديل الى منصة دعم وإسناد نوعية لمقاومة الضفة وفلسطين ال٤٨،
هذه التحولات سوف تحل مشاكلها، وتسقط ما شكله الأردن وجيشه من ستار وجدار حديدي لحماية أمن إسرائيل والمسافة بين الضفتين أمتار ونهر جففته إسرائيل وبإنحسار القوة وإضطرار الجيش للإنشغال في الأزمة الداخلية تصبح الحدود بطولها المهول ٦٥٠ كلم مجالاً لنشاط المقاومة وفصائلها ومحورها ولتأمين وإسناد الضفة و الأراضي الفلسطينية ٤٨ .
وهذه إن تحققت تُعوض عن الحرب والتدمير لتحرير فلسطين من البحر الى النهر وشطب ما تُسميه الجمهورية الإسلامية الإيرانية الغدة السرطانية ويُحرر سورية ولبنان من الأزمات والحصار وحرب التجويع ويؤمن العراق ويلزم أمريكا بالهروب وتفكيك القواعد والرحيل بخُفي حنين، وينقذ الإقليم من حروب وتدمير ومن إقامة منصة لحماية وتأمين المصالح الامريكية بعد إستنفاذ دور اسرائيل في إسناد وتأمين كردستان الكبرى المتصلة عبر الأردن وجنوب شرق وغرب جنوب العراق.
الأردن بيضة قبان التطورات والتوازنات وكلمة سر الجغرافيا والأزمنة وفي أزمته ستتقرر مسارات وتحولات تاريخية عاصفة ونوعية في نتائجها.
هل يقطع المسار انقلاب الجيش وبعض الأسرة ويُطاح بعبدالله لصالح حمزة فتختبر مرحلة انتقالية… احتمال واقعي وله حظوظه سنخوض فيها مستقبلاً..
علي عزالدين