الدكتور محمد سيد احمد | كاتب وباحث مصري
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن معاركنا مع أبواق العدو الأمريكي والصهيوني داخل مجتمعاتنا العربية, ممن يطلقون على أنفسهم مصطلح النخبة ويظهرون على كل وسائل الإعلام ليزيفوا وعي الجماهير العربية بحقيقة ما يحدث داخل مجتمعاتنا, فحين هبت رياح الربيع العربي المزعوم في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 كانت هناك العديد من المبررات الموضوعية لحدوثها في غالبية الأقطار العربية, خاصة التي انبطحت انظمتها الحاكمة للعدو الأمريكي – الصهيوني وسلمت مقدرات شعوبها وأوطانها لذلك العدو ليفعل بها ما يشاء, لدرجة أصبحت القوى الواعية في تلك الأقطار العربية على ثقة بأن صناعة القرار السياسي تتم في واشنطن وتل أبيب, وما تلك الأنظمة الحاكمة داخل بلدانهم إلا دمى يحركها صانع القرار الغربي بما يتفق ومصالحه سواء كانت الاقتصادية أو السياسية أوالعسكرية, وتحولت بذلك غالبية مجتمعاتنا العربية إلى مجتمعات رأسمالية تابعة تدور في فلك النظام الرأسمالي العالمي, لذلك لم يكن غريبا خروج الجماهير الشعبية غاضبة ومطالبة بالتغيير وإسقاط هذه الأنظمة العميلة والخائنة بعدما عانت أشد المعاناة على كافة الأصعدة المجتمعية.
لذلك لم يكن من المتوقع أن تصل مثل هذه الرياح الغاضبة إلى سورية العربية, التي كان نظامها الحاكم هو الوحيد تقريبا من بين الأنظمة العربية الذي يرفع راية العصيان في مواجهة المشروع الرأسمالي الغربي, ويكن العداء ويجاهر به في وجه العدو الأمريكي – الصهيوني, ويدعم حركات المقاومة العربية في مواجهة العدو الصهيوني, ويرفض أى اتفاقيات سلام قائمة على التفريط في شبر واحد من الأرض العربية المحتلة من قبل العدو الصهيوني, ويرفض التفريط في قراره السياسي بأى شكل من الأشكال, لذلك سعى إلى بناء مجتمع قائم على الاكتفاء الذاتي, فكانت سورية هى الدولة العربية الوحيدة التي يأكل شعبها مما تزرع وتلبس مما يصنع, ولم يكن عليها دولار واحد دين خارجي خاصة للدول الغربية الرأسمالية, ولا المنظمات الدولية التي تفرض شروطها على من يرغب في الاستدانة, وكان غالبية سكانها يندرجون ضمن الطبقة الوسطي التي تشكل صمام الأمان لأي مجتمع.
لذلك عندما هبت تلك الرياح الغاضبة على سورية وتناقلتها وسائل الإعلام الغربية كنت أتشكك فيما يحدث, ولم يكن عقلي يقبل بما يذاع إلا في إطار المؤامرة لأن الشروط الموضوعية التي توافرت في بعض الأقطار العربية الأخرى التي هبت عليها رياح الغضب لم تكن متوفرة في الحالة السورية, لذلك سارعت مع بعض الزملاء الذين يمتلكون نفس الوعي بتشكيل أول وفد مصري لزيارة سورية لنرى ونشاهد على أرض الواقع ما تبثه وتدعيه وسائل الإعلام, وبالفعل كانت الزيارة كاشفة بكل معنى الكلمة فلا رياح غضب ولا تظاهرات جماهيرية شعبية مطالبة بالتغيير وإسقاط النظام, بل هناك شعب واعي إلى حد كبير خرج لتأييد ودعم قيادته الوطنية التي تسعى طوال الوقت للحفاظ على استقلالية القرار الوطني السوري.
وعدنا إلى مصر لنشكل جبهة شعبية وإعلامية للدفاع عن سورية التي تشكل آخر معاقل القومية العربية, وواجهنا انتقادات كبيرة وصلت إلى حد الاتهام بالعمالة للنظام السوري أحيانا والتكفير أحيانا أخرى ثم تطور الأمر لإهدار دماؤنا أثناء حكم محمد مرسي وجماعته الإرهابية حيث أصبحت صورنا يتم تداولها على مواقع الجماعات التكفيرية مختومة بختم عميل ومطلوب, ورغم ذلك أخذنا على عاتقنا أن نخوض المعركة إلى جانب سورية العربية عبر المنابر الإعلامية المتاح لنا الظهور عليها في محاولة لتنوير الرأي العام المصري والعربي بحقيقة ما يحدث على الأرض العربية السورية من مؤامرة كبري تحولت إلى حرب كونية شاركت فيها أطراف متعددة وبأدوار مختلفة لكنها محددة بدقة, وخلال سنوات الحرب التي تعدت العشر سنوات لم تنقطع زيارتنا إلى سورية للإطلاع الدائم على آخر المستجدات الميدانية.
وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة تكشفت كل أبعاد المؤامرة على سورية العربية, واعتقدت وزملائي بأننا لم نعد بحاجة لبذل ذلك الجهد لإقناع الرأي العام المصري والعربي بأن ما حدث في سورية هو مؤامرة وحرب كونية استطاعت هذه الدولة العربية الصغيرة أن تتصدى لها وتحقق انتصارات مدوية على الأصيل متمثلا في العدو الأمريكي – الصهيوني, وعلى الوكيل متمثلا في الجماعات التكفيرية الإرهابية التي خاضت الحرب على الأرض, لكن في ظل هذه الأجواء تتم دعوتي هذا الأسبوع لمداخلة على قناة النيل للإخبار التي خرجت عليها على مدار العشر سنوات الماضية مدافعاً شرساً عن سورية أحد أهم بوابات الأمن القومي المصري والعربي, وكان ضيف الاستوديو وضيفاً أخر متداخلاً يتناولان أخر المستجدات على الساحة العربية السورية, وللأسف الشديد يحاولان الهجوم على الدولة العربية السورية ويدافعان بشراسة عن العدو الأمريكي والصهيوني, فكانت مداخلتي لوقف تزييف الوعي الممارس من هذه الأبواق المدافعة عن مشروع العدوان, وبعد اللقاء زادت قناعتي بأن معركتنا مع أبواق العدو لازالت مستمرة, ويجب أن نحشد كل قوتنا لهذه المواجهة, اللهم بلغت اللهم فاشهد.