مسلسل الانتصارِ التاريخيّ … والمخرج الشعب الفلسطينيّ

جعفر خضور | كاتب سوري

– لافتٌ هو وبشدّة ما شهدته أرض فلسطين المحتلة خلال الفترات القليلة الماضية من معجزاتٍ وأحداثٍ يُشهدُ بعظمة معانيها وأبعادِ مضامينها، كان في مقدّمتها معركة سـيف القـدس والتي أثبتت فيها المقاومة الفلسطينيّة وإلى جانبها الشعب العربيّ الفلسطينيّ من تعاضد والتفاف واضح حول مقاومته قوة إمكاناتهِ وثِقَلِ حضوره العسكري الميداني دفاعاً عن بيت المقدس وفرض معادلات تشكل الأضداد ضد خطط تدنيسه وزجّ قطعان مستوطنيهِ فيه من جهة، ومحاولة طرد أهالي الشيخ جرّاح من بيوتهم التي يفوقُ عمرها عمر الكيان الصهيونيّ الغاصب من جهةٍ أخرى والذي كان قد احتل الحيّ في نكسة 67.

أمّا ثاني الأحداث اللافتة والتي من المهم أن نتحدّث عنها هو الشجاعة الفلسطينيّة الجامحة والتي بدت متجلّيةً في مشهدٍ يُثير إعجاب ودهشة من شاهده، وهو إطلاق النار من مسدس فيه بضع رصاصات بمواجهة سلاحٍ متطور فيه عشرات الرصاصات من مسافةٍ صفريّة شرق غزّة من شابٍ فلسطيني بقلب أسـد موجّهاً رصـاصـة الحقّ كلّه نحو عدوه الجندي الصهيونيّ الباطل كلّه مُرديه قتيلاً من خلال طاقة قطرها صغير يحتمي فيها جنديّ كيانِ الجُدران.

وبيت القصيد في ثالثِ الحلقات وأكثرها عِبرة، وهي انتزاع 6 أسرى حُكم عليهم بأحكام متفاوتة منها مدى الحياة لحرّيتهم. عبر حفرهم نفقاً بملعقة طعام في أكثر سجون الاحتلال أمنيّةً وحراسة مشددة. أبراج مراقبة، أجهزة تشويش مكالمات، أرض تغيّر لونها عند الحفر بها، عملية شاهدها عملياتٌ سابقة منذ أيام الاحتلال البريطاني وحتى اليوم، كان عنوانها
حربُ الإرادةِ والأدمغةِ المكسّرة لكلٍ قيّد مهما قسى تكوينه فأسيرُ الجسدِ حُرُّ الفكرِ والفكرة…
انتزعوا الحرّية وما هربوا، عبروا إلى الزمن الذي منه جاؤوا وإليه عادوا ليكملوا ما بدؤا فيه والذي جعلهم يرزحون تحت قيدِ الاحتلال في سجونه، مُدركين أنّ نضالهم ليسَ لكسرِ قيد سجنٍ أو حزّ قضبان زنزانة أو تنفيذِ حكمٍ ظالم”بتهمة” مقاوم. بل ليكسروا القيد الأكبر وهو زنزانة عام 48 التي أسرت أرض فلسطين وهجّرت أهلها وشتت شملهم ومزّقتهم ولم تستطع تفريقهم وفكّ التصاقهم الروحيّ والتاريخيّ الضارب في أعماق التاريخ والجغرافيا بوطنهم الأم…
هذه الحلقة التي كشفت وبرهنت وأكّدت ترهّل المنظومة الأمنيّة للاحتلال، وضعفها أمام الصفعات المتلاحقة على وجهها وإبصاقها الدّم والقيء، وعدم قدرتها على تداركِ فشلها ولا لملمتها لجراحها المفتوحة منذ ما بعد تموز 2006، وهنا لسنا نقع في حبائل الوهم ولا المبالغة، هذا ما أكدته التجارب وما أقرّوه قادة الكيان بألسنتهم وعلى الملأ، فتموز 2006 كشفَ زيفَ (الميركافا)، وأيـار 2021 برهنَ ورقيّة القبّة الصهيونية والتي باتت كالعربيدِ تقصفُ أهدافَ مالكيها، وأيلول 2021 أكّدَ غفلة الصهاينة وتبجّحهم الاستعراضي… مبرهنين بغفلتهم وضعفهم أنهم ليسوا سوى آلة حقدٍ فتاكة غير قادرين على البقاء أمام هوجان أي عاصفة تقتلعُهم وأي بركان يحرقُ وجودهم
وهذا تجلّى أيضاً في فقدانهم لثقة مستوطنيهم بهم
والحالة النفسيّة المتدهورة لديهم عقب حرب الـ11 يوماً.
عظيمٌ هو هذا المسلسل التاريخيّ من إخراج الشعب الفلسطيني وسيناريو مقاومتهِ المكتوب ببارود البنادق والصواريخ، من إنتاجِ حتميّة صراع معسكري الحق والباطل، وصوتُ شارته سنصلي في القدس، حلقته الأخيرة… زالـت (إسرائيل).

 

Exit mobile version