مشروع موازنة 2022: سابقة اعتماد سعرين لصرف الدولار

الدكتور محمود جباعي | خبير اقتصادي ومالي

من الطبيعي أن يتم اعداد مشروع موازنة عامة للدولة، وهي بيان تفصيلي يوضح تقديرات إيرادات الدولة ومصاريفها من خلال وضع رسم وصورة للوحدات النقدية التي ستعكس في مضمونها خطة الدولة لسنة مالية مقبلة. وهذا البيان يتم اعتماده من قبل السلطة التشريعية في البلاد بعد خضوعه لجلسات مناقشة الموازنة والتصويت عليها من قبل الكتل النيابية الموجودة في البرلمان.

لكن مع الأسف، يعاني لبنان سنويًّا في هذا المجال حيث تُقَر الموازنات على مقاسات القوى السياسية ومصالحها المرتبطة أصلًا بمصالح القطاع المصرفي الذي يمتلك حصة وازنة من التمثيل النيابي والوزاري من مختلف الطوائف والمذاهب، مما يفرغ الموازنة العامة من مضمونها الأساسي القاضي بحماية مقدرات الدولة والمواطن على حد سواء. عدا عن ذلك، شهد لبنان مخالفات دستورية بسبب مرور عدّة سنوات دون اقرار موازنة عامة مما سهل تمرير صفقات الهدر والفساد التي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من انهيار مالي ونقدي واقتصادي شامل.

آلية تحديد سعر الصرف الرسمي في موازنة 2022

من المعلوم أن سعر صرف الدولار في لبنان قد واصل ارتفاعه الى حدود عالية وقياسية جديدة منذ بداية الأزمة الحالية عام 2019 حيث تخطى اليوم 30000 ليرة للدولار الواحد في تعاملات السوق السوداء وكذلك تخطى 24000 ليرة للدولار الواحد حسب تعاملات منصة صيرفة التي أسسها مصرف لبنان وبلغ 8000 ليرة وفق السحوبات المصرفية. لذلك من الطبيعي أن يتم العمل على توحيد أسعار الصرف في مشروع الموازنة أو تقريبها من بعضها بعضًا في الحد الأدنى.

أي توحيد لسعر الصرف يحتاج الى خطة تعافٍ اقتصادي مالي شاملة تنطلق من تحديد شفاف للخسائر وهذا ما لم يحصل حتى الآن، لذلك هناك تخوف من العبثية المالية التي سوف يتم اتباعها في موازنة 2022 وخاصة مع صدور تسريبات تؤكد أن السلطات المالية في لبنان سوف تعتمد سعرين رسميين للدولار في الموازنة القادمة، وهي سابقة لم تحصل في تاريخ إقرار الموازانات في أي بلد في العالم إلا في لبنان حيث الحلول الترقيعية المدمرة. وفي ما يلي نشرح آلية التسعير المقترحة:

1- سعر صرف رسمي للدولار يحدد بـ 8000 ليرة للدولار الواحد وذلك في عمليات احتساب الرسوم والضرائب وتنفيذ العقود الرسمية، وهذا ما سينسحب أيضًا على الرسوم الجمركية مما سيرفع حتمًا الأسعار بمعدل يتراوح بين 5 و6 أضعاف في مختلف المجالات الاقتصادية في البلاد.

2- سعر صرف رسمي للدولار يحدد بـ 1507 ليرات للدولار الواحد وذلك في معاملات مصرف لبنان والمصارف التجارية في مختلف المجالات حتى الضريبية منها وهذا يعتبر انحيازًا واضحًا من قبل السلطة المالية إلى المصارف التجارية لعدم تحميلها أي نوع من الخسائر.

انعكاسات تحديد أسعار الصرف في موازنة 2022

الواضح أن السلطة المالية في البلاد تسعى الى تحييد القطاع المصرفي عن أي تبعات للأزمة وهي تسعى فقط الى تحميل المواطنين والمودعين كل الخسائر الممكنة أو بالحد الأدنى أغلبيتها الساحقة، مما سيدفع نحو المزيد من الأزمات المعيشية والاجتماعية. الخطير في الأمر هو أن هذه الحكومة لم تقدّم إلى اليوم أي خطة مالية واقتصادية تساهم في معالجة الأزمات بل هي مستمرة بالنهج السابق للحكومات المتعاقبة والمبني على إطفاء خسائر الدولة والقطاع المصرفي من جيوب الفقراء والمودعين دون الاكتراث الى أوجاع اللبنانيين المختلفة على كافة الصعد. هذه السلطة الحاكمة أصبحت تشعر بأن المواطن لا حول له ولا قوة، لذلك تسير قدمًا في إفقاره وتدمير مستقبل أبنائه دون رحمة أو شفقة.

 

العهد

Exit mobile version