جدّد خالد مشعل موقفه من القضية السورية، معلناً أنّه غير نادم على القرار الذي اتّخذته الحركة بالخروج من دمشق انطلاقاً من رفض الانحياز إلى جانب النظام ضدّ الشعب السوري. وأكّد أنّ موقف “حزب الله” السلبيّ من زيارته لبنان أنتج ردّة فعل عكسيّة، تُرجمت بتعاطف واسع النطاق معه. واعتبر أنّ دعم إيران لحماس لا يُلزمها بالموافقة على سياساتها في الإقليم. ووصف هذه السياسات بأنّها “تؤلم الأمّة”، وأنّ “العلاقة مع طهران ملفّ شائك”، مبدياً التفهّم لرفض الشارع العربي مواقف بعض مسؤولي حماس المبالِغة في الإشادة بالنظام الإيراني، داعياً إلى ضبطها.
وردّاً على سؤال لـ”أساس” عن سبب موقف حزب الله الرافض لزيارته لبنان، اعتبر مشعل أنّه “مستهدف من الحملة الإعلامية والسياسية” التي يشنّها عليه “بعض الإعلام المحسوب على الحزب”، مؤكّداً أنّ “هذه الحملة ليست على حماس، بقدر ما هي عليه شخصيّاً، لأنّهم يحاولون التفريق بين حماس وخالد مشعل، وبعضهم يدّعي أنّ إسماعيل هنية كان ضدّ الزيارة، وأبو الوليد هو الذي أصرّ عليها، وهذا ليس صحيحاً، فالقرار كان قرار قيادة الحركة، وعلى رأسها هنيّة”، وأضاف: “كنت مصرّاً على الزيارة، لأنّ الدولة اللبنانية لم تغلق الباب، فنحن ندخل البيوت من أبوابها لا من نوافذها، فالدولة رحّبت، ونحن دخلنا بطريقة رسمية وشرعية”.
وأكّد مشعل أنّ سلوك “حزب الله” وإعلامه “أدّى إلى ردّة فعل عكسية، ففي داخل حماس غضب من هذا السلوك، وتعاطف شديد معي”، مشدِّداً على أنّ اللعب داخل حماس لا يمشي، مضيفاً: “أنا لم أُسِئ لأحد، ولست نادماً على أيّ موقفٍ أخذته في حياتي في موضوع السياسة، لأنّني حريص على الأمّة، وقد رفضتُ أن أقف مع أيّ نظام ضدّ شعبه، أيّاً كان هذا النظام، لكنّي لم أقاتل مع شعبٍ ضدّ الأنظمة لأنّ معركتي محصورة بفلسطين، أنا أتألّم لجراح الأمّة، لكن ليس مطلوباً منّي أن أقاتل في كلّ الساحات ضدّ الأنظمة، فلكلّ شعب معركته، وهو أدرى بوسائلها. جراح الأمة تهمّني لأنّ الأمّة وقفت معي، ويُفترض بهذه الجراح أن تتوقّف”، رافضاً أن تُلامَ حماس على رفضها الانحياز إلى الأنظمة.
احترام أصول الضيافة
وأوضح مشعل: “لقد خرجنا من سوريا لأنّه كان مطلوباً منّا الوقوف مع النظام ضدّ الشعب، وهذا أمر لا نستطيعه. وفي المقابل، لم ننخرط مع الشعب ضدّ النظام، فهذا شأن سوريّ، وهذا موقفنا أيضاً في لبنان، حيث لا نتدخّل بين الشعب اللبناني والحكومة أو النظام هنا، وهذا حقٌّ لهذا البلد الذي أنا ضيف فيه، فنحن نحترم أصول الضيافة، لكنّنا نرفض أن يحاسبنا أحد على قيمنا ومبادئنا”.
واستبعد مشعل أيّ زيارة لأيّ مسؤول في حماس لدمشق في المستقبل المنظور، معتبراً أنّ “هذا السيناريو غير مطروح، فلا نريد الإجابة استباقاً لِما هو غير مطروح”.
يعترف مشعل أنّ “العلاقة مع إيران أمر شائك بدون شكّ، ونحن نعرف أنّ هناك شعوباً متألّمة من السلوك الإيراني، ويمكن أن يكون لي مؤيّد وحليف، لكنّ لي أخاً يتأذّى من سياساته، وهذا ينطبق ليس فقط على إيران، بل على مجمل أنظمتنا العربية والإسلامية، سنّيّة وشيعيّة، ولذلك يعذر بعضنا بعضاً، لكن أنا أتفهّم الاعتراض على هذه العلاقة لأنّ الشعوب تتألّم من التصريحات التي يرون أنّها تحتاج إلى ضبط، وأنا معهم في هذا”، كاشفاً عن أنّه رتّب “اجتماعاً بين عدد من العلماء مع قيادات من الداخل الفلسطيني للنقاش في هذه المسألة، فكانت النتيجة: نعذركم في اجتهاداتكم، لكن ارحمونا في تصريحاتكم”.
وأكّد مشعل أنّ “حماس عندما تتلقّى الدعم من هذا الطرف أو ذاك، لا تتماهى مع أجنداته ومشاريعه، فنحن نبحث عن كلّ مَن يقف معنا في معركتنا ضدّ الكيان الصهيوني، وأنا مضطرّ إلى أن أحصل على هذه الخبرة من أيّ مكان جاءت، لكن ليس على حساب استقلاليّة قراري، ولا أدفع ثمناً مقابل ذلك، أيّاً كان مصدر هذا الدعم، من دول أو تنظيمات أو حركات، عربية أو غير عربية، إسلامية أو غير إسلامية”.
مصالح “أهل السنّة”
وأضاف أنّ “تلقّي الدعم من أيّ جهة لا يلزمنا بتأييد أجندتها في المناطق الأخرى، فأنا ألتقي مع الإيراني في معركة فلسطين، فيما أخالفه في أجندته في بلد آخر، وهو يقبل منّي ذلك. وينبغي للعرب أن يكونوا أقوياء فلا يدخلوا في صراعات مع الآخرين ممّن نختلف معهم ونتعامل معهم بتوازن، وهذا يضمن مصالح أهل السنّة في المنطقة”.
ولفت مشعل إلى وجود “أشكال مختلفة من الدعم تتلقّاها حماس: فقطر تقدّم 30 مليون دولار شهريّاً لغزّة، تتوزّع على فاتورة وقود الكهرباء، وجزء من رواتب الموظّفين، والعوائل الفقيرة في القطاع، وليس من دولة أخرى تقدّم غير قطر. أمّا تركيا فلها دورها في الدعم السياسي والماليّ. أمّا عسكرياً فليس من دولة تدعمنا غير إيران، والدعم الذي يأتينا منها، مالياً وعسكرياً وفي مجال تصنيع السلاح والخبرة والتدريب، لا يمكننا الاستغناء عنه في هذا المجال”.
ربّما لم يقُل مشعل السبب الأعمق للموقف الإيراني السلبيّ منه، وهو موقفه المتوازن وحرصه على البعد العربي في علاقات حماس وعموم تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم العربي، وهو الذي عمل على تبريد المواقف طوال السنوات التي شهدت مواجهة بين بعض الدول العربية والإخوان، وهو اليوم يبشِّر بضرورة عودة الإخوان إلى الصف العربي وانتهاء موجة الصدام الراهنة، وقد قال بوضوح إنّ “عودة الدعم العربي المتكامل سيؤدّي إلى توقّف قبول الدعم من إيران”.