رضا الباشا | كاتب واعلامي سوري .
بداية كانون الأول/ديسمبر 2016 أعلنت أنقرة سيطرة الجماعات المسلحة التابعة لها المعروفة بقوات “درع الفرات” مدعومة بقوات الجيش التركي، على مدينة الباب بعد معارك مع مسلحي “داعش” استمرت لقرابة الشهرين.
شكلت الباب نقطة رئيسية لبداية المشروع التركي الجديد في الشمال السوري، بعد فشل مشروع أنقرة الرئيسي بالسيطرة على مدينة حلب.
وأعطت الباب وإلى جانبها مدينة أعزاز نفساً جديداً لتركيا لتحافظ بشكل رئيسي على تواجد لها في محافظة حلب، تواجد عززته لاحقاً بسيطرة مسلحي “غصن الزيتون” التابعين لها على منطقة عفرين، الأمر الذي أعطاها تمدداً على مسافة قاربت المئة والخمسين كيلو متراً من الحدود المشتركة مع سوريا.
سارعت تركيا لإعلانها إلحاق الإدارة المدينة للباب بولاية غازي عنتاب التركية، مع الحفاظ على خصوصية أن يكون والي الباب من التركمان السوريين، وأعلن البدء بالادخال المؤسسات الخدمية التركية “كهرباء، مياه، تعليم، واتصالات” إلى الباب كبديل عن المؤسسات السورية.
ونجحت أنقرة في بسط نفوذها الكامل على المدينة وتوابعها، لكن كافة المحاولات لضبط أمنها باءت بالفشل، وتحولت الباب إلى ساحة صراع جديدة بين الفصائل المسيطرة عليها، فتكررت التفجيرات وباتت مسرحاً للخطف والقتل على مدار السنوات الأربعة الماضية.
كما فشلت الاستخبارات التركية في إرضاخ الفصائل والسيطرة على عمليات الاغتيال في مشهد حمل نذر شؤم للمدينة، التي شدت الأنظار اليها خلال الشهرين الماضيين لكثرة التفجيرات والسيارات المفخخة التي انفجرت في أسواقها وأمام المقرات العسكرية لقيادات الفصائل في الباب، ما شرع أبواب التساؤل عن أسباب الفلتان الأمني في المدينة إلى جانب التركيز على المدينة تركية وحرص أنقرة لفرض تعتيم أمني على المدينة وأحداثها.
أين الباب من خارطة الشمال السوري اليوم؟
في خريطة الشمال السوري تبرز مدينة الباب كإحدى أهم مدن الريف في محافظة حلب، تقع إلى الجهة الشمالية الشرقية على بعد 50 كم من المدينة، كما تعتبر من أكبر المراكز السكانية في أرياف حلب بتعداد يناهز 300 ألف نسمة قبل بداية الحرب عام الفين وثلاثة عشر، ما يضعها كأكبر مدينة مسكونة في المحافظة بعد المركز مدينة حلب.
غابت الباب عن واجهة الأحداث بفعل الهدنة غير المعلنة لجبهتها بين أطراف الصراع ما أبعدها كلياً عن دائرة الأخبار الميدانية والعسكرية.
نهاية العام المنصرم وبداية العام الجاري عادت الباب إلى الواجهة وبشدة، خاصة بعد أن سجلت أرقاماً قياسية بعدد التفجيرات الإرهابية التي تطالها وبتعدد التجاوزات الأمنية فيها من قبل الفصائل الموالية لتركيا.
بنظرة بسيطة إلى المدينة تبرز الفصائل العسكرية ذات الولاء التركي الموجودة في المدينة، إضافة إلى المعابر المؤدية إلى المدينة والتي تربطها مع جوارها من المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة قوات قسد من جهة كما تربطها مع مناطق سيطرة الجيش السوري من جهة أخرى، كما تتعدد القوى الأمنية الفاعلة داخل المدينة.
ماهي الفصائل المسيطرة على الباب؟
الفصائل الموجود في المدينة متعددة وكثيرة وأهمها: “فرقة الحمزات، فرقة السلطان مراد، حركة أحرار الشام، الجبهة الشامية، أحرار الشرقية، جيش الشرقية، جيش الإسلام، فرقة محمد الفاتح، فرقة المعتصم، فرقة المنتصر، لواء الشمال، لواء الأحفاد”.
أكثر ما لفت الانتباه هو كثرة الفصائل الموجودة هناك، إلى جانب حرص معظم مسؤولي “الصف الأول” من تلك الفصائل على تواجدهم في مدينة الباب، ما دفعنا للتدقيق بهذه الجزئية والأسباب الكامنة خلفها، لتبرز لنا بعض النتائج التي قد تكون السبب بتعاظم وجود الفصائل في مدينة الباب، وتبرر وجود قادة الصف الأول فيها.
لعل السبب الأبرز يكمن بوجود المعابر غير الشرعية، التي تشكل مورداً هاماً لجني المرابح والمكاسب المالية لهؤلاء القادة.
ما هي المعابر غير الشرعية الموجودة في مدينة الباب؟
يوجد في مدينة الباب عدة معابر أهمها:
– معبر أبو الزندين: يسيطر فصيل “السلطان مراد” على المعبر، ويعتبر المعبر الرئيس لحركة التهريب لمناطق الدولة السورية، ومنه تعبر بعض شحنات الوقود والمواد الغذائية واللحوم إضافة إلى اغراق السوق السورية بالبضائع التركية المهربة إلى المحافظات السورية.
– معبر قرية السكرية “التفريعة”: تسيطر على المعبر كلا من فرقتي “الحمزات” و”الأحفاد”، يعتمد المعبر التهريب أيضاً مورداً مالياً له، فيعتمد التهريب إلى جهتين، من جهة الجنوب تعمل فرقتي الحمزات والأحفاد لتهريب المواد والبضائع التركية إلى مناطق سيطرة الدولة السورية مستغلة الطبيعة الجغرافية للمنطقة.
أما من الجهة الشمالية الشرقية فتربطها علاقات مع مسلحي قسد لنقل خردة الحديد والنحاس والألومنيوم، من مناطق شرق الفرات الى الباب ومنها الى المعامل التركية لاعادة تصنيع الحديد والالمينيوم والنحاس.
كما يستخدم المعبر لتهريب البشر من منطقة شرق الفرات الى الباب ومنها الى تركيا وصولاً إلى أوروبا، وهي التجارة التي برزت في السنة الأخيرة تحديداً، بالتزامن مع جائحة كورونا واغلاق مطارات العالم، ما جعل من طرق الترهيب البري للبشر سبيلاً للوصول إلى أوروبا عبر تركيا.
فوصل المبلغ المالي الذي يدفعه الشخص للوصول إلى تركيا قرابة الفين دولار، وإلى أوروبا تجاوز أربعة الالاف دولار، ما يكشف وجود مافيا عابرة للحدود تستغل الواقع لجني المكاسب المالية.
كما شكل المعبر بوابة لتهريب الثروة الحيوانية السورية من مواشي ودواجن إلى تركيا ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار اللحوم في السوق السورية وشكل عامل ضغط كبير على المواطن السوري في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا تحت مسمى قانون قيصر.
– معبر المقلع: تسيطر على المعبر “حركة أحرار الشام”، ويتعبر المعبر مختصاً بنقل البضائع التركية من الباب الى مناطق سيطرة “قسد” في المقابل يستخدم لنقل النفط السوري الذي تسيطر عليه القوات الأميركية ومسلحي قسد الى مناطق سيطرة المسلحين التابعين لتركيا في عفرين والباب وصولاً إلى محافظة إدلب، كما ينقل النفط أيضاً إلى الولايات التركية القريبة من الحدود السورية كولاية كلس وغازي عنتاب.
– معبر الحمرات باتجاه الغندورة: تسيطر “الجبهة الشامية” على المعبر، ويعتبر من المعابر الهامة في التبادل التجاري بين مسلحي “قسد” في منبج والعريمة، ومناطق سيطرة مسلحي درع الفرات في الباب والراعي، وينقل من معبر الحمرات الثروة الحيوانية السوري بشكل غير شرعي من شرق الفرات إلى تركيا كما يعتبر بوابة خردة الحديد إلى المعامل التركية ويستخدم أيضا لنقل الوقود الى مناطق سيطرة المسلحين التابعين لتركيا ولتهريب البشر الى أوروبا عبر تركيا.
على مدار السنوات الأربعة الماضية عملت هذه المعابر بالاتجاهين، وشكلت نقطة هامة أثارت العديد من التساؤلات حيال الصراع الدائر بين مسلحي قسد المدعومين أميركياً، وبين أنقرة الداعمة لمسلحي درع الفرات وما يعرف بالحكومة المؤقتة، خاصة اذا ما قرأنا حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين الطرفين.
ففي وقت منعت أميركا وقسد توريد النفط السوري من شرق الفرات إلى دمشق تنفيذاً كاملاً لقانون قيصر الأميركي، توجه مسلحو قسد لنقل النفط السوري لبيعه للمسلحين التابعين لتركيا في كل من عفرين والباب وصولاً إلى بيعه لهيئة تحرير الشام عبر مسلحين من درع الفرات يتكفلون بنقله إلى إدلب، ما شكل عائداً مالياً ضخماً لهذه الفصائل.
وتقدر كمية النفط التي يبيعها مسلحو قسد للمسلحين التابعين لتركيا بما يقارب، 35% من الإنتاج والذي يقارب 250 الف برميل يومياً، أي يحصل المسلحون على قرابة 80 ألف برميل نفط يوميا” كما ينقل القمح السوري إلى تركيا عبر المسلحين من خلال المعابر في مدينة الباب، وهو القمح الذي منعت قسد ومن خلفها أميركا، منعتا دمشق من الحصول عليه في ظل السياسة الأميركية الرامية إلى اخضاع دمشق وإجبارها على القبول بارداة واشنطن في سوريا.
التبادل التجاري مع قسد والمصالح الاقتصادية بين الفصائل المسلحة ومسلحي قسد كان يتم بمعرفة ومشاركة كافة القادة العسكريين للفصائل المسيطرة على مدينة الباب، وبصمت واغماض الطرف من قبل القادة الأمنيين والعسكريين الحاكمين للمدينة، ما يكشف حجم المنافع المالية الحاكمة في المدينة، فتستخدم الأجهزة الأمنية كذراع لإسكات المعترض من خلال الترهيب او الملاحقة، ولعل ما أوردناه يكشف لنا أيضاً السبب الرئيس لتعدد القادة الأمنيين وتبديلهم بتلك المدينة وأسباب استبعادهم أو دفعهم إلى تقديم استقالتهم.
من هي الأذرع الأمنية في الباب؟
بالحديث عن الجهات الأمنية المتواجدة داخل المدينة والمكلفة بضبط الأمن وتأمين الاستقرار في الباب، يبرز إلى جانب الشرطة كلا من جهاز الشرطة العسكرية التابعة لما تعرف “بالحكومة المؤقتة” من خلال وزارتي الدفاع والداخلية، كما يتضح للمتابع وجود كتيبة أمنية أو قوة أمنية خاصة تتبع لقادة الفصائل المتواجدة في الباب، تعمل بعيداً عن “الشرطة المدنية والشرطة العسكرية”.
وتعتبر هذه الكتائب الأمنية، أقوى من أجهزة “الشرطة المدنية والعسكرية”، ولا تملك أي جهة سلطة أو رقابة على عملها الكتائب الأمنية التابعة مباشرة لقادة الفصائل التي يتبعون لها بعيداً عن أي قوانين أو أنظمة داخلية.