أبنية، وقصور، وقلاع وأحياء بأكملها يؤول مصيرها إلى الإنهيار التام، نتيجة جرائم الهدم السافرة بحججٍ واهية أو الإهمال المتعمّد. وهكذا، بهذه الممارسات الممنهجة يندثر تراث الجزيرة العربية، ولكن هذه المرة، تحت إشراف “هيئة التراث” السعودية، المعنية “بالحفاظ على تراث البلاد”.
وبحسب موقع “مراة الجزيرة”أحدث جرائم السلطات السعودية المرتقبة بحق الإرث التاريخي والثقافي لشعب الجزيرة العربية، أعلنتها أمانة محافظة الأحساء التي أصدرت 1400 إنذاراً بالإزالة لمبانٍ تاريخية بذريعة أنها “آيلة للسقوط” وسط الهفوف في الأحساء، مع العلم أن العمر التاريخي لهذه الأبنية يعود إلى مئات وآلاف السنوات.
تمادى المتحدث الرسمي لأمانة الأحساء خالد بووشل في جرأته على التراث الوطني لدرجة أنه وصف المباني التراثية بأنها تشكل “تشويه بصري وبيئي”.
وفي خطاب لا يخلو من التهديد، قال المتحدث الرسمي أنه “في حال لم يطبّق الملاك القرارات، ستتم إزالتها مع تطبيق ما يترتب عليهم من إجراءات وغرامات بحسب اللوائح والأنظمة المقررة”.
فقط في “السعودية” تشكّل الآثار التاريخية “تشويه بصري وبيئي” للمناطق التي تتواجد فيها. إذ ليس هناك جدوى من تأهيلها، وليس ثمّة فائدة من استشارة خبراء في حفط التراث والآثار لتأهيل المباني التراثية، هذا إن كانت حقاً “آيلة للسقوط وتشكل خطراً على المواطنين” وللترهل العمراني هذا أسبابه التي تتحملها السلطات السعودية أيضاً.
فقد أصبح الهدم والإزالة الحل الأوحد للتعامل مع التراث الوطني والعمراني الآخذ بالإندثار نظراً لجرائم المحو التي يتعرّض لها بشكل دوري. وفي مقابل مسلسل الهدم غير المشروع، يعمل آل سعود على بناء تراثهم الخاص في الدرعية، وذلك في إطار جهود حثيثة لحصر تاريخ البلاد فيهم وبحقبة تواجدهم فيها، مقابل إعدام كل ما يتعلق بسواهم. إذ باشرت “هيئة تطوير بوابة الدرعية” بتنفيذ المرحلة الأولى من إعادة تأهيل وتطوير المنطقة التراثية في الدرعية مطلع عام 2020 الجاري، وذلك بعد تخصيص ميزانية للمشروع بلغت 75 مليار ريال (19.9 مليار دولار). هذه الخطوات غير المدروسة التي دأبت السلطات السعودية على اتخاذها في إطار الهدم الممنهج للتراث الشعبي، أثارت سخط نشطاء ومغردين على مواقع التواصل الإجتماعي، فقد رأوا أنه من الأجدى التعامل مع الأبنية التراثية بطرق علمية ومهنية لصونها وحفظها للأجيال القادمة أولاً، وأيضاً كي لا تشكل خطراً على سكان الأبنية المجاورة أو تحدث تشويهاً للأحياء التي تتواجد فيها.
برز الناشط فهد الحسين في تغريداته التي علّق فيها على جريمة هدم التراث المحلي، وتساءل: “هل الهدم والإزالة هي حلولنا الجاهزة للحفاظ على تراثنا العمراني الوطني؟” مضيفاً “سؤال لم أجد له إجابة في نظام هيئة التراث، ومبادئ الحفاظ على المواقع والمعالم الأثرية.
النظام واضح والتوجيهات السامية تجرم الهدم”. وفي تغريدة أخرى، كتب: “لا تعليق، أمر إزالة ١٤٠٠ مبني أثري، مسلسل مستمر لإزالة التراث، وحي الكوت سبق أن حذرنا من مشروع إزالته. سيظل الحل السحري بالإزالة؛ طالما كان يتحمل صاحب المبنى ترميمه أو ستقوم الأمانة بهدمه. الكثير من تراثنا العمراني فقدناها تحت هذا المنطق”.
جرائم كهذه تحيلنا للحديث عن الممارسات الممنهجة التي تعتمدها سلطات آل سعود في تعاملها مع إرث البلاد التاريخي والثقافي، فهي إذ تزعم أن المباني والمنشآت والأحياء التراثية مهددة بالإنهيار، لا تعمل على محاولة ترميمها إنما تتخذ بحقها قرار الهدم والإزالة.
وعلى هذا المنوال يجري التعامل مع آثار القطيف والأحساء الآخذة بالتلاشي والإنمحاء. لذا لا بد من الإشارة إلى أبرز المعالم التراثية والتاريخية التي أزيلت في مختلف مناطق القطيف والأحساء بذريعة “التطوير العمراني”.
سبق وأن أقدمت السلطات السعودية على هدم قصر قريمط في دار قرية البطالية في الأحساء، الذي بنيت عليه مدرسة بدلاً من العناية به لجعله معلماً سياحياً بارزاً.
كما أزالت أمانة الأحساء في 2015 أعمدة “دوار السفينة”، وذلك بذريعة تحسين المرافق العامة “بما هو صالح للوطن والمواطن”. وقد سرت في ذلك الحين إشاعات تفيد بأن أبناء الطائفة الشيعية قد حوّلوا تلك الأعمدة إلى “رمز لعقيدتهم الوثنية” ما استوجب تدخل السلطات على عجالة لإزالة “معبد المجوس”.
ارتكبت السلطات السعودية جريمة سافرة بحق حي المسوّرة التاريخي الواقع في منطقة العوامية في محافظة القطيف، إذ يرجع عمره لأربع قرون خلت ما يجعله معلماً ثقافياً جديراً بالعناية والتأهيل. لكن ذلك لم يجعله بمنأى عن جرائم السلطات السعودية التي شنّت عدواناً عسكرياً تاماً على الحي عام 2017، حتى سوّته أرضاً بذريعة تحويل الحي إلى “منطقة خدمات وإستثمارات”، ولم يزل حتى الآن الدمار ينتشر في مختلف أنحاء الحي دون أن تنفذ السلطات السعودية شيئاً من وعودها.
معاول آل سعود عمدت كذلك إلى هدم قلعة القطيف. وهي قلعة تعود جذورها إلى القرن الثالث الميلادي. أقدمت سلطات آل سعود على إزالتها في ثمانينات القرن العشرين بشكل تام بعد هدم تدريجي للمنازل والمباني استمر لسنوات. أما قلعة تاروت فقد لقيت نصيبها من إهمال السلطات.
فرغم أن تاريخ تشييدها يعود إلى ما قبل ألف عام، إلا أنه بعد هيمنة النظام السعودي على أرض الحجاز أهملت القلعة حتى أصبح بنيانها متردياً للغاية كما تبدو اليوم. في حين أدى الإهمال المتعمد لقصر الفيحاني الأثري الذي يجاور قلعة دارين في قرية دارين بجزيرة تاروت في محافظة القطيف، إلى انهياره شكل متجزىء، حتى انتهى به الحال إلى ركام من الأحجار.
التراث البيئي أيضاً لم ينجُ من أيادي آل سعود، إذ ارتكبوا واحدة من أسوأ الجرائم بحق الثروة البيئية بردمهم لبحر صفوى في القطيف، والذي يبلغ طوله 15 كلم وعرضه 5 كلم، بزعم بناء “قناة بين تاروت والقطيف”. بالإضافة إلى تسليط مياه المجاري عليه من مضخة الصرف بصفوى ومضخة مجاري رأس تنورة.
وفي العوامية، دأبت القوات السعودية على اقتحام بساتين البلدة بالجرافات المصفحة لاقتلاع أشجار النخيل والمغروسات، في مشهد شبيه لتجريف قوات الإحتلال بساتين الزيتون في المدن الفلسطينية المحتلة كما يصفه الأهالي، فتعرضت عشرات الهيكتارات الزراعية للإزالة بحجة أن البساتين “تضم مسلحين معارضين للنظام السعودي ومهربي أسلحة”.
المصدر: مرآة الجزيرة
الكاتب :
الموقع :www.alalamtv.net
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-12-01 20:12:09
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي