معركة مأرب: أبعاد في المستويين العسكري والاقتصادي .
سمير الحسن | كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية .
تتخذ المواجهات على مختلف الجبهات منحى تباطؤيا. ليس من تردد، لكن جوهر الصراع الذي يغلب عليه الطابع الوجودي، بين عالم صاعد، وعالم متراجع، يفترض بطء الحركة، خصوصا أن أحدا لا يتجرأ على خوض حرب أشبه بالحروب العالمية، ففيها ليس من يضمن عدم اللجوء إلى السلاح النووي.. المدمر للبشرية إذا أفلت من عقاله، في ظل هيمنة التوحش، وغياب العقل، والانسانية.
من هنا امتدت حرب اليمن نحو ست سنوات، وما يزال الجرح نازفا، والحرب مستمرة، والتحالف الخليجي لا يتردد في الاستمرار بالحرب رغم هزائمه المتكررة، وعدم تحقيقه أي هدف من أهداف الحرب، ورغم تعرضه مرارا لضربات نوعية كما حصل مع مطار “أبها” منذ أسابيع قليلة.
وليس من الغريب امتداد المعارك نظرا لأهمية الحرب اليمنية التي تفترض بنتيجتها تحديد من يسيطر على أحد أهم المعابر البحرية وهي “باب المندب”، إضافة إلى أهمية خاصة لها بعد تاريخي يتعمق في الحروب السابقة التي شنتها السعودية على اليمن في فترات متفاوتة.
بوصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى سدة الرئاسة، أعلن نيته العمل على وقف الحرب اليمنية، لكنه ما إن أعلن عن وقفها، حتى عادت دول التحالف شن هجومات على اليمن، مستبقة أي خطوة من خطوات وقف إطلاق النار. ورغما من الحذر المسبق من نوايا بايدن، حيث بات معروفا دور الدولة العميقة في توجيه السياسة الأميركية، إلا أن اليمن اتخذ منحى تقبل الموقف كمن حمل البارودة في يد، وغصن الزيتون باليد الثانية.
وانطلاقا من أن “الذي يده في النار ليس كالذي يده بالماء”، لذلك بادرت اليمن إلى تصعيد ضربات ضد أهداف سعودية من جهة، وانخرطت في معركة مأرب المفصلية. فالحوثيون لم يلمسوا صدقا في وعود بايدن، ولمسوا ما لا يلمسه آخرون، أن إطلاق الوعود شيء، وتنفيذها أمر آخر، مع أنهم أبدوا كل استعداد لوقف القتال، مفسحين في المجال لوقف المأساة المدنية في اليمن، ويرجح صدق تقديرهم كما بدا حتى اليوم، حيث لجأ التحالف إلى التصعيد ضد اليمن، استباقا لأية خطوة قد تنجح.
ويتخذ الصراع اليمني منحى أكثر خطورة وحسما، ويتجلى ذلك في تصعيد العمليات العسكرية، وإدخال أسلحة جديدة غير مجربة، وما حرب مأرب إلا محطة بارزة من محطات الصراع في المنطقة.
معركة مأرب
تعتبر معركة “مأرب” واحدة من المعارك الفاصلة في حرب اليمن الاقليمية، وستكون لها تداعيات كبيرة على مستوى حسم المعركة، وانتهاء مفاعيل العدوان على اليمن.
فمأرب هي آخر معاقل هادي و”حزب الإصلاح”، وأيضا السعودية، وتكتسب المعركة أهمية كبرى نظرا لتعدد أبعادها خصوصا منهما البعدان العسكري والاقتصادي.
إن التطور العسكري، والميداني للحرب جاء نتيجة طبيعية لتراكم خبرات وتجارب نضالية، وبعد مضي ست سنوات من القتال والمواجهات الضارية أدت إلى تطور على مستوى البنى، والهيكلية التنظيمية والعسكرية، وعلى الأخص منها المزاوجة بين أساليب حرب العصابات التي يتقنها “أنصار ا”لله والقبائل وبين أسلوب الجيش اليمني التقليدي، وهذا ساهم بتحسين أداء القوات العسكرية المشتركة، مما أضاف على التكتيكات العسكرية مرونة ساعدت على التكيف مع طبيعة المواجهات.
اعتمدت القوات المسلحة اليمنية على خطوط الدفاع المستقرة حول المدن، والإسناد الصاروخي للقوات المتحركة، والمتنقلة، وتأمين الدعم اللوجستي، و ملء الفراغات في الجغرافيا الواسعة، بينما تكفلت القبائل بتأمين الممرات، والمناطق الوعرة ذات التضاريس القاسية، كما اعتمد “أنصار الله” على الضربات الخاطفة، والاقتحامات السريعة فتمكنوا من تطوير آليات العمل العسكري الذي يرتكز على المبادرة الفردية التي تعطى فيها الأفضلية للقادة الميدانيين في اتخاذ القرارات، ولهذا استحدثوا غرف عمليات متنقلة حسب حاجة مسرح العمليات.
أما الأهمية الكبرى فتكمن في القيادة، والسيطرة من خلال قدرة التنسيق مع كافة الوسائط النارية وخاصة الصواريخ، والمسيرات،.
وفي هذا السياق، تم تأمين استطلاع ناجح من خلال السكان المحليين لتلك المناطق، وبرزت مجموعات الاقتحام بشكل لافت من خلال الحركة والنار، واعتمدت القوات المشتركة في معارك “الجوف” و”كتاف” على شل قواعد الإسناد، وضرب مراكز القيادة، ومن ثم إضعاف خطوط الدفاع عبر هجمات مرهقة، ومتتالية، واعتماد المناورة السريعة.
كما اكتسب المقاتلون وقياداتهم، نمو روح المبادرة من خلال تطوير الهجوم سريعا من الحركة، وأهم نجاحات “أنصار الله” كان في القتال الليلي، وهذا ما تفتقده كل جيوش العالم.
كما أن تطور العملية السياسية واستيعاب بقية القبائل، والوحدات العسكرية، والعمل على تطوير المصالحات، وانشاء اللجان المناطقية مع إعطاء دور للقبائل الصغيرة التي عانت من تسلط قبيلتي “حاشد” و “بكيل”، وإبراز دور الضباط المهمشين في حقبة صالح وآل الاحمر، كل هذه المعطيات وفرت بيئات صلبة لاستكمال معركة التحرير في مواجهة قوات باتت اليوم بعرف اليمنيين قوات غازية ومحتلة.
اليمن يدخل اليوم مرحلة متقدمة من حسم الصراع، وهزيمة اكبر تحالف عدواني.